مع كثرة خيارات المحال التجارية والمطاعم والمقاهي والفنادق والدعايات لها، يحتار المستهلك في اختيار المكان الذي يشبع احتياجاته، فيلجأ غالباً إلى المتصفح الأشهر "غوغل" والبحث في خرائطه التي يستخدمها أكثر من مليار شخص حول العالم، وهي التي أصبحت بوصلتنا الرقمية منذ انطلاقتها 2005.
بتنا نعتمد عليها ليس من أجل معرفة الاتجاهات فقط، إنما أيضاً لاستكشاف الأماكن من حولنا، فقد سمحت للمتاجر بتسجيل بياناتها وإضافة صور منشآتها وإبراز مميزاتها، وإضافة ميزة تسويقية تتمثل في إمكانية تقييم زبائنها لها، وإبداء آرائهم وتجاربهم، ما أعطى هذه التقييمات قيمة معترفاً بها كمرجع للمستهلكين.
أسهم هذا في تغيير إدارة رواد الأعمال أنشطتهم التجارية، إذ أصبح جزء من نشاطهم التجاري موجوداً على صفحات الإنترنت كسفارة لهم في العالم الافتراضي، مما جعلهم يحرصون على متابعة التعليقات التي باتت تحدياً جديداً لرواد الأعمال في الأعوام الأخيرة.
وفي الآونة الأخيرة قاد عدد من رواد الأعمال الشباب في السعودية حملةً على التقييمات في "خرائط غوغل"، معتبرين أن كثيراً منها كيدية ولا تعتبر تقييماً حقيقياً ولا تعبرعن مستوى الخدمة، الأمر الذي قادهم إلى مواجهة مع العملاء الذين يرون بأن جيلاً من الرياديين أقل قدرة على التماسك أمام انتقادات السوق وتقبل أذواق وتقييمات المستفيدين.
التعامل مع المرجعيات
يرى سفر بن حسن، رئيس إدارة مقهى تحالف القهوة في الرياض، وهو معروف بتفاعله مع تعليقات العملاء في "خرائط غوغل" بأن هذه المنصة هي واجهة رئيسة لأي محل تجاري، وتجاوبك مع العملاء يبين ثقتك في عملك، فإذا أردت النجاح في مشروعك يجب أن تقف على هذه التعليقات وتخصص موظفاً لمتابعتها.
ومع ازدياد أهمية التعليقات على "غوغل" يقف أصحاب المشاريع حائرين في التعامل مع هذه الموجة من التقييمات، وهل يتوجب عليهم الرد عليها أم تجاهلها، فهي تعكس وجهات نظر العملاء. ويشدد رئيس "تحالف القهوة" على أحقية صاحب المتجر في الدفاع عن مشروعه وتوضيح ذلك للعملاء "من حقك أن ترد، بخاصة إذا رأيت التعليق فيه ظلم وإجحاف في حق مشروعك، فعليك أن لا تترك أي تعليق سلبي من دون توضيح".
لكن ما الحافز الذي يجعل العميل يقتطع جزءاً من وقته لتقييم أي مكان يزوره؟ يرى ماجد رشدي، مستشار في مجال التسويق أنه "غالباً السعيد بالخدمة يغادر بصمت، بينما من يواجه خدمة سيئة ينفّس عن نفسه بالتعبير عن غضبه في التقييمات، لذلك تغلب التقييمات السلبية في الموقع". مضيفاً "المستاء يعبر عن استيائه وينتظر رد فعل بعدها. أفضل طريقة مباشرة هي التواصل معه على الصفحة العامة ليرى الجميع مبادرة التاجر بالتواصل. غير ذلك، إذا واجه التاجر أزمة يحتاج معها إلى تدارك التعليقات السلبية، فالأفضل له حث الراضين عن الخدمة بنقل تجربتهم للجميع، لرفع معدل التقييم العام للمتجر".
العميل دائماً على حق
ويبدو أن بعض أصحاب المشاريع لا يؤمنون بالعبارة المشهورة في عالم الأعمال، بأن "العميل دائماً على حق"، فينظر بعض رواد الأعمال للتعليقات وتقييمات خرائط "غوغل" بأنها موجهة إليهم شخصياً من دون الاستفادة منها لتطوير مشاريعهم، فينتقد عصام الدميني، مستشار التسويق وتطوير الأعمال، أصحاب المشاريع الذين وصفهم بأنهم دائماً "يعيشون دور الضحية والمؤامرة، ولا يقبلون سماع أي انتقاد لهم"، مضيفاً "على أصحاب المشاريع أن يضعوا في اعتبارهم أن هذه المراجعات غالباً ما تكون موثوقة من قبل العملاء، لذلك إذا كنت تتلقى تقييمات كيدية، فقم بوضع الرمز الشريطي أمام الكاشير للدخول على حسابك في غوغل ماب، واطلب من العميل الذي نالت التجربة رضاه أن يعلق بعبارة لطيفة ويضع تقييمه للمطعم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويجهل كثير من المستخدمين آلية التقييم، ففي حال لم ترضه خدمة واحدة يُقيم بنجمة واحدة، مما يؤثر في المشاريع، فيوضح مستشار التسويق عصام الدميني، أن "آلية التقييم المفترض اتباعها من قبل المستهلك يجب أن تكون بتقسيم النجوم على مجموع الخدمات، نجمة للسعر ونجمة للخدمة والثالثة للنظافة والرابعة للمنتج والأخيرة للمكان بشكل عام، فلا يصح عندما لا يعجبك شيء واحد أن تنسف المجهود المتبقي".
ومع تزايد موثوقية هذه التقييمات بدأ بعض المطاعم والفنادق والمقاهي تقديم هدايا متواضعة للعملاء مقابل كتابة تعليقات إيجابية على الموقع. وظهرت العديد من الإعلانات التي تقدم لأصحاب المحال التجارية عروض بيع تقييمات وتعليقات إيجابية، إذ تبلغ قيمة ستة تعليقات مع التقييم 50 ريالاً (13 دولاراً).
تقييمات جاهلة
ولأن العميل هو من يمنح أي مشروع قيمته من أجل أن يستمر، بات على أصحاب المحال التعامل مع مختلف الأمزجة بسماتهم المتنوعة، وطرق التعامل مع كل منهم للحفاظ على صورة المشروع، فيشير رئيس إدارة تحالف القهوة إلى أشكال هذه التعليقات التي تفد إليهم، "هناك زبائن عقلاء يدركون ويعرفون قيمة التعليق، وهناك من ليس لديه أي دراية بأثر هذه التعليقات على أصحاب المشاريع فيقيم بنجمة واحدة فقط ويكتب تعليقاً ينسف جهود المشروع كاملة، من دون إدراك بأن هذا التعليق قد يعني أن أشخاصاً قد يمتنعون عن الذهاب إليه بسبب تعليق منفعل".
ويرى بأن غالبية المستائين وأصحاب الردود السلبية "يريدون أن تلبي رغباتهم واحتياجاتهم التي غالباً تأتي مخالفة لسياسة أصحاب المتاجر، فيبدأون في الانتقاد في غوغل، مثلاً من يريد إضافة صنف غير موجود أو طريقتنا في عمل القهوة تختلف عن مزاجه، وهناك من يكتب تعليقاً فقط لأن ديكور المحل لم يعجبه، هذا ليس نقداً، هذا جهل".
ولم يغفل بعض رواد الأعمال أهمية التقييم باعتباره أداة لقياس أداء العاملين في المشروع، فيشير سفر بن حسن إلى الإيجابيات التي توفرها هذه التعليقات لأصحاب المتاجر، بخاصة من كان لا يدير المشروع بنفسه بشكل مباشر، فهي تعطيه صورة كاملة عن المشروع. وأضاف أنها "تشعر العاملين أنهم تحت الرقابة إذا كنت توليها الاهتمام اللازم".
في حين ترى لطيفة علي، صاحبة صالون "اهتمام الجمال"، وهي أيضاً إحدى المتفاعلات مع تعليقات "غوغل"، أن كل التعليقات الموجودة "كيدية"، وأنها اتجهت للقانون لرفع قضايا سب وتشويه سمعة على من انتقدها. وهذا ما أشار إليه المستشار القانوني محمد العزي، بأنه في حال كان النقد غير صحيح وكان لمجرد تشويه سمعة يحق لصاحب المنشأة تقديم شكوى وهي تتبع الجرائم الإلكترونية.
سياسة "غوغل" مع منتهكي نظام التقييم
إلا أن "غوغل" أكدت وجود ما يكفي من الضوابط للحفاظ على مصداقية العملية وضوابط ممارستها، إذ تستخدم أنظمة رصد مبرمجة وذلك بهدف إزالة المحتوى المخالف لسياستها، بحسب ما ذكرته لنا الشركة في حديث خاص.
وأكدت "غوغل" أنها حظرت 55 مليون مراجعة مخالفة لسياستها، وما يقارب ثلاثة ملايين ملف تجاري زائف، وأكثر من 960000 مراجعة، وأكثر من 300000 ملف تجاري تم الإبلاغ عنها بواسطة المستخدمين.
وأضافت أن تقنيات عملاق التقنية العالمي أسهمت في تعطيل أكثر من 610000 حساب بعد الرصد والتحقق من سلوكيات الحسابات المشبوهة والمخالفة لسياستنا، ولا تكتفي الشركة بإزالة المحتوى المخالف من منصتها فقط، بل يمكن أن يصل الإجراء إلى تعليق وحذف الحسابات التي تكون مرتبطة بالمخالفات.