لن تتميز رحلتك إلى شارع المتنبي الثقافي وسط العاصمة العراقية بغداد، إلا بالجلوس في مقهى الشابندر، الواقع نهاية الشارع، والقريب من المجمع الحكومي إبان العهد الملكي، حيث تجد الأدباء والشعراء والسياسيين والمثقفين وجميع طبقات المجتمع العراقي بمختلف فئاتها العمرية في مكان واحد ومقهى واحد.
تأسيس المقهى
يكتظ مقهى الشابندر العريق الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1917، بعد أن كانت البناية عبارة عن مطبعة لطبع الكتب، برواده وزائري شارع المتنبي، لا سيما يوم الجمعة، حيث يشهد زخماً كبيراً.
وسمي هذا المقهى باسم الشابندر نسبة إلى أسرة الشابندر العريقة، وهي إحدى العائلات البغدادية القديمة، حيث تتخذ من العمل السياسي والتجاري مهنة لهم.
يقول صاحب المقهى، محمد الخشالي، الذي تسلم إدارة المقهى عام 1963، "المكان تأسس عام 1917، لكن تاريخ بنائه أقدم من ذلك، حيث كان سابقاً مطبعة لطبع الكتب"، مبيناً أن "مؤسس المقهى هو محمد سعيد الجلبي الذي بناه على ركام مطبعة موسى الشابندر، التي بُنيت بين عامي 1907 – 1914، كما نفي موسى الشابندر إلى خارج العراق، وبعد وفاة صاحب المقهى التزم ابنه محمود الجلبي بالمطبعة والمقهى وأعاد العمل بهما من جديد".
حضور كبير
والمقهى الذي يتميز بالطراز البغدادي القديم، حيث تنتشر صور الملوك والوزراء وكبار المثقفين، شهد حضوراً كبيراً من قبل المسؤولين العراقيين على مدار أكثر من قرن كامل، حيث كان يرتاده الموظفون والمسؤولون في الدولة العراقية، كذلك اليوم يزوره غالبية الوفود العربية والأجنبية التي تأتي إلى زيارة شارع المتنبي، حيث يعتبر المقهى منتدى دائماً للثقافة والفكر والفن والسياسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم يكن مقهى الشابندر بعيداً عن الاستهداف الإرهابي، حيث شهد في عام 2007 أثناء الصراع الطائفي، تفجير سيارة مفخخة في مقهى الشابندر في شارع المتبني، حيث راح ضحية التفجير 68 شهيداً، بينهم أربعة من أولاد صاحب المقهى، إضافة إلى حفيده، لكن الخشالي أعاد في وقت لاحق ترميمه، وافتتحه من جديد.
قطعة مكملة لشارع المتنبي
يقول أحد زائري المقهى، القاص والروائي إبراهيم سبتي، في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "حين تتجول في شارع المتنبي ينتهي بك المطاف في مقهى الشابندر التراثي في آخر الشارع، وهو بمثابة نقطة استراحة ممتعة، وأنت ترى عبق التراث البغدادي ممثلاً بالصور المعلقة على جدران المقهى".
وتابع، "إنه حاضرة ثقافية واجتماعية مهمة لفئات مختلفة من الرواد، فالمثقف والأديب وعامة الناس كلهم يشتركون في الجلوس والتزود بالمعرفة البصرية التي تعيد التاريخ لعقود وعقود، وكم هي تمثلات تاريخية حين تحلق في أجواء التراث والجلسة البغدادية العتيقة التي تمتلك طعماً لا يمكن أن يراه أي زائر إلا في هذا المكان الذي أصبح يمثل الماضي بطريقة معاصرة".
وأكد أن "عبق الماضي يحيط بالمكان، وكأنه أشبه بمتحف يخبرك بتاريخ بغداد، وهو يحلق في فضاء الأصالة والثقافة، التي كانت سابقة عصرها".
وأضاف، "نشعر بأن مقهى الشابندر قطعة مكملة لشارع المتنبي والقشلة والبيت البغدادي وتمثال المتنبي ودور النشر والمطابع، ولا يمكن أن نتصور كل هذه الأماكن دون المقهى الذي صار أيقونة الشارع".
ويقول أحمد مصطفى لـ"اندبندنت عربية"، "أنا على دوام مستمر بزيارة شارع المتنبي، لكنني أتوقف عند مقهى الشابندر حيث أجد الكثير من الأصدقاء والأدباء والمثقفين موجودين في المقهى العريق، ونتجالس للحديث عن آخر الإصدارات الأدبية والوضع العام في البلد، إضافة إلى أمورنا الشخصية".
واعتبر مصطفى، "الشابندر كل شيء فيه يشير إلى عراقة وتاريخ العراق الحديث، بدايةً من العهد الملكي، وصولاً إلى الجمهوري، إضافة إلى الديكور ذي الطراز البغدادي القديم الذي يعطيك انطباعاً مميزاً والصور الموجودة لكبار الشخصيات والمثقفين، حيث تحظى في المقهى بمعرض دائم يحتوي على تاريخ العراق الحديث".