شهدت دول آسيا الوسطى المجاورة لأفغانستان نشاطاً سياسياً مكثفاً خلال قمتين لمنظمتي "معاهدة الأمن الجماعي" و"شنغهاي للتعاون" استضافتهما دوشانبي، عاصمة طاجكستان، خلال اليومين الماضيين، بهدف ما وصفه المجتمعون بـ"تذليل الهواجس الأمنية" في المنطقة.
وأقرت قمة "منظمة معاهدة الأمن الجماعي" خطة للتحرك في حال تدهور الأوضاع على حدود طاجكستان مع أفغانستان، كما أعلنت إجراء مناورات عسكرية واسعة لقواتها الشهر المقبل قرب تلك الحدود، وأعربت قمة المنظمة التي تقودها روسيا عن دعمها لاعتماد الوسائل السياسية لتسوية الأوضاع في أفغانستان، وتذليل كل الهواجس الأمنية التي تقلق جيرانها، مع وجود موقف مشترك برفض وجود لاجئين أفغان، أو إقامة قواعد أجنبية على أراضي الدول الأعضاء في المنظمة.
وتضم المنظمة 3 دول من آسيا الوسطى، هي طاجكستان التي لها حدود طويلة مع أفغانستان، وقيرغيزستان وكازاخستان، ودول أخرى سوفياتية سابقة هي روسيا وبيلاروس وأرمينيا، الأكثر بعداً عن أفغانستان، كما أن دولتين في آسيا الوسطى، هما أوزبكستان وتركمانستان، تشتركان في الحدود مع أفغانستان، لكنهما ليستا عضوين في المنظمة، وتأسس تحالف منظمة معاهدة الأمن الجماعي عام 1992، وتسعى موسكو منذ سنوات عديدة إلى تعميق التكامل العسكري للدول الأعضاء.
وأتاح انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان الفرص لتوسيع النفوذ الصيني، ولكن خشية بكين أن تجر إلى فراغ أمني في أفغانستان تدفعها للبحث عن حل مشترك في وسط وجنوب آسيا، وتأمل في أن تصبح منظمة شنغهاي للتعاون منتدى يمكن فيه استعراض العضلات الدبلوماسية، ولا تزال بكين تقدر النهج متعدد الأطراف تجاه المشاكل الخطيرة، وتتردد في تولي دور الولايات المتحدة، التي لعبت دوراً رائداً في أفغانستان، لذلك تسعى بكين جاهدةً لتشكيل استجابة جماعية للتحديات.
وأقامت بكين علاقات عمل مع حركة "طالبان"، ووافقت على تقديم المساعدة لأفغانستان والتبرع بلقاح فيروس كورونا، وأشادت الحركة بالصين، ودعمت مبادرة الحزام والطريق، ووعدت بأنها ستمنع مجموعات الإيغور، التي تعتبرها بكين تهديداً داخلياً، من العمل في أفغانستان.
ومع ذلك، يبدو أن الأمر سهلاً، حيث تُظهر روسيا أيضاً استعدادها للتعاون مع "طالبان"، ولكن هناك العديد من الخلافات الرئيسة التي يجب حلها بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على الحدود مع أفغانستان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضحت روسيا أنها لن ترحب بأي استئناف للوجود العسكري الأميركي في آسيا الوسطى، بل اقترحت أن هذا قد يجذب المتشددين الإسلاميين، بتشجيع من انتصار "طالبان" في أفغانستان، لكن موسكو كانت مترددة أيضاً في تولي زمام المبادرة في توفير الأمن فيما تعتبره "حديقتها الخلفية" في آسيا الوسطى، حيث تقع ثلاث دول على طول الحدود الشمالية لأفغانستان، وبدلاً من ذلك، شدد الكرملين على الحاجة إلى تعزيز منظمة معاهدة الأمن الجماعي.
ولا تزال طاجكستان معادية لـ"طالبان"، وقلقة في شأن ما قد تعنيه الحركة لأمنها الداخلي، بينما تتأرجح أوزبكستان في موقفها، وتجري اتصالات مع الحركة في محاولة لإبعاد نفسها عن أي فوضى على طول الحدود.
وتتمتع باكستان بعلاقة صعبة مع "طالبان"، لكن إسلام آباد تظل أقرب طرف لها، وفي غضون ذلك، تنظر الهند إلى الحركة على أنهم أتباع باكستان، ولدى دلهي مخاوف استراتيجية طويلة الأمد في شأن المخاطر التي يشكلها حكم "طالبان"، ومجرد محاولة إيجاد أرضية مشتركة بين هذه المواقف المتضاربة وسط تجمع شنغهاي ليس بالأمر البسيط.
يذكر أنه بعد غياب الاتحاد السوفياتي واستقلال جمهوريات آسيا الوسطى (كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجكستان)، بدأت الصين تواجه مشكلة حركة تركستان الشرقية، والخطر الشديد الذي شكله الإيغور الموجودون في جمهوريات آسيا الوسطى الناطقة باللغة التركية، وكانت حكومات آسيا الوسطى قد أوقفت بضغط من الصين نشاط الإيغور في دولها.
ومن أجل مكافحة الحركة الانفصالية والتطرف، وبمبادرة من بكين في عام 1996 تشكّلت منظمة "خمسة شنغهاي" (الصين وروسيا وطاجكستان وقيرغيزستان وكازاخستان)، الساعية إلى تعزيز الثقة والأمن في مناطقها الحدودية، وبانضمام أوزبكستان إلى المنظمة في عام 2001 تغير وضع المنظمة، واسمها، وأعلن قادة الدول الست تشكيل "منظمة شنغهاي للتعاون".
ومن المؤكد أن الصين تريد استخدام منظمه شنغهاي لإحكام سيطرتها الاقتصادية على منطقة آسيا الوسطى، كما أن من الواضح أن دول آسيا الوسطى مهتمة بتنامي النفوذ الصيني في المنطقة، بهدف الموازنة بين هذا الدور وبين روسيا والولايات المتحدة اللاعبين العملاقين الآخرين في المنطقة.
الشيء الأبرز في قيام منظمة شنغهاي التي يقطن بلدانها نصف سكان الأرض، تمثل في التقارب الصيني - الروسي الذي يفسر بمحاولة بكين وموسكو الاهتمام بمصالحهما في آسيا الوسطى، في حين يشار أيضاً إلى دور "التشدد الإسلامي" و"الانفصالية" في تسريع قيام هذه المنظمة، ولكن ما يجمع عليه المراقبون هو أن أمن منطقة آسيا الوسطى واستقرارها، مرتبطان بمستوى التوافق بين قطبي المنطقة موسكو بثقلها السياسي الكبير وخلفيتها التاريخية، وبكين العملاق الاقتصادي الإقليمي.
وكان الاهتمام الدولي بقمة طاجكستان سابقاً على عقدها، ومبعثه بعد مجريات أغسطس (آب) الدراماتيكي، الذي شهد عودة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان، فقد تصدر الوضع الأمني في المنطقة جدول أعمال قمة قادة شنغهاي، نظراً لأن الوضع في أفغانستان يسود الآن على مشاكل أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون، ويمكن اعتبار رد فعل المنظمة على الأحداث في هذا البلد بمثابة اختبار أساسي لتحديد الأهمية المستقبلية للكتلة الأوروبية الآسيوية التي تتزعمها روسيا والصين، وسط وجهات نظر مختلفة بين أعضاء المنظمة تجاه "طالبان".
وركزت كتلة شنغهاي الأمنية خلال قمة طاجكستان، التي تضم الصين والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وباكستان وروسيا وطاجكستان وأوزبكستان، على تداعيات انسحاب قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان وعودة "طالبان" إلى السلطة، كما شهدت القمة انضمام السعودية ومصر وقطر كشركاء للحوار في منظمة شنغهاي للتعاون، وتم اتخاذ قرار منح العضوية الكاملة لإيران.
وشارك في قمة طاجكستان قادة روسيا والصين وباكستان والهند وإيران ومنغوليا وجمهوريات آسيا الوسطى، ودعت دول منظمة شنغهاي للتعاون خلال قمة قادتها إلى تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، وشهد الاجتماع دعوات لمساعدة هذا البلد، ومواجهة ما وُصفت بالتهديدات الإرهابية والتدخلات الخارجية في المنطقة.
فقد أكد البيان الختامي للدورة الـ20 لقمة منظمة شنغهاي التي استمرت يوماً واحداً، ضرورة إقامة حكومة شاملة في أفغانستان بمشاركة جميع المجموعات العرقية والدينية والسياسية في المجتمع، كما أكد ضرورة التسوية السريعة للوضع في أفغانستان.