في شوارع المدن التونسية، وفي الأحياء الغنية والفقيرة، من الشمال إلى الجنوب، ينتشر باعة الفاكهة الأكثر شعبية في تونس، التين الشوكي الذي يطلق عليه اسم "الهندي". وعلى امتداد النهار، يتوافد المواطنون، نساءً ورجالاً، كباراً وصغاراً، كي يقشر لهم الباعة بعض حبات الفاكهة التي يستمتع بها الجميع.
ومن المفارقات الطريفة في تونس أن كثيراً من الأشياء تباع بما يسمى الحارة، وهي أربع حبات أو قطع. و"الهندي" أو التين الشوكي يباع بهذه الطريقة. وتجد كثيرين يشيرون إلى الباعة بالقول، "قشر حارة هندي". ويعتقد عياض الهمامي، أن "استعمال كلمة حارة يعود إلى العلاقة التاريخية الطيبة بين المسلمين واليهود في تونس منذ مئات السنين". والحارة تطلق على الحي اليهودي في المدن التونسية، ولربطها بالرقم أربعة علاقة بشكل الكنس اليهودية المبني بشكل مربع. وهذا الربط له جذوره القديمة، وأول من استعمل هذه الكلمة هم التجار اليهود في تونس.
قسمة الأراضي الزراعية
انتشار شجيرات التين الشوكي البعلية في كثير من القرى والمناطق الزراعية كان أساساً لتقسيم الأراضي ومنع التعدي عليها بحكم أنه يصعب قلع جذورها، وهي تتمدد بشكل أفقي يجعل تقسيم الأراضي واضحاً. ويقول الفلاح حسن الشماخ، وهو من منطقة الخليدية، إحدى المناطق الزراعية القريبة من تونس العاصمة، إن "شجيرات التين الشوكي ساهمت في الفصل بين الأراضي الزراعية، وزراعتها ليست مكلفة، وتسقى بمياه الأمطار، ولا تحتاج إلى رعاية، وتحولت مع الوقت إلى تجارة رابحة، إذ تباع ثمارها في الأسواق، ومطلوبة بشكل كبير، واستُفيد منها لصناعة المواد الطبية وشبه الطبية، وزاد الإقبال على زراعتها، كما أن الزيت المستخرج من بعضها يستعمل في مراكز العلاج الطبيعي وفي مواد التجميل".
أدوية وعلاجات
وتلفت حنان فتاحي، مساعدة طبية تعمل في إحدى الصيدليات، إلى أن "التين الشوكي الأملس (الهندي) أصبح مصدر إنتاج لكثير من الأدوية والعلاجات، وهناك شركات تنتج بمواصفات طبية عدداً من العلاجات والمراهم والزيوت التي تستخدم في صناعة مواد التجميل والرعاية الصحية والتدليك، وهذه الزيوت تباع في كثير من دول العالم، ويزداد الطلب عليها في الأسواق".
وتضيف فتاحي، أن "زيت التين الشوكي يعد أحد أهم المواد التي تنتجها مؤسسات متخصصة بالتصدير، وأسعار هذه الزيوت مرتفعة في الأسواق العالمية، والطلب على هذه المواد في السوق المحلية أو للتصدير مرتفع جداً".
إنتاج كبير وطلب أكبر
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بحسب وزارة الفلاحة، فإن شجيرات التين الشوكي تمتد في تونس على مساحة 600 ألف هكتار، وتعد موئلاً بيولوجياً لعديد من الحيوانات، وتساعد في منع انجراف التربة والتصحر، وفي توفير الأعلاف الحيوانية.
وعلى امتداد المناطق الساحلية والداخلية، الجبلية والصحراوية، تنتشر زراعة التين الشوكي البعلي أو المروي. ويخصص جزء من الإنتاج للتصدير إلى دول الخليج العربي وأوروبا. وقد وصل حجم الصادرات في عام 2020 إلى نحو ألف طن، وحققت مداخيل تقرب من 3 ملايين دولار.
الفقراء وسلطان الغلة
على عربات بسيطة تجد فوقها ثمار التين الشوكي يقف الباعة يقشرونها، وتختلف ألوانها بين الأصفر والأخضر والبنفسجي. وتقول الحاجة بشرى الخريجي، إن صحن التين الشوكي المقشر لا يغيب عن طاولة الطعام، وتقصد يومياً الباعة لشراء حبات منه تضعها في الثلاجة، واصفةً ذلك بـ"المتعة التي لا يعرف قيمتها إلا الفقراء".
ووسط تونس العتيقة، يتربع أحد أقدم المطاعم الشعبية في العاصمة. ويقول صاحبه، خير الدين الحاج قاسم، إن مطعمه يقدم مع الوجبات الشعبية والتقليدية الفواكه التي يحبها التونسيون صيفاً وشتاءً، وفي الصيف يكثر الزبائن الذين يطلبون صحناً من "الهندي" البارد الذي يعد أكثر الفواكه شعبية.
ويضيف، "التين الشوكي يحول في عدد من مناطق الوسط الغربي والجنوب إلى ما طعام مثل المربى التي تستخرج من الفواكه، وكان على امتداد قرون طويلة إحدى الأكلات الشعبية المشهورة في تلك المناطق".