يُتوقع أن يطالب آلاف المسافرين شركات طيران وغيرها من شركات السياحة والعطلات، بتعويضات مالية تُقدر بملايين الجنيهات الاسترلينية، بعد ارتكاب خطأ منعهم من ركوب الطائرات للتوجه إلى أوروبا. وكانت صحيفة "اندبندنت" قد نبهت مراراً عدة الحكومة البريطانية، منذ أن غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي، إلى أنها تسيء تفسير قوانين صلاحية جواز السفر بعد دخول اتفاق "بريكست" حيز التنفيذ.
معلوم أن دول الاتحاد الأوروبي تطبق على "مواطني الدول الثالثة" [الأخرى]، نوعين من القوانين، يتمثل أولهما، بحسب ما قيل للمسافرين، في أنهم "يحتاجون لجواز سفر ساري المفعول لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، بعد التاريخ الذي يعتزمون فيه مغادرة دولة أوروبية يزورونها"، والثاني في أن "ذلك ينطبق أيضاً على الجوازات التي صدرت خلال الأعوام العشرة السابقة".
يُشار إلى أن كل من الشرطين الآنفي الذكر منفصل عن الآخر. وهذا يعني أنه يمكن للمسافر التوجه باطمئنان إلى إحدى الدول الأوروبية في الأول من شهر يناير (كانون الثاني) من السنة المقبلة 2022 بجواز سفر صادر في الثاني من يناير عام 2012، مع تاريخ انتهاء الصلاحية في مطلع يوليو (تموز) من السنة 2022، ويمكنه تالياً البقاء هناك حتى الحادي والثلاثين من مارس (آذار) 2022.
لكن حكومة المملكة المتحدة تزعم ما هو عكس ذلك. وقد اتبعت شركات سفر عدة إرشاداتها المنشورة عبر موقعها الإلكتروني. ولجأت بعض شركات تنظيم العطلات - في إطار تطبيقها التأويلات غير الصحيحة لتشريعات الاتحاد الأوروبي الصادرة عن الحكومة البريطانية - إلى استبعاد الركاب الذين كانوا يحملون وثائق سفر صالحة، ما جعلها تواجه الآن وابلاً من المطالبات بأن تعوض عليهم خسائرهم.
مجموعة "توي" Tui وهي من أكبر شركات السياحة والعطلات في بريطانيا، بدلت الآن سياستها لتتوافق مع القانون الأوروبي - لكن فقط بعدما رفضت بشكل خاطىء السماح لعدد كبير من الركاب بالصعود إلى الطائرات.
فانيسا بريتشارد ويلكس هي سائحة من بين عدد من الذين حجزوا عطلاتهم في أوروبا، الذين حُرموا على نحو خاطئ من الصعود إلى الطائرة هذا الصيف. فقد منعها موظفو شركة "توي" يوم الجمعة الفائت، من أن تأخذ رحلتها من مطار بيرمنغهام، للتوجه إلى جزيرة تينيريفي الإسبانية في المحيط الأطلسي، على الرغم من أن جواز سفرها لا يتعارض مع قواعد الاتحاد الأوروبي في شأن انتهاء الصلاحية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت قد أنفقت هي وزوجها كريس أكثر من 1,600 جنيه استرليني (2,200 دولار أميركي) لقضاء إجازتهما. وبعدما قام الزوجان بتسجيل وصولهما من دون أي مشكلة في مطار بيرمنغهام، إلا أنهما فوجئا لدى بلوغ بوابة المغادرة، بعدم السماح لهما بالسفر، بحجة أن جواز فانيسا غير صالح للتوجه إلى إسبانيا.
وقد كان للسيدة بريتشارد ويلكس الحق الكامل في السفر إلى أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي، بجواز سفرها الصادر قبل أقل من 10 أعوام، الذي لا يزال ساري المفعول لأكثر من 3 أشهر، بعد التاريخ المحدد للمغادرة والعودة إلى الوطن.
وتوضح السيدة أن شركة السياحة التي حجزت تذكرتيْ سفرهما من خلالها، أبلغتها بأنه في حال سمحت لها بالطيران، "فسيتم تغريم شركة ’توي‘، وستتعرض وزوجها للاحتجاز في المطار، وانتظار الرحلة الآتية المتاحة للعودة إلى البلاد".
أمام هذا الواقع، كان على السيدة بريتشارد، وهي موظفة محترفة في مجال الإسكان من بلدة ساتون كولدفيلد قرب بيرمنغهام، أن تنفق 177 جنيهاً استرلينيا (244 دولاراً) للحصول على جواز سفر جديد - وهو ما لم يكن ضرورياً من الناحية القانونية - وعاودت السفر أخيراً لقضاء إجازتها في "جزر الكناري" متأخرةً أربعة أيام عن الموعد الأصلي.
وقال ناطق باسم مجموعة "توي"، "بعد المعلومات الجديدة التي تلقيناها، يمكننا أن نؤكد أننا قد غيرنا سياستنا الآن. فالركاب لن يُمنعوا من الصعود إلى الطائرة على أساس أن جواز سفرهم يتطلب أن يستوفي كلا الشرطين الأوروبيين على نحو حتمي".
جدير بالذكر أنه أثناء وجود المملكة المتحدة ضمن كتلة الاتحاد الأوروبي، كانت جوازات السفر البريطانية صالحةً للاستعمال حتى تاريخ انتهاء صلاحيتها. وتم إصدار عدد من جوازات السفر لأكثر من 10 سنوات، مع إضافة رصيد مجاني قد يصل إلى 9 أشهر لأي صلاحية وثيقة لم يتم استخدامها عند تجديد الجواز.
وفيما توقف العمل بهذه الممارسة الآن، ما زالت ملايين جوازات السفر الخاصة بمواطنين بريطانيين، التي صدرت ما قبل شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2018، متداولة وخاضعة لمدة صلاحية إضافية.
وتؤكد حكومة المملكة المتحدة أنه "يتعين أن تكون الأشهر الثلاثة التي يحتاجها حامل الجواز عند مايغادر بلداً ما، ضمن حدود 10 سنوات من تاريخ إصدار جواز السفر". وبناءً على طريقة الاحتساب هذه، لا يمكن استخدام جواز بريطاني صادر قبل أكثر من 9 أعوام و9 أشهر، من أجل السفر إلى الاتحاد الأوروبي.
إلا أن "المفوضية الأوروبية" أكدت لصحيفة "اندبندنت" أن تفسير الحكومة البريطانية خاطئ. إذ يتعين على جواز السفر ببساطة أن يستوفي الشرطين الأوروبيين بشكل مستقل. فعلى سبيل المثال، يمكن لشخص يحمل جواز سفر صادر في 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 ومدة صلاحيته تمتد حتى 2 أبريل (نيسان) من سنة 2022، أن يسافر إلى دول الاتحاد الأوروبي في أي وقت يريده حتى 1 أكتوبر من سنة 2021. ويمكنه البقاء فيها لمدة تصل إلى 90 يوماً، أي حتى 30 ديسمبر (كانون الأول) 2021.
وفي هذا الإطار، استمعت "اندبندنت" لعدد من الحالات ما بين المسافرين، تنطبق على أصحابها هذه الشروط في جوازات سفرهم، إلا أنه جرى رفضهم. وهؤلاء المتضررون هم الأشخاص الذين صدرت جوازات سفرهم قبل أقل من 10 أعوام، وفي التاريخ المحدد للعودة من الاتحاد الأوروبي، كانت هناك فترة صلاحية متبقية لثلاثة أشهر على الأقل.
ويمكن للمسافرين الذين حُرموا خطأً من الصعود إلى الطائرة، طلب تعويض من شركات الطيران وشركات السياحة. ومن المرجح أن يبلغ مجموع المطالبات، ملايين من الجنيهات الاسترلينية، في وقت تتعرض فيه شركات السفر لضغوط شديدة في مواردها المالية.
وبموجب قواعد حقوق المسافرين جواً، يحق للراكب الذي يحمل وثائق صحيحة، والذي يُمنع من الصعود على متن رحلة إلى أوروبا، إما الحصول على تعويض نقدي بقيمة 220 جنيهاً استرلينياً (331 دولاراً)، أو 350 جنيهاً استرلينياً (483)، وفقاً لمسافة الرحلة، إضافةً إلى استرداد جميع المبالغ التي دفعها.
لكن نظراً إلى تأثر كثير من العطلات العائلية من سوء تطبيق قوانين الجوازات، فقد تصل قيمة بعض المطالبات إلى آلاف الجنيهات. ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أنه حتى بعدما قدمت صحيفة "اندبندنت" أدلة للحكومة البريطانية من عاصمة الاتحاد الأوروبي، على أن تفسيرها خاطئ، رفضت وزارة الداخلية إجراء تصحيح.
وفي تعليق من الحكومة على ذلك، قال ناطق باسمها إنه "بعدما غادرت المملكة المتحدة كتلة الاتحاد الأوروبي، تغيرت قواعد السفر إلى أوروبا، وبات يتعين علينا أن نتبع القواعد المتعلقة بصلاحية جوازات السفر المنصوص عليها في قانون الحدود في شأن السفر إلى ’منطقة شينغن‘".
وأضاف أن "الأدلة المقدمة لا توضح ما إذا كان هناك من ترابط بين القواعد المتعلقة بجوازات السفر الصادرة خلال الأعوام العشرة الماضية، والقواعد الخاصة بصلاحيتها لمدة ثلاثة أشهر على الأقل، بعد التاريخ المحدد لمغادرة الدولة الأوروبية التي يزورها المسافرون".
وأردف متوجهاً إلى المواطنين البريطانيين الراغبين بالسفر إلى دول الاتحاد الأوروبي بالقول، "من أجل تجنب احتمال مواجهة صعوبات على أي حدود، عند الامتثال لهذه القواعد، ما زالت توصياتنا تشير إلى أن أي أشهر إضافية تضاف إلى جواز سفر مدته عشر سنوات قد لا يتم احتسابها"، مؤكداً أن "الحكومة لا تقدم أي اعتذار عن تبني نهج احترازي، يهدف إلى تجنب المخاطرة وضمان عدم تعرض المواطنين لمشكلات على الحدود".
واستغربت السيدة فانيسا بريتشارد ويلكس من هذا الموقف قائلةً "إنه لأمر محير فعلاً أن يعتمدوا نهج تجنب المخاطرة هذا. قد نكون في الواقع محظوظين بأن شركة ’توي‘ قدمت لنا عطلةً بديلة، لكن لا أدري إن كان هذا الأمر سينطبق على آخرين ربما يواجهون صعوبات من الناحية المالية".
يُشار إلى أن "إيزي جيت" easyJet وهي أكبر شركة طيران اقتصادي في المملكة المتحدة، نأت بنفسها عن التفسيرات الخاطئة للحكومة البريطانية. وقال ناطق رسمي باسمها إنه "على الرغم من التزامنا النصيحة المقدمة من حكومة المملكة المتحدة في شأن صلاحية جوازات السفر، التي لا تزال قائمة من دون إدخال أي تعديلات عليها، حتى بعد المعلومات الجديدة التي اطلعنا عليها من ’المفوضية الأوروبية‘، فإننا نؤكد أننا قمنا بتحديث سياستنا وبياناتنا المنشورة على موقعنا الإلكتروني، بغية التوضيح لعملائنا أنه إذا كانوا يحملون جوازات سفر ممتدة الصلاحية لـ 10 سنوات، فيمكن اعتبار ذلك جزءاً من فترة الأشهر الثلاثة المطلوبة لتاريخ مغادرتهم المحدد من بلدان الاتحاد الأوروبي".
وعلى تلك الخلفية، قد تواجه الحكومة البريطانية هي بالذات مطالبات من المسافرين الذين أنفقوا مئات الجنيهات الاسترلينية لقاء تجديدات غير ضرورية لجوازات سفرهم بدافع العجلة، لأن إرشاداتها المنشورة عبر الموقع الإلكتروني الرسمي للحكومة gov.uk أكدت لهم خطأ أن وثائق سفرهم قديمة للغاية. وإضافة إلى ذلك، قد تسعى الشركات التي اضطُرت إلى منع متعامليها من السفر على نحو خاطىء، عملاً بالمشورة الرسمية غير الدقيقة، إلى أن تلتمس هي الأخرى تعويضاً من الحكومة.
تبقى الإشارة أخيراً إلى أن صحيفة "اندبندنت" اتصلت بشركات طيران رائدة، وبوكالات تنظيم الرحلات السياحية التي يستخدمها المسافرون البريطانيون، للتأكد من عدم اتباعها إجراءات تقضي بإبعاد مزيد منهم عن طريق الخطأ. وإضافة إلى ذلك، استعلمت من تلك الشركات عن الخطوات التي تنوي اتخاذها بشكل استباقي لتعويض العملاء الذين خسروا رحلاتهم أو عطلاتهم، نتيجة تطبيق غير سليم للقوانين.
© The Independent