فتح قرار مجلس النواب الليبي بسحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة صفحة جديدة من الخلافات في البلاد في توقيت حساس، مع بقاء ثلاثة أشهر فقط على الموعد المحدد للانتخابات العامة.
ومنذ صدوره، أثار قرار البرلمان موجة عارمة من ردود الفعل الشعبية والرسمية المتباينة، التي تنبئ بدخول البلاد إلى انقسام جديد، بخاصة مع دعوة رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة إلى التظاهر في طرابلس وكل المدن الليبية، ضد قرار البرلمان ودعماً لحكومته.
فإلى أين يتجه المشهد الليبي بعد قرار البرلمان؟ وكيف سيؤثر في مصير التفاهمات السابقة بين أطراف النزاع السياسي؟ وهل يعيد الانقسام إلى ما كان عليه قبل انتخاب الحكومة، وينسف خريطة الطريق قبل وصولها إلى هدفها المحوري بإجراء الانتخابات العامة نهاية العام؟
الدبيبة يرفض قرار البرلمان
رفض رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة قرار مجلس النواب بسحب الثقة من حكومته، متمسكاً ببقائها حتى موعد الانتخابات الوطنية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، داعياً إلى "التظاهر بميدان الشهداء في طرابلس يوم الجمعة، وكل مدن ليبيا ضد قرار البرلمان".
وتحدث الدبيبة بلهجة تصعيدية ضد البرلمان رأى محللون أنها قد تكون القشة التي تقصم نهائياً ظهر العلاقة بينهما، إذ قال في كلمة له بميدان الشهداء وسط طرابلس، لحشد المؤيدين الرافضين القرار، "سيسقط البرلمان ولن يكون ممثلاً لليبيين بهذه الصورة، وموعدنا الجمعة للتعبير عن الشعب من طرابلس وطبرق والكفرة وسبها".
وأضاف "الشرعية لكم من كل المدن وأنتم من تقررون وليس هؤلاء المعطلون الذي لا يريدون إلا الحرب والدمار، وهذا ليس طعناً في جميع أعضاء مجلس النواب فهناك شرفاء بينهم سيصلون طرابلس اليوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
صالح يدافع عن قرار مجلسه
في المقابل، دافع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح عن قرار البرلمان سحب الثقة من الحكومة الموحدة، وقانونية التصويت الذي جرى في الجلسة، بقوله إن "النصاب المطلوب لسحب الثقة وفقاً للمادة 194 من القانون الداخلي للمجلس هو 86 عضواً، أي (النصف+1) لم يتوافر في جلسة الـ 20 من سبتمبر (أيلول)"، مما دفع النواب الحاضرين وعددهم 72 إلى "تشكيل لجان نيابية للتحقيق مع حكومة الوحدة الوطنية في شأن تجاوزاتها ومخالفاتها".
وشرح صالح كيف تطورت الأمور بشكل فاجأ الجميع في اليوم التالي، "كان مقرراً في جلسة اليوم التالي استكمال مناقشة تشكيل اللجان، إلا أن الأعضاء المطالبين بسحب الثقة تمسكوا ببحث هذه المسألة ليبلغ عدد الأعضاء الحاضرين 110 أعضاء، ليتم بعد توافر النصاب القانوني التصويت على سحب الثقة".
وأكد عقيلة أن "89 عضواً وافقوا على سحب الثقة مع إرسال مطالبات لأعضاء من خارج مدينة طبرق للتصويت على القرار، وعددهم 11 عضواً لم يتم احتسابهم عند عملية العد"، مبيناً أن "هذا الإجراء حق أصيل لمجلس النواب ويعني أن الحكومة باتت مكلفة فقط بتصريف الأعمال خلال المرحلة المقبلة".
وبين رئيس البرلمان الفارق في مهمات الحكومة بعد تحولها لتصريف الأعمال فقط أن "هذا التوصيف يمنح الحكومة حق التصرف بكل ما يخص الشعب الليبي داخل البلاد، من توفير للغذاء والدواء والسيولة والكهرباء والمعاشات".
وأضاف، "الحكومة تصرفت بشكل خاطئ من خلال إبرام عقود طويلة الأجل على الرغم من قصر فترة ولايتها المحددة في الاتفاق السياسي"، موضحاً أن "هذه العقود تعني التزامات بالمليارات قد ترهق الشعب الليبي لسنوات تالية"، ومنوهاً بأن "واجبات الحكومة محددة وهي توحيد المؤسسات ومواجهة كورونا وتوفير الخدمات للمواطنين، ولم تلتزم بها بعد أن أنفقت 84 مليار دينار (17.5 مليار دولار) في فترة وجيزة".
رفض تدخل البعثة الأممية
وكشف رئيس مجلس النواب عن فحوى اتصال هاتفي أجراه مع رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيتش، قائلاً إنه "أزال من خلاله الالتباس في شأن بقاء ليبيا من دون حكومة"، معتبراً أن "المبعوث الأممي لا يملك الحق في الاعتراض على مسألة داخلية".
وتابع، "كوبيتش اقتنع بكون مسألة الانتخابات لا ترتبط بالحكومة أو مجلس النواب بل بمفوضية الانتخابات، ولها الحق في التصرف المالي باستقلالية تامة"، نافياً "وجود نيات لتعيين حكومة جديدة قبل الانتخابات".
انقسام البيت الداخلي
في الأثناء، أصدرت مجموعة من أعضاء مجلس النواب في طبرق بياناً حول جلسة سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية، قالوا فيه إن "ما حدث بجلسة المجلس يوم الثلاثاء مخالف لنص المادة 140 من القانون المنظم لعمل المجلس التي تنص على أنه يجري التصويت على الثقة بطريق الاقتراع السري، ويكون الجواب بإحدى الكلمات التالية (ثقة، لا ثقة، ممتنع)".
وشدد البيان على أنه "في كل الأحوال لا يدخل عدد الممتنعين في حساب الأغلبية المشروطة، وأنه قد حدث تضليل داخل القاعة في حساب عدد الأصوات التي صوتت على سحب الثقة من الحكومة، التي أعلنها رئيس المجلس بعدد 89 صوتاً وهو ما لم يحدث، وأن العدد الحقيقي لا يتجاوز 73 صوتاً، وهو غير كاف لسحب الثقة وفقاً لقانون النظام الداخلي، التي تؤكد أن الأغلبية المطلوبة لسحب الثقة من الحكومة هي الأغلبية المطلقة لأعضائه والبالغة 87 عضواً يصوتون بنعم، وهو ما لم يحدث".
وخلص الأعضاء إلى أن "ما حدث في الجلسة لا يعبر عن إرادة مجلس النواب، وسيقود البلاد إلى أزمة دستورية في ظل تعطيل عمل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، التي يفترض أن يلجأ إليها المتضرر من الإجراءات المخالفة للنظم والقوانين المعمول بها في هذا الجانب".
نفي شبهة التزوير
من جانبها، نفت نائب مقرر عام مجلس النواب صباح جمعة التهم المتعلقة بشبهة التزوير في عد الأصوات خلال الجلسة، قائلة إن "سحب الثقة من حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة كان بالعد الصحيح".
وأوضحت صباح عبر تصريحات صحافية، "النصاب القانوني كان مكتملاً وعملية العد كانت بالحضور داخل القاعة وليس من كشف الحضور، لأن هناك من يوقع للحضور ثم يغادر، وحضر داخل القاعة 113 نائباً".ولفتت إلى أن "الجلسة مغلقة إلا إنها كانت مصورة وموثقة"، مشيرة إلى أن "حكومة الوحدة الوطنية ستكون حكومة تصريف أعمال خلال الأشهر الثلاثة المقبلة حتى تتم العملية الانتخابية في 24 ديسمبر، وكل قرارات رئيس الحكومة سواء منحة الشباب للزواج والزيادات والمتقاعدين جميعها سارية ولن تعطل، ومجلس النواب ليس ضد أي قرارات لمصلحة المواطنين".