ما إن أعلنت المؤسسة العسكرية في السودان عن إحباطها محاولة انقلابية جرت، الثلاثاء 21 سبتمبر (أيلول) الحالي، في العاصمة الخرطوم بواسطة مجموعة من العسكريين في الخدمة وآخرين متقاعدين، إلى جانب مدنيين، تساءل كثير من المواطنين عن سبل تأمين الفترة الانتقالية من الانقلابات العسكرية، حتى لا تدخل البلاد في دوامة العقوبات الدولية بسبب عدم اعتراف المجتمع الدولي بأي حكم عسكري.
مهددات الانتقال
في هذا السياق، يقول الأمين العام في حزب الأمة القومي السوداني الواثق البرير، "ظللنا في حزب الأمة نتحدث لفترات طويلة عن مخاطر ومهددات الفترة الانتقالية، وقد تضمن مشروع العقد الاجتماعي كل الحلول الممكنة، فالآن نحن بحاجة إلى معالجة العقبات الواضحة والماثلة أمامنا، وهذا يتطلب توحيد القوى السياسية في جسم واحد عريض يمكن البلاد من العبور بهذه الفترة الانتقالية. ونعتقد أن ما تم من توقيع للإعلان السياسي بمشاركة حوالى 40 حزباً ومكوناً سياسياً ومسلحاً ومنظمات مجتمع مدني في 8 سبتمبر الحالي يعتبر خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح للمحافظة على مكتسبات ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وننتظر بقية القوى السياسية للانضمام لهذا التحالف حتى نعبر بالسودان إلى بر الأمان".
وتابع البرير، "في الحقيقة نحن محتاجون لوحدة الصف وليس التشظي، وفتح حوار جاد وشفاف مع المكون العسكري، وألا يكون حواراً دبلوماسياً، يناقش المطلوب خلال هذه الفترة بكل وضوح وشفافية، وإذا حدث ذلك فمن المؤكد سيكون العبور إلى الأمام حليفنا. كما لا بد من مخاطبة قضايا المواطن الحقيقية بخاصة المعيشية في ظل قساوة الحياة اليومية، وهذا لن يتأتى إلا بتحسين الأداء التنفيذي لأجهزة الدولة، فضلاً عن أهمية التناغم بين شركاء العملية الانتقالية من عسكريين ومدنيين".
ونوه إلى أن ما يحدث من تحركات غير مسؤولة لها تداعيات اقتصادية وأمنية، وأن أي عدم استقرار سيصيب البلاد بأضرار بالغة تؤدي إلى تأخيرها عشرات السنوات، لذلك يجب أن تكون هناك رغبة حقيقية للتحول الديمقراطي.
الحوار الجاد
ولفت إلى أن ما جرى من محاولة انقلابية كان له مؤشرات واضحة، من أبرزها عدم التعامل بحسم مع الأحداث التي وقعت، أخيراً، في كردفان وشرق البلاد، فضلاً عن التراخي مع الانفلاتات الأمنية داخل المدن السودانية بخاصة العاصمة الخرطوم. وأكد أن نظام عمر البشير والمؤيدين له كانوا يعملون لتقويض الفترة الانتقالية بكل السبل والوسائل المتاحة.
استفهامات عديدة
في المقابل، أشار القيادي في الحزب الشيوعي السوداني صديق فاروق الشيخ، إلى أن ما حدث من إعلان لمحاولة انقلابية يسأل عنه المكونان العسكري والمدني في البلاد، لأنهما بعدا عن أهداف ومكتسبات الثورة، لذلك صاحب الإعلان عن هذه المحاولة هجوم على الحكومة بشقيها المدني والعسكري من قبل قطاع عريض من الجماهير.
وأضاف "بشكل عام، الشعب السوداني لن يقبل بأي انقلاب عسكري، وأنه واضح أن هناك جهة تسوق لفكرة هذا الانقلاب"، مستبعداً أن تكون هناك محاولة انقلابية حقيقية، فهناك استفهامات عديدة تستوجب من العسكريين الإجابة عليها.
وأوضح الشيخ أن الشارع السوداني لن يقبل بأي سلطة عسكرية تحت أي غطاء كان، وأنه غير راض عن السلطة المدنية الحاكمة لأنها فشلت تماماً في كافة برامجها، منوهاً إلى أن الفترة الانتقالية تعبر في المقام الأول عن مشروع التغيير، وهو أمر لم يتحقق بعد، حيث تعيد الحكومة الحالية إنتاج النظام السابق بقواه، وبذات المشهد القديم، فهناك تماه واضح مع عناصر نظام البشير، بل أصبح الطريق معبداً لهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين أن الصورة القاتمة لهذا المشهد سببها غياب العدالة، والبعد عن شعارات وأجندة الثورة الشعبية، وعدم محاسبة ومحاكمة عناصر النظام السابق القابعين في السجون لأكثر من عامين، لذا لا يوجد أحد الآن يتعاطف مع السلطة الانتقالية، في ظل ما يحدث من إجهاض يومي لمكتسبات الإنسان السوداني، فضلاً عن اتساع دائرة السيولة الأمنية وعرقلة العسكريين لأي توجه ديمقراطي.
وخلص القيادي في الحزب الشيوعي إلى أن المشهد الماثل أمامنا لن يؤدي إلى انتقال، حيث إن الانتقال الحقيقي يتطلب إخضاع القوة العسكرية للقوة المدنية، واندماج الجيوش المنتشرة في البلاد في جيش واحد، وإخضاع موارد الدولة للشفافية والمؤسساتية والحوكمة، وكيفية توظيف السلطة الأمنية بالشكل المطلوب، والابتعاد عن سياسة السوق الحرة التي زادت المواطنين فقراً على ما يواجهونه من متاعب ومصاعب معيشية جمة.
هيكلة الجيش
من جهته، أشار نائب رئيس جبهة كفاح السودانية، والناطق الرسمي للتحالف السوداني حذيفة محيي الدين البلول، إلى أن حماية الفترة الانتقالية من الانقلابات والانقلابيين ضرورة حتمية لحفظ مكتسبات الشعب السوداني التي أهدر الكثير منها تحت حكم العسكر، فقد ظل السودان ضحية للحكم الاستبدادي والعسكري الذي دمر اقتصاده وشرد شبابه في كل بقاع العالم، لافتاً إلى أن ثورة ديسمبر جاءت نتيجة لنضال تراكمي من قوى الثورة والديمقراطية لتعيد البلاد انطلاقتها بعد حراك شعبي.
وشدد البلول على أن حماية الثورة من الانقلابيين تحتاج لمجهود ليس أقل من التغيير للحفاظ عليها، ويأتي ذلك من خلال إعادة هيكلة القوات النظامية وفي مقدمتها الجيش الذي صار مستنقعاً للنظام السابق، والإسلاميين على وجه الخصوص، وهذا ما نصت عليه اتفاقية السلام التي وقعت في جوبا مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2020 بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، إضافة إلى تنظيف الأجهزة الأمنية، وكل مؤسسات الدولة من بقايا الإسلاميين الذين يعملون ليلاً ونهاراً في صنع الأزمات، وتعطيل مسيرة الانتقال في البلاد.
وتابع، "لا شك أن الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية جوبا للسلام وتم تعطيلها من جيوب النظام السابق في القوات المسلحة هي إحدى المؤامرات التي ارتكز عليها الانقلابيون لتنفيذ مخططاتهم، والتي تحول دون إدماج قوي أطراف العملية السلمية في القوات النظامية".
تشوهات اقتصادية
ويعتقد الناطق الرسمي للتحالف السوداني، أن البلاد مرت بمنعطفات كثيرة وخراب كبير في الاقتصاد من قبل الأنظمة العسكرية المختلفة، حيث انخرطت الحكومة الانتقالية في معالجة التشوهات الاقتصادية وأنجزت العديد من الملفات المرتبطة بتعافي الاقتصاد السوداني، ومن بينها إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعودة السودان للمحيط الدولي بعد عزلة لأكثر من 25 عاماً، فضلاً عن عودة التحويلات المصرفية والاستقرار في سعر الصرف لفترة قاربت من الستة أشهر، مؤكداً أن عودة الاقتصاد إلى وضعه الطبيعي يحتاج لمجهود وصبر من الشعب السوداني لأن الخراب والدمار الذي لحق بكل قطاعاته ليس بسيطاً.
وفيما يتعلق بكيفية التعامل مع الانقلابيين، قال البلول "لا بد من التحقيق العادل معهم، ومعرفة كل الأطراف التي شاركت في هذه العملية الفاشلة، على أن يتم تقديمهم لمحاكمة عسكرية عادلة حتى يكونوا عبرة للمغامرين الآخرين".