ألقى الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي خطاباً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عكس الخطاب الإدراك الإيراني والتصورات المعتادة للنخبة الإيرانية لذاتها وللعالم من حولها، وهي الرؤية التي تظهر في خطابات أي مسؤول إيراني ينتمي إلى التيار الإصلاحي أو البراغماتي أو المتشدد. فقد لخص خطابه إدراك النخبة الإيرانية الولايات المتحدة كقائد للنظام الدولي، وأبرز إدراك تلك النخبة على مدى سنوات تأسيس النظام الإيراني بعد الثورة ذاتها ودورها خارج حدودها.
ولنعرض هنا أهم مقولاته، كما جاءت في الخطاب، فقد كان خطاباً مناهضاً للولايات المتحدة، وقال "نحن لا نثق بوعود أميركا"، إن هناك "صورتين مصيريتين" من العام الماضي: إحداهما كانت أحداث الشغب في 6 يناير (كانون الثاني) في مبني الكابيتول الأميركي؛ والأخرى لطفل أفغاني سقط من طائرة أميركية كانت قد أقلعت للتو أثناء مغادرة القوات الأميركية البلاد بعد 20 عاماً. رسالة الحدثين، حسب رئيسي، هي أن "النظام الإمبراطوري لأميركا ليس جديراً بالثقة، سواء في الداخل أو في الخارج".
كذلك تحدث رئيسي عن الصفقة النووية المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، التي انسحبت منها الولايات المتحدة في عام 2018. وقال "اعتقدت أميركا بشكل غير صحيح أننا سنصبح يائسين، لكن مثابرتنا أثمرت نتائج وستؤدي دائماً إلى نتائج".
في ما يخص الولايات المتحدة، التزم رئيسي مفردات الخطاب المتشدد بشأن موقف طهران من واشنطن، واتهامها بالإمبريالية ومحاولات الهيمنة العالمية، على الرغم من تأكيده عودة إيران إلى المفاوضات. هذه اللغة توحي ببراغماتية القيادة الحالية، والرغبة في استئناف المفاوضات، لكن الواضح هو التزام إيران النهج الخطابي المتشدد، ولن يكون هناك خطاب حول الحوار مع الغرب مثلما حدث في عهد محمد خاتمي أو حسن روحانى.
إن إيران تحاول إظهار أنها ليست في عجلة من أمرها لكنها لم تعلن رفضها التفاوض، على العكس من ذلك فقد أصبحت الحاجة السياسية والاقتصادية أكثر إلحاحاً لرفع العقوبات حتى لو لم يسمح الحرس الثوري الإيراني بالتعاون الاقتصادي مع الغرب وفتح الباب أمام الاستثمارت الأجنبية. ذلك أن سبب عدم نجاح انضمام إيران إلى "منظمة شنغهاي للتعاون" كان العقوبات الاقتصادية، ومن ثم في ظل سياسة التوجه شرقاً التي أعلنها رئيسي يظل مفتاح المستقبل الاقتصادي لإيران هو تخفيف العقوبات، وهو ما سيتحقق من خلال إدارة جو بايدن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانب آخر في الخطاب، أشار إبراهيم رئيسي إلى أن إيران "مثال ملهم ونموذج للدبلوماسية التي لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى"، لافتاً إلى أن "الثورة الإسلامية ثورة ملهمة، والقوة الناجمة عنها تؤسّس الأمن والاستقرار. والتفكير الاستراتيجي لإيران يتجذّر في مدرسة الإمام الخميني ومبادئ الإسلام الأصيل". هذا الإدراك الإيراني لذاتها باعتبار أن الهوية الإيرانية لها موضع متمايز وفريد، وأن الثورة الإيرانية جعلت من إيران نموذجاً للهوية المستقلة والمقاومة والديمقراطية، وهي الهوية التي لم يكن لها أي بعد دولي قبل الثورة، في حين أنه منذ الثورة تعد دولة بارزة، ومثالاً للآخرين في عالم متغير.
وهذا الفهم يؤكده قول رئيسي، في خطابه، أنه "لولا قوة إيران ووقوفها مع سوريا والعراق، ولولا الشهيدان قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، لكان تنظيم داعش جاراً لأوروبا". هنا، يحاول أن يوحي بأهمية دور إيران ومحوريته في محاربة "داعش" الذي كان على أجندة المجتمع الدولى، ليؤكد دور إيران في مكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار. وهذا يتناقض مع حقيقة أن "داعش" يمثل تهديداً للمصالح الإيرانية. فقد كانت إيران هدفاً لعدد من عمليات تنظيم "داعش".
إن خطاب رئيسي يسير في اتجاه إدراك النخبة الإيرانية منذ تأسيس النظام السياسي الإيراني عام 1978، بأن إيران ذات مهمة أخلاقية، وذات رسالة دينية، وأنها نموذج يجب الاقتداء به ونشر أفكار الجمهورية في الخارج. وهو ما يتنافى مع رفض المحيط الإقليمي لإيران أفكارَ التدخل في شؤون الآخرين أو تصدير الثورة، بما يعني أنه مهما أعلن الرئيس الإيراني الحالي انتهاج سياسة قائمة على حسن الجوار، فإن الإدراك الإيراني لدورها وذاتها، الذي يدور حول الاستثنائية والتمايز وتطلعات الحدود، سيظل هو المحدد الأساسي للمصالح الإيرانية ولتحركاتها الخارجية.