نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في مقالة أخيراً عن برلماني إيراني لم تسمه وصفه وزير خارجية بلاده الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، بأنه "قاسم سليماني آخر في الميدان الدبلوماسي"، في إشارة إلى القائد النافذ لفيلق القدس الذي قُتِل في ضربة بطائرة مسيرة أميركية في يناير (كانون الثاني) 2020. وأمير عبد اللهيان معروف بتأييده لما يُعرَف بـ"محور المقاومة" في الشرق الأوسط الذي يضم تنظيمات سياسية وعسكرية، مثل "حماس" الفلسطينية و"حزب الله" اللبناني و"الحشد الشعبي" العراقي والتنظيم "الحوثي" اليمني وغيرها من أذرع إيران.
ووافق البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المحافظون على ترشيح الرئيس إبراهيم رئيسي أمير عبد اللهيان لمنصب وزارة الخارجية بـ270 صوتاً في مقابل عشرة أصوات. وطالب النواب خلال الجلسة الوزير الجديد بدعم أهداف سليماني. واعتبر كاتب المقالة صاحب صادقي أن الأغلبية البرلمانية التي حظي بها أمير عبد اللهيان دليل على ثقة المحافظين الكبيرة به. ولفت الكاتب، المتخصص في الشؤون الإيرانية، إلى أن الوزير البالغ من العمر 57 سنة عمل سابقاً ناطقاً باسم البرلمان للشؤون الدولية ونائباً لوزير الخارجية للشؤون العربية والأفريقية من بين مناصب أخرى، ووصف نفسه مرة بأنه "جندي" من جنود سليماني فهو كان يستشيره قبل سفره في مهام دبلوماسية.
ورجحت "فورين بوليسي" أن تنعكس العلاقة الخاصة بين الرجلين في تأييد أمير عبد اللهيان سياسات بلاده العسكرية في الشرق الأوسط، لافتة إلى أن أولى زياراته الخارجية بعد توليه منصبه كانت إلى سوريا حيث التقى رئيس النظام، بشار الأسد، وجدد له دعم طهران نظامه الذي حظي بمساندة عسكرية ومدنية إيرانية منذ اندلاع الحرب السورية عام 2011. وأمير عبد اللهيان مولود في دامغان الواقعة على بعد 322 كيلومتراً إلى الشمال من طهران، لكن عائلته انتقلت إلى العاصمة وهو لا يزال في السادسة من عمره بعد وفاة والده. واستقرت العائلة في واحد من أفقر أحياء طهران إلى الجنوب من مطار مهر آباد الدولي. ويصف الوزير نفسه بأنه "جنوبي" وهي لفظة تُطلَق على سكان الضواحي الجنوبية الفقيرة للعاصمة الإيرانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق صادقي، خلا الحي من أي مستشفى أو عيادة، لكن أمير عبد اللهيان بعدما أصبح شاباً أسس مع مجموعة من أصدقائه عيادة خيرية هناك. وتطوع أمير عبد اللهيان للقتال في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) ويقول إن هذه التجربة دفعته إلى العمل في القسم العراقي في وزارة الخارجية الإيرانية بين عامي 1990 و1991. ونال إجازة في العلاقات الدولية من مدرسة العلاقات الدولية التابعة للوزارة ثم الماجستير والدكتوراه في الاختصاص نفسه من جامعة طهران. وعُيِّن وكيلاً لسفارة إيران في العراق عام 1997.
ومنذ بداية حياته المهنية، عمل أمير عبد اللهيان عن كثب مع سليماني، وفق قوله، وشارك في المفاوضات المباشرة مع الأميركيين عام 2007. وكان الفريق الإيراني بإشراف سليماني نفسه، في حين مثل الفريق الأميركي كل من وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) ووزارة الدفاع. وليس في ذلك مفاجأة، وفق "فورين بوليسي"، فـ"فيلق القدس"، الجناح الخارجي للحرس الثوري، لطالما أشرف على سياسة إيران الخارجية ودبلوماسيتها في الشرق الأوسط، لا سيما في ما يخص فلسطين والعراق واليمن، كما تولى مد الجماعات الموالية لإيران في المنطقة بالدعمين العسكري والسياسي.
ولفت صادقي إلى أن أمير عبد اللهيان تولى منصبه نائباً لوزير الخارجية عام 2011 في عهد الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد. وبفضل قربه من سليماني، كان نائب وزير الخارجية الوحيد الذي احتفظ بمنصبه بعد تعيين الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لمحمد جواد ظريف وزيراً للخارجية عام 2013. لكن عام 2016، أُقِيل أمير عبد اللهيان من منصبه فجأة، وقِيلَ إن خلافات دبت بينه وبين ظريف في شأن ملفات إقليمية، في حين قال أمير عبد اللهيان إن ظريف اتبع سياسات إقليمية جديدة بعد اختتام المحادثات النووية بين إيران والمجموعة الدولية بقيادة الولايات المتحدة. لكن النائب المتشدد جواد كريمي قدوسي نقل عن وكيل وزارة الخارجية آنذاك، مرتضى سرمدي، قوله لأمير عبد اللهيان "نريد أن نرسل رسالة إلى الغرب مفادها بأن سياساتنا في الشرق الأوسط تغيرت، والسبيل إلى إرسال هذه الرسالة يتمثل في إزاحتك من منصبك".
ووفق "فورين بوليسي"، أثار فصل وزارة الخارجية أمير عبد اللهيان من منصبه اتهامات لمحمد جواد ظريف، وزير الخارجية حينذاك، من المحافظين ووسائل إعلام محافظة بمحاولة استرضاء البلدان العربية ووزير الخارجية الأميركي آنذاك، جون كيري. لكن ظريف، حين استدعاه البرلمان لشرح الخطوة، نفى ذلك، مؤكداً أن المناقلات في وزارة الخارجية أمر طبيعي ويحصل تكراراً. ولم تستبعد المقالة أن تكون الإقالة دليلاً على خلاف مستحكم بين ظريف وسليماني. ففي تسريب لتسجيل صوتي من مقابلة كان من المفترض نشرها بعد مغادرة ظريف منصبه، هاجم الأخير سليماني متهماً إياه بتقويض جهوده الدبلوماسية وشاكياً من محدودية دوره في وضع السياسات الإقليمية الإيرانية، وأشار إلى أن لأعمال "فيلق القدس" أولوية في الشرق الأوسط على العمل الدبلوماسي لوزارة الخارجية.
ورد أمير عبد اللهيان بالقول، حسب صادقي، كاتب المقالة، بأن أعمال فيلق القدس هي التي مهدت الطريق للعمل الدبلوماسي، وبأن الأميركيين لم يوافقوا على التفاوض مع إيران حول برنامجها النووي إلا لأن "فيلق القدس" أثبت لهم قدرات إيران ونفوذها في الشرق الأوسط. ولفت صادقي إلى أن المتوقع أن يخلط أمير عبد اللهيان بسلاسة بعد توليه وزارة الخارجية بين استراتيجيات "فيلق القدس" ونهج الوزارة في المجال الدبلوماسي. وهو لم يخفِ ذلك، إذ أعلن خلال الجلسة البرلمانية المخصصة لتثبيته في منصبه الجديد "أننا نسعى في الشرق الأوسط إلى تمتين إنجازات (محور المقاومة)".
وشددت "فورين بوليسي" على أن هذا النهج يبدو متوافقاً مع أهداف السياسة الخارجية التي يرفع لواءها رئيسي. فخلال حفلة تنصيبه، جلس ممثلو التنظيمات المدعومة من إيران -مثل "حزب الله" و"حماس" و"الحشد الشعبي"- في مقدم الحضور، وأُجلِس ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي وراءهم. وتولى أمير عبد اللهيان، وكان لا يزال الناطق باسم البرلمان للشؤون الدولية، تنظيم الجوانب الرسمية للمناسبة، بما فيها توزيع أماكن جلوس الضيوف. وهو مؤيد لسياسة "التوجه شرقاً" التي ينادي بها رئيسي وتهدف إلى تعزيز علاقات إيران بروسيا والصين، كما أنه يزعم لنفسه دوراً في التوصل إلى المعاهدة الإيرانية الصينية التي يصفها بأنها "تاريخية".
ووفق صادقي، يفتقر أمير عبد اللهيان إلى الخبرة في الملف النووي فهو لم يشارك في المفاوضات التي أفضت إلى الاتفاقية التي ألغاها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. لكنه لا يخفي إيمانه بأن "الدبلوماسية لا تفهم سوى لغة القوة" وبأن تعزيز البرنامج النووي شرط لإجبار الولايات المتحدة على رفع العقوبات عن إيران وتعزيز ثقل الأخيرة في أي مفاوضات نووية مقبلة. وهو مؤيد لتشريع تقليص التزامات إيران في هذا المضمار والحد من مراقبة وكالة الطاقة الدولية البرنامج النووي الإيراني، علماً بأن روحاني كان عارض هذا التشريع معتبراً أنه يعوق إجراء مفاوضات جديدة تمهيداً لرفع العقوبات عن إيران.
واعتبرت "فورين بوليسي" أن ظريف جعل وزارة الخارجية أهم وزارة إيرانية في السنوات الثماني الماضية، وعزز طاقمها بدبلوماسيين شباب، وتوصل إلى الاتفاقية النووية وهي أهم اتفاقية في تاريخ إيران منذ 40 سنة. وسيعاني أمير عبد اللهيان في مهمته لأن كل خطوة يخطوها ستُقارَن بخطوة مماثلة خطاها ظريف، لكنه يتمتع بثقة الحرس الثوري والمرشد الأعلى علي خامنئي، ما سيعطيه مصداقية في الداخل أكثر من تلك التي تمتع بها ظريف. ورجحت المجلة أن يتعزز دور وزارة الخارجية الإيرانية في عهد أمير عبد اللهيان في تشكيل سياسة بلاده في الشرق الأوسط أكثر مما كانت عليه الحال في عهد سلفه.