تفاعلت سوق الصرف في تركيا بشكل سلبي مع قرار البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة، إذ سجل الدولار الأميركي مستويات قياسية جديدة مقابل الليرة التركية. ووفق الإحصاء الذي أعدته "اندبندنت عربية"، فقد قفز الدولار الأميركي بنسبة تتجاوز 14 في المئة مقابل الليرة التركية منذ بداية العام الحالي، إذ قفز سعر صرف العملة الأميركية الخضراء من مستوى 7.65 لكل ليرة في بداية 2021 إلى نحو 8.75 ليرة في التعاملات.
وتماشياً مع تعليمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خفضت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي التركي، سعر إعادة الشراء الرئيس لمدة أسبوع واحد بمقدار 100 نقطة أساس إلى 18 في المئة، في وقت توقع فيه جميع الاقتصاديين الـ23 الذين شملهم استطلاع لوكالة "بلومبيرغ"، باستثناء واحد منهم، أن البنك المركزي سيبقي أسعار الفائدة من دون تغيير عند 19 في المئة.
في المقابل، ارتفع معدل التضخم في تركيا بشكل غير متوقع إلى مستوى 19.25 في المئة الشهر الماضي، مما دفع سعر الفائدة الحقيقي للبلاد إلى ما دون الصفر للمرة الأولى منذ أكتوبر (تشرين الأول). لكن محافظ البنك المركزي التركي، كافجي أوغلو، حوّل تركيز سياسة البنك في وقت سابق من هذا الشهر إلى التضخم الأساسي، الذي يستبعد العناصر المتقلبة مثل الغذاء والطاقة وهو أقل بنحو 250 نقطة أساس من الرقم الرئيس، مما يمنحه مجالاً للاستجابة لدعوات أردوغان لخفض أسعار الفائدة.
خفض الفائدة خطوة صادمة
في مذكرة بحثية حديثة، قالت "إنتاتش كابيتال ماركتس"، إن "خفض سعر الفائدة يعتبر خطوة صادمة، إذ إن رد الفعل السلبي الأولي للسوق يشير بوضوح إلى بدء دورة التيسير عندما يكون التضخم الرئيس في طريقه لإنهاء هذا العام أعلى بكثير من التوقعات الرسمية". وأشارت إلى أن التبرير الذي قدمه البنك المركزي التركي هو تحرك محفوف بالمخاطر للغاية قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ سيكون لليرة أضعف عواقب تضخمية.
ويخاطر التخفيض الآن بمزيد من الاضطراب في الليرة، التي ضعفت بالفعل أكثر من 16 في المئة مقابل الدولار منذ تولى المحافظ الحالي السلطة في 20 مارس (آذار) الماضي، في وقت انتقد المستثمرون البنك المركزي مراراً لكونه سريعاً جداً في التراجع عن التشديد وبطيئاً جداً في الاستجابة للمخاطر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانخفضت العملة إلى مستوى قياسي جديد مقابل الدولار وتم تداولها على انخفاض بنسبة 1.1 في المئة عند 8.7537 ليرة لكل دولار. وقبل أيام، كان رئيس "حزب الديمقراطية والتقدم"، نائب رئيس الوزراء الأسبق، علي باباجان، قد انتقد استمرار خسائر الليرة التركية مقابل الدولار، وقال إن الـ200 ليرة تركية كانت تعادل 123 دولاراً سابقاً، أما الآن فهي تعادل 23 دولاراً فقط، وهو ما يشير إلى أن القوة الشرائية تتراجع بسرعة.
وأشار إلى أن هذه الأرقام تنعكس وبشكل مباشر على الدخل القومي والناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فبيان الدخل القومي الذي أعلنته الحكومة في البرنامج المتوسط المدى لافت للنظر للغاية، إذ انخفضت أهداف الدخل القومي والصادرات ودخل الفرد بمقدار النصف، وتضاعفت البطالة.
نزيف الليرة يفاقم أزمة الديون
وتسبب الهبوط المستمر في سعر صرف العملة التركية في عدد من الأزمات، سواء على صعيد معدلات التضخم أو الديون، وتشير البيانات الرسمية إلى ارتفاع ديون تركيا بنسبة 109 في المئة خلال ثلاث سنوات. فقد قفز دين الحكومة المركزية من مستوى 969.940 مليار ليرة (112.131 مليار دولار) في يونيو (حزيران) من عام 2018 إلى نحو 2026.802 مليار ليرة (234.312 مليار دولار) في يونيو الماضي، بزيادة بلغت قيمتها 1056.856 مليار ليرة (122.180 مليار دولار). ووفق هذه البيانات، تبلغ الزيادة السنوية في الديون المركزية للحكومة التركية خلال السنوات الثلاث الماضية نحو 36.33 في المئة، بما يعادل نحو 352.285 مليار ليرة (40.728 مليار دولار).
الديون المستحقة
في الوقت نفسه، قفزت الديون المستحقة على الأتراك لصالح البنوك 138 مرة خلال 18 عاماً، وهو ما يعود بشكل مباشر إلى موجة التضخم المرتفعة التي تشهدها البلاد في ظل استمرار انهيار الليرة التركية مقابل الدولار، وكشف مركز المخاطر التابع لاتحاد البنوك التركية عن أن عدد العاجزين عن سداد ديون قروض بطاقات الائتمان الخاصة زاد بمقدار 178 ألفاً و138 شخصاً خلال عام واحد.
وأشار مركز المخاطر إلى أن من عجزوا عن سداد تلك الديون زاد إلى 208 آلاف و738 شخصاً في يونيو الماضي، مقابل نحو 30 ألفاً و600 شخص في الشهر نفسه من عام 2020. وخلال الفترة الممتدة من يناير (كانون الثاني) وحتى يونيو من العام الحالي، ارتفع هذا العدد بمقدار 474 ألفاً و355 شخصاً، مقابل نحو 205 آلاف و536 شخصاً خلال الفترة نفسها من العام الماضي.