مع كل سعي جزائري لدفع عجلة الاستثمار، تظهر عراقيل داخلية ومشكلات خارجية. ولعل الخصام بين الشركات الذي ينتهي عند المحاكم الدولية، أحد أهم ما "يفسد" مجهودات الحكومة ويهز صورة البلاد.
نزاعات اقتصادية ومالية
أصبح لجوء الشركات الأجنبية العاملة في الجزائر إلى التحكيم الدولي يهدد اقتصاد البلاد، ويمنع استقطاب استثمارات من شأنها إعطاء جرعة أوكسجين تسمح بتحريك عجلة التنمية، وجاءت مشكلات مالك مجمع "أو إش أل" الإسباني خوان ميغال فيار مير، مع شركة "سوناطراك" البترولية الحكومية، لتكشف حجم "الخلل" الذي يعرفه مجال الاستثمار في الجزائر.
وأفاد بيان للمجمع الإسباني، أن "أو إش أل" يشترط تسوية ودية لقضية الجمود التي يواجهها مع شركة "سوناطراك"، أو التوجه للتحكيم الدولي في غضون ستة أشهر.
وأضاف أنه يستنكر تجميد الحسابات من طرف السلطات الجزائرية من دون مبررات واضحة منذ عدة أشهر، وهو الإجراء الذي تسبب في عدم القدرة على سداد مرتبات العمال والموظفين، ولا شراء المادة الأولية ودفع مستحقات الموردين. وشدد على أن الموظفين والعمال يدينون للشركة حالياً بـ12.3 مليون دولار كمخلفات أجور، منتقداً منعه من تحويل أرباح للشركة تقدر بـ14.8 مليون دولار.
وسبق تهديد المجمع الإسباني تسجيل قضايا عدة على مستوى المحاكم الدولية، تقدر بحوالى 50 نزاعاً، آخرها لجوء شركة "بيتروسيلتيك" البريطانية إلى رفع قضية تحكيم دولي ضد "سوناطراك"، بعد فسخ الشركة الجزائرية عقداً يجمع الطرفين يتعلق بمشروع تطوير حقل غاز، حيث أشارت "سوناطراك" إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد أن طلبت من دون جدوى من الشركة البريطانية الامتثال لالتزاماتها التعاقدية. وألمحت إلى أن عملية فسخ العقد تمت باحترام تام لمضمونه، لا سيما البنود التي تعترف بهذا الحق، أي الحق في فسخ العقد.
تدخل الدولة
في السياق، اعتبر أستاذ الاقتصاد، أحمد الحيدوسي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي يؤثر على صورة الجزائر في عالم الأعمال الدولي، إذ تظهر الدولة الجزائرية في ثوب "الطارد" للاستثمار الأجنبي، وهذا ما حدث سابقاً لعدد من المستثمرين الأجانب الذين غادروا البلاد من الباب الضيق على غرار رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.
وقال إن المشكلة ليست في الطرف الأجنبي الذي يريد تعظيم أرباحه بأي طريقة، موضحاً أن العبء اليوم تتحمله الحكومة الحالية، لأن سابقاتها لم تحسن التفاوض مع الطرف الأجنبي، وتجد نفسها في كل مرة أمام تحكيم دولي خاسر.
ويتابع الحيدوسي، أنه يجب إعادة النظر في طريقة إبرام الاتفاقيات والشراكات مع المستثمرين الأجانب بالاعتماد على مكاتب متخصصة، مشدداً على أن السبيل للخروج من هذه "الأفخاخ" هو الاعتماد على الكفاءة الجزائرية، سواء الداخلية أو حتى الموجودة في الخارج، مع حسن التدبير والتفكير في ضمان مصالح الطرف الجزائري.
الحكومة تتحرك
وتطرح مسألة خضوع المؤسسات الحكومية للنزاعات الدولية عدة استفهامات، بخاصة أمام استمرار تسجيل الخسائر، ما يحول دون التأسيس لكيانات اقتصادية حكومية قوية بإمكانها المنافسة والنهوض بالتنمية. كما أن عدم التزام الجزائر عقود الشراكة، وضعف مناخ الاستثمار والأعمال يعرقلان مجيء المستثمرين الأجانب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن أجل استدراك الفشل والتأخر، قال رئيس الوزراء أيمن بن عبد الرحمن، إن الجزائر تعد قانوناً جديداً للاستثمار لتحسين مناخ الأعمال فيها، وجذب مستثمرين أجانب بهدف تعزيز القطاع غير المتصل بالطاقة.
وأعلن خططاً لتطوير البورصة الصغيرة في البلاد وإجراء إصلاحات مصرفية ومالية لإيجاد مصادر تمويل جديدة للاقتصاد، مشدداً خلال مناقشة خطة عمل الحكومة أمام البرلمان، على أن مراجعة الحكومة المستفيضة لقانون الاستثمار تهدف إلى التكفل بانشغالات المتعاملين الاقتصاديين لتأمين بيئة استثمارية تسودها الثقة بين المستثمر ومؤسسات الدولة، وكذا إعطاء إشارات قوية وضمانات كفيلة بزيادة جاذبية البلاد للاستثمارات الأجنبية المباشرة، وإرساء شراكات حقيقية وقوية من شأنها الإسهام في تنمية الاقتصاد الوطني.
منح ضمانات
من جانبه، يرى الإعلامي المهتم بالشأن الاقتصادي، محمد وليد مدكور، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أن أساس الاستثمار الأجنبي موجود في قطاع المحروقات، وخارج هذا المجال هو استثمار محتشم.
وأشار إلى أن مسألة الاستثمار في الجزائر معقدة، ووجب على رئيس الوزراء حلحلة الملف، بعد أن وعد نواب البرلمان بإجراء تعديلات على قانون الاستثمار، في محاولة لتطمين المستثمر الأجنبي الغائب أساساً عن قطاعات الفلاحة والصناعات الخفيفة وكذلك النقل.
وشدد على ضرورة تحسين مناخ الأعمال ورقمنة القطاعات وتنصيب الكفاءات على رأس المؤسسات من أجل استثمارات ناجحة.