سريعة في أوقات الازدحام، مرنة في المناطق الضيقة، مقبولة التكلفة في ظل أزمة المحروقات، هذه بعض المواصفات التي تتمتع بها وسائل النقل الجديدة في لبنان. ففي الأشهر القليلة الماضية، توسع نطاق استخدام العجلات، ودخول عربات "التوكتوك" إلى ثقافة النقل في البلاد. وشكلت هذه الوسائل تحولاً في سلوك اللبناني الذي كان يصبو في كل عام لاقتناء السيارات الحديثة. إلا أن الأزمة المصيرية جاءت لتضعه في موقع الخيار الصعب، فهو مدفوع للتكيف مع المستجدات والهروب من طوابير البنزين التي لا تنتهي رغم مشارفة الدعم على النفاد التام. وأمام هذا الواقع المستجد، تستمر معاناة قطاع النقل البري في لبنان، ووحدها الوعود بالحل تسلي نفوس السائقين.
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان صورة لدراجة نارية، ويرافقها إعلان بالتوصيل لقاء 3000 ليرة لبنانية، أي أقل بـ80 في المئة من كلفة سيارة الأجرة داخل المدن التي وصلت إلى 20 ألف ليرة لبنانية، وتشكل حوالى 10 في المئة من كلفة الانتقال بالفان بين المحافظات التي وصلت إلى 30 ألف ليرة لبنانية. شكلت هذه الصورة مصدراً للأمل والألم للأفراد، فمن ناحية هي أمل بوجود حلول جديدة منخفضة الكلفة لأزمة النقل، ولكنها في المقابل ألم في المقارنة فيما سبق حيث كانت كلفة سيارة الأجرة دون هذا السقف.
كانت أزمة البنزين فرصة لاستنساخ فكرة "الموتو تاكسي" خارج العاصمة بيروت. واعتمدت هذه الوسيلة منذ سنوات لتسهيل وصول الموظفين في أوقات الازدحام المروري، إلا أنها توسعت نحو الأطراف لمواجهة شح البنزين، ويعتبر الشاب نبيل واحداً من هؤلاء الذي انطلق من حيازته لدراجة نارية، وأعلن عن تاكسي الدراجة. ويشير نبيل إلى الترحيب الكبير بالفكرة من قبل الشباب والشابات صغار السن. ويوضح أن هذه الوسيلة تؤمن تجاوز العقبات العديدة التي فرضتها طوابير البنزين، كما أنها أقل كلفة في حدود النصف.
أقعدته الإصابة بفيروس كورونا عن الاستمرار في هذا المشروع، ولكنه يطمع في إعادة الحركة إلى الدراجة نظراً للصفات التنافسية التي تمتلكها من السرعة في الانتقال والدخول إلى الأحياء الضيقة إضافة إلى القدرة على تأمين البنزين بطريقة أسهل من تعبئة السيارة.
تاكسي "التوكتوك"
في الجزء الآخر من الصورة، يظهر "التوكتوك" كوسيلة لحل المشكلة. في بادئ الأمر، شكلت استفزازاً لثقافة اللبناني، ولكن بعد شهور من الطوابير بدأت حركة التوكتوك" في الانتظام. وبدأ بعض رجال الأعمال بالاستثمار في هذا القطاع. يتحدث أحمد حسون عن تجربته التي انطلقت من شراء "توكتوك" واحد، وبلغت بعد 3 أشهر الأربعة، وهو يتجه إلى توسيع الخطة على ضوء تجاوب الزبائن معه. يشير إلى أنه في بادئ الأمر، تعامل الناس مع "التوكتوك" على أنه جسم غريب وخفيف الظل، لذلك كانوا إما يقومون بالتقاط الصور أمامه أو استخدامه على سبيل الجولة السياحية التجريبية. أما الآن، بدأ الناس في تقبل هذه الوسيلة للنقل، ويتطلع إلى توسيع نطاق المشروع من خلال رسم خطوط ثابتة، إلا أنه حتى الساعة "يتنقل السائق بناء لطلب الزبائن ويتحرك بين الثامنة صباحاً والخامسة عصراً"، كما أنه يقوم بتجهيز المركبة لمواجهة العوامل الطبيعية والأمطار.
يدافع حسون عن اعتماد "التوكتوك" لأنها "وسيلة آمنة"، وشرعية بفعل تسجيلها في السجلات الرسمية، وتزويدها بألواح الأرقام وإجراء عقود التأمين، منوهاً بالدور الاقتصادي وتأمين وظائف للشبان في هذه المرحلة الصعبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلفت إلى أن الكلفة ما زالت عالية لأنه يتم الحصول على غالون البنزين (3.7 لتر) بمبلغ 300 ألف ليرة من السوق السوداء لأن "بعض المحطات ترفض ملء خزانات هذه العربات"، إضافة إلى كلفة الأعطال العالية. كما ينوه إلى وضع رقم على العربات لتلقي الشكاوى والتعليقات من المواطنين، وأن ردود الفعل ما زالت إيجابية. ويشكو من صفوف وطوابير البنزين لأن "السائق قد يستهلك نهاره بالكامل أمام المحطة بانتظار وصول دوره".
تجارة مزدهرة
يتوقع فؤاد بيروتي مدير إحدى صالات عرض "التوكتوك" والدراجات أن "يصل لبنان إلى النموذج الهندي" من خلال انتشار "التوكتوك" على حساب انحسار حصة السيارات مرتفعة الكلفة. ويتحدث عن ارتفاع كبير في الإقبال على هذه العربات، وتحديداً في مناطق الشمال والبقاع. يشرح بيروتي الأسباب التي تدفع لاعتماد هذه الوسيلة لحل المشكلة، ففي المناطق المستوية يسير "التوكتوك" حوالى 750 كم بصفيحة البنزين التي تساوي 20 لتراً، أما في المناطق الجبلية والمرتفعة فتسير لمسافة 450 كم، وهذا ما لا يمكن أن تجاريه السيارات العادية. ويبلغ سعر "التوكتوك" بين 2200 و2700 دولار أميركي، وهناك عدة موديلات يتسع بعضها لشخصين أو 4 أشخاص، كما أنها "قوية جداً ومتينة وتمتص الصدمات".
يُقر بيروتي بأن أسعار العربات ارتفعت بسبب ازدياد الطلب عليها وفقاً لقواعد السوق. كما انسحب هذا الأمر على ازدياد الإقبال على الدراجات النارية التي "بدأ الموظفون والنساء في استخدامها وهو أمر جديد على المجتمع اللبناني". ويعتقد بيروتي أن قطاع النقل سيشهد تبدلاً كبيراً في لبنان لأن القدرة المالية شهدت انهياراً كبيراً.
الحلول في انتظار الوعود
يشكو المواطن اللبناني من انفلات قطاع النقل من عقاله، فعلى نفس خط النقل تتعدد التعرفة بمعدل 3 أضعاف. يُقر بسام طليس رئيس اتحاد النقل البري بهذا الأمر ووصوله إلى "مرحلة السوق السوداء". لذلك فهو يقوم بمفاوضات مع وزير الأشغال والنقل علي حمية من أجل وضع خطة "لدعم قطاع النقل العام، وتأمين إيصالات للسائقين تسمح لهم بتعبئة البنزين من قوائم محددة من المحطات". ويطمئن إلى أن النقاشات قطعت شوطاً مع الوزير، و"ستظهر الصياغة النهائية للاتفاق نهار الأربعاء المقبل، وسيشمل الدعم الفانات والباصات والسيارات. كما أن هناك سعياً لخفض التعرفة لتناسب الفئات الشعبية".
وفي حال إقرار هذه السياسة سيستفيد عدد كبير من اللبنانيين، حيث يبلغ عدد سائقي سيارات الأجرة 33500 سيارة سياحية، 4225 فان، 1977 حافلة، و11500 شاحنة وفق إحصاء لغاية 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020.
بعد تحديد الشريحة المستهدفة، انتقل البحث إلى آلية التنفيذ وكيفية ضبط هذا الاتفاق وعدم تحول السائقين إلى تجار في السوق السوداء بحيث ينتظرون في الصف من أجل إعادة بيع غالونات البنزين. يلفت طليس إلى أن "هناك مطالبة بالتشدد في آلية التنفيذ لعدم تحول السائق إلى عاطل عن العمل، بحيث يبيع الإيصال عوضاً عن القيادة، وكذلك عدم تحولهم إلى تجار بنزين ومازوت من خلال إقرار ترميز وأن يتم ملء السيارة كل يوم في المحطة".
يبرز التخوف من أن تكون وعود الدعم الحالية شبيهة بالبطاقة التمويلية التي تسلك من تأجيل إلى تأجيل بسبب عدم توافر التمويل. يجيب طليس أن "الجواب عن موضوع التمويل هو لدى الدولة، لأن النقابة تعمل من أجل التخفيف عن المواطنين وإصدار تعرفة مقبولة".
السائقون ينتظرون
في انتظار الفرج الموعود، نفذ سائقو الباصات اعتصاماً عند جسر البالما على أوتوستراد طرابلس - بيروت. ويتحدث شادي السيد نقيب السائقين في لبنان الشمال عن "معاناة كبرى للسائق العمومي" مشيراً إلى إقفال المعاينة الميكانيكية في مناطق الأطراف منذ 4 أشهر، وإلزام السائقين بالتوجه نحو العاصمة لإجرائها. ويشكو السيد من أن "السائق يقف كل النهار في الطابور لملء صفيحة بنزين أو يرغم على شرائها من السوق السوداء".
ويتساءل السيد "كيف سيتمكن الراكب أو الموظف من ركوب سيارات الأجرة مع الارتفاع القياسي في أسعار صفيحة البنزين؟"، كما يشكو من منافسة السيارات غير الشرعية، وجعل الراكب فريسة جشع السائق الذي لا يخضع لأي حسيب أو رقيب.