قال بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، إن إلغاء الاحتفال بعيد الميلاد في بلاده "أبعد كثيراً من أن يكون التدبير المخطط له"، وجاء كلامه وسط مخاوف من ارتفاع ربما يشهده معدل إصابات كورونا خلال موسم الأعياد المقبل.
وذكر جونسون أن حكومته "لا ترى أنها ستتخذ تدابير على شاكلة ما قامت به خلال عيد الميلاد الماضي"، عندما أقرت مكرهةً قيوداً على الاختلاط الاجتماعي نتيجة التصاعد في معدلات إصابات كورونا آنذاك.
بعد ظهور متحورة "ألفا" في فترة التحضير لعيد الميلاد عام 2020، مضافة إلى إخفاقات سابقة في السيطرة على تفشي "كوفيد- 19"، تفاقم حجم ونطاق موجة كورونا خلال الشتاء الماضي في المملكة المتحدة، فذهب ضحيتها عشرات الآلاف من السكان في الأقاليم الأربعة (إنجلترا، وويلز، وأيرلندا الشمالية، واسكتلندا).
ولكن مع إعطاء أكثر من 80 في المئة من السكان البالغين في بريطانيا الجرعتين التحصينيتين المطلوبتين من لقاح "كوفيد- 19"، والشروع في توزيع جرعات معززة لملايين البريطانيين، تأمل الحكومة في ألا تضطر إلى فرض قيود جديدة هذا الشتاء مرة أخرى.
ما الخطط التي حددتها الحكومة البريطانية للخريف والشتاء؟
مع تزايد المخاوف من شتاء "مخيف" تنتظره بريطانيا، كشفت الحكومة النقاب عن مجموعة تدابير وقيود، موزعة وموضوعة على أساس خطتين "ألف" و"باء"، في سبيل مواجهة عودة متوقعة في حالات "كوفيد- 19" وإصابات الإنفلونزا الموسمية وغيرها من التهابات الجهاز التنفسي، خلال الشهور المقبلة.
ضمن "الخطة ألف"، تندرج خمس ركائز أساسية: أولاً، التطعيم المعزز، ويشمل تقديم جرعات معززة للشريحة العمرية فوق الخمسين، وتلقيح الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة. ثانياً، اختبارات الكشف عن الفيروس والعزل، مع الإبقاء على القوانين الخاصة بالحجر الصحي بالنسبة إلى الحالات الموجبة (الإصابات المؤكدة). ثالثاً، عدم إلغاء القيود على حدود البلاد والقائمة الحمراء الخاصة بالسفر. رابعاً، ضخ 5.4 مليار جنيه استرليني في مؤسسات "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) لمساعدتها في تقديم العلاج المتأخر لأعداد ضخمة من المرضى. خامساً، التشديد، بالنسبة إلى الناس والشركات على حد سواء، على ضرورة التهوية وارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة المزدحمة، وغسل اليدين.
ترمي التدابير المذكورة آنفاً إلى إبقاء إصابات "كوفيد- 19" تحت السيطرة، والحؤول دون تراكم الأعباء على كاهل "هيئة الخدمات الصحية الوطنية". وفي حال لم تجدِ نفعاً، ستلجأ الحكومة إلى "الخطة باء". وتتضمن الأخيرة إلزامية ارتداء الأقنعة الواقية في "بعض الأماكن" (المتاجر ووسائل النقل على الأرجح)، وضرورة تقديم شهادات التطعيم كشرط لارتياد الملاهي الليلية، فضلاً عن إرشادات بشأن العودة إلى العمل من المنزل بالنسبة إلى بعض الموظفين.
قال جونسون متحدثاً عن "الخطة باء" "إنها سلسلة متدرجة من الخطوات، ونحن طبعاً لا نريد ولا نتوقع أن نقوم بأي تدبير يشابه ما اضطررنا إليه في عيد الميلاد الماضي".
وعندما سئل عما إذا كان سيلغي الاحتفال بعيد الميلاد مرة أخرى، أجاب رئيس الوزراء البريطاني إن ذلك "أبعد كثيراً من أن يكون تدبيراً مخططاً له". يبدو أن الحكومة لا تعتزم إدخال البلد في إغلاق شتوي آخر، ولكن بعدما تعلمت من أخطاء سابقة متصلة بتقديم وعود والعجز عن الوفاء بها، رفضت استبعاد أن بريطانيا ربما ينتظرها إغلاق محتمل.
ماذا عن رأي العلماء؟
حذر مستشارون علميون لدى الحكومة البريطانية من أنه من دون اتخاذ تدابير جديدة للسيطرة على عدوى "كوفيد- 19"، يمكن أن ترتفع حالات الدخول إلى المستشفيات في غضون أسابيع إلى ما بين ألفين وسبعة آلاف حالة يومياً- لتتجاوز ربما عدد حالات الدخول اليومية البالغة أربعة آلاف و500 حالة والتي فرضت عبئاً شديداً على قدرة "أن أتش أس" خلال الفترة التي شهدت تطبيق قيود إغلاق صارمة في يناير (كانون الثاني) الماضي.
المجموعة الفرعية الخاصة بالنمذجة التابعة لـ"المجموعة الاستشارية العلمية لحالات الطوارئ" ("سيج" Sage) في بريطانيا، تعتقد أن الأخيرة ستقاسي "ربما موجة كبيرة أخرى من دخول المستشفيات" بسبب كورونا، مدفوعة بالتقليص التدريجي للعمل من المنزل، الذي أدى "دوراً مهماً جداً في درء النمو الوبائي المستدام في الأشهر الأخيرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت المجموعة إن المستويات الحالية للانتشار المرتفع لإصابات كورونا في بريطانيا، إلى جانب الأعباء الموسمية والتغيرات السلوكية مع إعادة فتح المجتمع على بعضه بعضاً، قد تفضي إلى "شتاء صعب جداً" بالنسبة إلى "هيئة الخدمات الصحية الوطنية".
كذلك ذكرت المجموعة عينها أن "سلة من الإجراءات" من قبيل إلزامية ارتداء الكمامات، وشهادت التطعيم ضد "كوفيد"، وتشجيع العمل من المنزل، ستكون في حال إقرارها كافية لإبقاء معدل الوباء ثابتاً، بينما تبقى حالات الدخول إلى المستشفيات بسبب كورونا عند مستوى "يمكن التحكم فيه".
لكن المجموعة حذرت في المقابل من أن عدم إقرار الإجراءات المذكورة قبل الارتفاع السريع في أعداد الدخول إلى المستشفيات، "سيؤدي إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة- ومن ثم أكثر إرباكاً، بغية التعجيل في خفض معدل الانتشار".
بيد أن البروفيسور غراهام ميدلي، من "كلية لندن للصحة وطب المناطق الاستوائية" London School of Hygiene and Tropical Medicine، قال إن "كثيراً من الأمور غير المتوقعة يجب أن تحدث" كي تصل حالات الاستشفاء اليومية إلى سبعة آلاف حالة.
وذكر الدكتور ستيفن غريفين، خبير في الفيروسات في "جامعة ليدز" Leeds University، إنه من الضروري إعادة تطبيق "إجراءات تخفيف معقولة" الآن كي تتفادى بريطانيا الحاجة إلى الدخول في إغلاق آخر، واصفاً الأخير بأنه "إجراء طارئ عند فقدان السيطرة".
وقال إنه "من المحبط أن نشهد معركة غير مجدية في ما يتصل باستعادة الحرية الكاملة في أمورنا الحياتية أثناء الجائحة، إذ تكون المحصلة على المدى المتوسط إلى الطويل الاضطرار إلى فرض قيود أكثر صرامة على فترات أطول"، مضيفاً أنه كان ينبغي الارتكان إلى مزيد من الصبر في انتظار رفع الإجراءات في الصيف "كي يكون معدل توزيع اللقاحات أعلى".
ماذا تكشف البيانات الحالية؟
على صعيد المملكة المتحدة، إصابات "كوفيد-19" آخذة في التراجع حالياً. ارتفع عدد حالات الدخول إلى المستشفيات فوق حاجز الألف حالة لمدة أربعة أيام متتالية في وقت سابق في سبتمبر (أيلول) الجاري، لكنه انخفض منذ ذلك الحين إلى ما دونه مرة أخرى. في الواقع، شهدت "هيئة خدمات الصحة الوطنية" في إنجلترا أخيراً أكبر انخفاض أسبوعي في استخدام أسرة "كوفيد" طوال أكثر من خمسة أشهر.
وكشفت أرقام جديدة أن "كوفيد-19" كان ثالث سبب رئيس للوفاة في إنجلترا الشهر الماضي، علماً أنه المستوى الأعلى منذ مارس (آذار) الماضي. وفي أغسطس (آب) أودى "كورونا" بحياة ألفين و162 شخصاً، أي ما يعادل 5.3 في المئة من جميع الوفيات المسجلة في إنجلترا، وفق مكتب الإحصاءات الوطني" (ONS) في بريطانيا.
في الوقت نفسه، تُظهر بيانات أخرى أصدرتها "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" Public Health England انخفاضاً في الحماية ضد دخول المستشفى بين صفوف المطعمين بلقاح "أسترازينيكا" أو نظيره "فايزر". يشار إلى أن التراجع في مستوى الحماية يتوقف على العمر واللقاح والأمراض الصحية الموجودة أصلاً لدى الملقحين. بالنسبة إلى الأشخاص الذين تخطوا الـ65 سنة ويعتبرون ضعفاء جداً سريرياً، تنخفض الحماية إلى أقل من 60 في المئة بعد مرور 20 أسبوعاً من أخذ لقاح "أسترازيتيكا"، مقارنة مع 71 في المئة بالنسبة إلى "فايزر".
سيهدف برنامج الجرعات المعززة في المملكة المتحدة، الذي سيصار إلى تمديده ليشمل جميع الأشخاص الذين تخطوا الـ50 سنة، إلى تجنب دخول هذه المجموعات إلى المستشفيات خلال فصل الشتاء، في وقت يتوقع أن ترتفع الحالات مع مكوث الناس في الأماكن الداخلية لأوقات أكثر نتيجة سوء الأحوال الجوية.كلام الصورة
© The Independent