تتجه العلاقات الجزائرية المغربية نحو المزيد من التصعيد بعدما أعلنت الجزائر إغلاق مجالها الجوي بشكل فوري أمام الطيران المغربي العسكري والمدني، في خطوة مفاجئة للطرف المغربي ومنتظرة من الجهة الجزائرية، ما يؤشر لمرحلة جديدة من التوتر بين البلدين.
قرار بتفسيرين
أبرزت رئاسة الجمهورية الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون، القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير الدفاع، ترأس اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن خصص لدراسة "التطورات على الحدود مع المملكة المغربية، بالنظر إلى استمرار الاستفزازات" من الجانب المغربي، وفق ما جاء في البيان، الذي أشار إلى أنه قرر الغلق الفوري للمجال الجوي الجزائري على كل الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، وكذلك التي تحمل رقم تسجيل مغربياً.
وأوضحت جهات أن القرار يكشف عن عزم الجزائر على الاستمرار في "الضغط" على المغرب بعد قطع العلاقات الدبلوماسية منذ شهرين، ثم التلويح بعدم تجديد العقد الغازي الذي يمنح المغرب حق الاستفادة من مرور أنبوب الغاز الجزائري باتجاه إسبانيا، بينما اعتبرت جهات أخرى أن الخطوة الجزائرية إنما جاءت بعد معلومات ذات طابع أمني.
"الإغلاق الفوري" يطرح تساؤلات
وفي السياق، يعتبر الباحث المغربي في الشؤون المغاربية، يحيى بن طاهر، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، أنه لا يمكن التعليق على القرار الجزائري من دون الإشارة إلى جزئية تبدو بسيطة، لكنها توحي بكثير، ألا وهي عبارة "الفوري" وكأنه استعجال للحرب، مضيفاً أن القرار لن يضر بمصالح المغرب السياحية أو ما شابهها، بقدر ما قد يضر بمصالح المسافرين، خصوصاً من الجانبين الجزائري والمغربي، والذين لهم روابط أسرية هنا وهناك. وتابع أن ما تشير إليه أرقام الطيران المدني، فإن 90 في المئة من حركة الطيران المدني التي تجوب المجال الجوي الجزائري، هي لطائرات مغربية تابعة للخطوط الملكية المغربية أو شركات مغربية أخرى خاصة، ما يفيد أن الخاسر الاقتصادي من هذا القرار غير المحسوب، هو الاقتصاد الجزائري، هذا إن كانت إرادة الجزائر الرسمية محاولة معاقبة المغرب اقتصادياً.
الموقف المغربي
من جانبها تلتزم السلطات المغربية خلال الفترة الأخيرة عدم التعليق على الخطوات الجزائرية تجاه الرباط، وبالتالي لم ولن يصدر أي رد فعل رسمي مغربي بخصوص القرار الجزائري، باعتبار أن المملكة تعتبر تصرفات جارتها تجاهها تدخل ضمن عملية التصعيد والاستفزاز الذي لا طائل من الرد عليها، فيما أكد مصدر دبلوماسي، فضل عدم الكشف عن هويته، أن المغرب لن يرد بالمثل على الخطوة الجزائرية بخصوص إغلاق المجال الجوي، إلا أن محللين وسياسيين مغاربة انتقدوا تعامل الجزائر تجاه جارته الغربية.
وأعلن الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، أن المغرب سيتعامل مع خطوات الجزائر تجاهه بتريث، مشيراً إلى أن المملكة تتفهم المشاكل الداخلية التي تشهدها جارتها الشرقية، وأن المغرب تحمل تصرفات الجزائر وسيتحمل تلك المستقبلية، معتبراً أن القرار الجزائري قرار سيادي وسيحترمه المغرب وأن الشعب الجزائري سيظل حليفاً نظراً إلى إيمانه بالروابط الإنسانية التي تجمعه مع الشعب المغربي.
الأمم المتحدة تدعو للحوار
في المقابل، صرح العقيد الجزائري المتقاعد رمضان حملات، في تصريحات إعلامية، بأن إغلاق المجال الجوي إجراء سيادي مكفول بموجب اتفاقية شيكاغو للطيران المدني، يهدف إلى حماية الأمن الوطني من أي عمل تجسسي، أو ضرب اقتصاد الدولة المستهدفة، مضيفاً أنه بموجب القرار تصبح طائرات الدولة أو شركة الخطوط الجوية المعنية هدفاً جوياً عندما تتجاوز الأجواء، إذ إن الطائرات المدنية تجبر على الهبوط في أي مطار بالقوة وتخضع للتفتيش، كما يمكن أن تتعرض الطائرة للحجز، أما العسكرية فيتم إسقاطها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تمر خطوة الجزائر دون تعليق أممي، حيث قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحافي، إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش، يعتقد بقوة أنه من المهم للدولتين، المغرب والجزائر، أن تنخرطا في حوار إيجابي لحل المشاكل العالقة بينهما، نظراً لأهمية البلدين في المنطقة، وأضاف أنه "نريد أن نرى الدولتين وهما يتمتعان بأفضل علاقات ثنائية ممكنة".
تساؤلات مغربية
في سياق متصل، يتساءل المحلل السياسي المغربي، بلال التليدي، عن السبب الجديد الذي دفع الجزائر إلى إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات المغربية، مشيراً إلى أنه لم يتم تسجيل أي اتهام جديد ضد المغرب، عدا لائحة الاتهامات الجزائرية السابقة للمغرب بضلوعه في سلسلة الحرائق التي عرفتها البلاد، أخيراً، ودعم حركتي "الماك" و"رشاد" اللتين تطالبان بحق شعب "القبائل" في تقرير مصيره. وأضاف أنه لم تقدم الجزائر خلال قرارها الأخير أي اتهام جديد غير التعبير الفضفاض "استمرار المغرب في الاستفزازات والممارسات العدائية تجاه الجزائر".
وفي تحليله لدواعي الخطوة الجزائرية، يشير التليدي إلى "عدم استجابة المغرب مرتين لطلب الجزائر بخصوص توضيح موقفه الرسمي مما أثاره ممثله الدائم في الأمم المتحدة، عمر هلال، عندما دعم حق الشعب القبائلي في تقرير مصيره"، موضحاً أن الطلب الجزائري الأول تمت صياغته دبلوماسياً بشكل احتجاجي، واقترن بسحب السفير الجزائري من الرباط، وأن الطلب الثاني، أخذ طابعاً سرياً، إذ قدمت السلطات الجزائرية عقب قطعها العلاقات الدبلوماسية مع المغرب مبادرة تشترط فيها تعهد المغرب بسحب أي دعم سياسي لحق الشعب القبائلي في تقرير المصير، من أجل عودة العلاقات، وهو الأمر الذي رفضه المغرب، يضيف المحلل السياسي، أن السبب الثاني مرتبط بفشل الجزائر في إقناع إسبانيا بتوريدها الغاز بشكل حصري عبر أنبوب الغاز "ميد غاز"، الذي تم إنشاؤه لمحاصرة المغرب في مجال الطاقة، وحرمانه من القيمة الطاقية والمالية التي يحصلها من جراء مرور الغاز الجزائري عبر أراضيه، معتبراً أن إسبانيا لم تتجاوب مع الاقتراح الجزائري، وأنه نظراً إلى اعتبارات استراتيجية فإن إسبانيا تفضل استقبال الغاز عبر الأنبوبين معاً ضماناً لوصوله، وهو الأمر الذي أثار غضب الجزائر، بسبب فشل ضغوطاتها الممارسة على الجارة الشمالية إسبانيا، على حد تعبيره.
ويشير التليدي إلى وجود دافع آخر متعلق بتخوف الجزائر من الاستراتيجية الجديدة التي نهجها المغرب في الحصول على مختلف الأسلحة المتطورة ذات التقنية الحديثة المعقدة، مذكراً أن المغرب قد أبرم صفقة مع الولايات المتحدة الأميركية للحصول على 24 طائرة من نوع "F16" في عام 2026، وسيتسلم دفعة جديدة من طائرات أباتشي "AH64E" الأميركية، إضافة إلى أربع طائرات للمراقبة والاستطلاع والاستخبار من نوع "Gulf stream G 550" الأميركية.
ويرى أن التعاون المغربي التركي زاد من حدة غضب الجزائر على جارته، خصوصاً بعد الاتفاق على صفقة للتزود بالطائرات التركية المسيرة، إضافة إلى احتمال وجود تخطيط جزائري لتصعيد عسكري مع المغرب، إما بشكل مباشر أو غير مباشر باستعمال جبهة "البوليساريو"، معتبراً أن الاستهداف الذي تعرض له سائقان مغربيان لشاحنتين للبضائع في مالي، وذلك بقتلهما بواسطة أسلحة نارية، يشير إلى استهداف خط التجارة بين المغرب وعمقه الأفريقي، وهو يرجح فرضية استعمال الجزائر "البوليساريو" في حرب استنزافية ضد المغرب.
وبخصوص التأثير الاقتصادي لهذا القرار، يعتبر التليدي أن المغرب لن يتضرر بالمطلق منه، باعتبار أن الخطوط الملكية المغربية قد أعلنت أن رحلاتها التي تمر عبر الغلاف الجوي الجزائري لا تتعدى 15 رحلة جوية أسبوعياً، وأن إمكانية تحويل مسارها ميسور عبر البحر الأبيض المتوسط.
تكملة لخطوة سابقة
من جهة ثانية، يرى أستاذ القانون الاقتصادي، الجزائري محمد عدنان الأخضر بن مير، أن القرار يعد بمثابة تكملة للخطوة السابقة التي تبنت قطع العلاقات الدبلوماسية، كما أنه يأتي تعزيزاً للمخاوف الأمنية تحت طائلة إجراء احترازي، موضحاً أن القرار يعتبر رداً رادعاً للاستفزاز المغربي المشحون بالأعمال العدائية تجاه الجزائر كما يراه المجلس الأعلى للأمن، وختم أن خطوة الجزائر تكشف عن انتقال التعاطي مع التوتر من خطاب التهديد اللفظي إلى خطاب "الفعل"، أي عسكرة الأقوال والأفعال.
القول الفصل
اعتبرت المحللة السياسية، نبيلة بن يحيى، قرار المجلس الأعلى للأمن سيادياً وفاصلاً، وناتجاً عن مواصلة المغرب استفزازاته. وقالت إن القرار كان فاصلاً بعد مجموعة العلاقات المتوترة بين الجزائر والمملكة المغربية، فقد "انتقلنا من مرحلة إدارة الأزمة لمجموعة القضايا التي تضاربت فيها مصالح البلدين إلى القول الفصل في هذه العلاقات، بدءاً بقطع العلاقات الدبلوماسية، وبالتالي يعد هذا القرار مراجعة جذرية ودقيقة للعلاقة بين البلدين".
صمت سياسي مغربي
وعلى الرغم من الهالة الإعلامية التي أحدثها القرار دولياً فإن الرباط لم تحرك ساكناً وتلتزم الصمت إلى غاية اللحظة، عدا حديث مصدر بشركة الخطوط الملكية المغربية لوكالة "رويترز"، الذي أبرز أن 15 رحلة أسبوعياً ستتأثر بقرار الغلق، وجهتها تونس وتركيا ومصر، ووصف أثر القرار على الشركة بأنه غير كبير، مضيفاً أن الرحلات المعنية قد تغير مسارها لتمر فوق البحر المتوسط.
طائرات من دون طيار تركية... والجزائر تهدد؟
وفي خضم التوتر الحاصل، أعلنت وسائل إعلام مغربية عن تسلم الرباط طلبية أولى من الطائرات التركية المقاتلة من دون طيار من طراز "بيرقدار تي بي 2"، وهي التي تقدمت بطلب لاقتناء 13 طائرة من هذا النوع بقيمة 70 مليون دولار، من الشركة التركية "بايكر" الخاصة التي يديرها أحد أصهار الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
ويبدو أن الأمور لا تبعث على الارتياح ولا تتجه نحو التهدئة بين البلدين، على الأقل في القريب العاجل، بعد أن أعلن المبعوث الجزائري الخاص إلى دول المغرب العربي والصحراء الغربية، عمار بلاني، أن قرار الجزائر إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المغربية أملته أسباب لحماية الأمن الوطني، وجاء بعد استمرار الأفعال العدائية للرباط ، موضحاً أن القرار سيادي، واتخاذ الجزائر إجراءات إضافية في هذا الشأن غير مستبعد.
الوساطات مؤجلة
وفي وقت كانت الأعين تترقب الوساطات لتحريك المياه الراكدة بين الجزائر والرباط، على الرغم من رفض الجزائر كل تدخل يستهدف تهدئة الأوضاع بين البلدين، إذ شدد وزير الخارجية رمطان لعمامرة، في تصريحات إعلامية، على أن ملف الجزائر والمغرب طوي نهائياً، فقد جاء قرار إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام الطيران المغربي ليكشف عن حجم التوتر الحاصل بين الإخوة الجيران، الذي من شأنه أن يتحول إلى اشتباكات مسلحة غير مرغوبة شعبياً.