قد يشكل مؤتمر حزب العمال المقرر انطلاقه الأسبوع المقبل، الفرصة الأخيرة أمام السير كير ستارمر في توحيده ووضع رؤية مقنعة عن البلاد، إذا أراد عدم تكرار الهزيمة التي تعرض لها [الحزب] في اقتراع 2019، مرّة أخرى في انتخابات جديدة قد تجري بعد أقل من سنة، وفق تحذير من اليساري البارز جون ماكدونيل.
إذ نقل وزير المالية في حكومة الظل سابقاً إلى صحيفة "اندبندت" أنه يتوجب على السير كير أن يحقق اختراقاً يقضي فيه على "إحباط" الناشطين من زعامته، وذلك عِبْرَ إعادة سلفه جيرمي كوربين إلى ترؤس مجموعة حزب العمال البرلمانية، إضافة إلى تحديد برنامج راديكالي في السياسات المتعلقة بقضايا كإنهاء فقر الأطفال وإلغاء الرسوم الجامعية، مع تقديم "صفقة جديدة خضراء" بشأن حالة الطوارئ المناخية تشمل الملكية العامة للصناعات الرئيسة.
واستطراداً، دعا ماكدونيل السير كير إلى تعلم درس من الرئيس الأميركي جو بايدن، وقد وصفه بأنه يحكم كزعيم معتدل وسطي على أساس برنامج راديكالي صاغه إلى حد كبير يساريون من بينهم بيرني ساندرز المنافس السابق له على تسمية المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية 2020.
من جهة أخرى، لا يتوقع ماكدونيل أن يؤيد الزعيم الحالي [ستارمر] وجهات نظر سلفه كلها، بل يرى أن بوسعه أن يدفع الأخير [كوربين] إلى العمل في تحقيق مزيد من الدعم لحزب العمال. وكذلك أعلن ماكدونيل أنه "يمكن لجيرمي أن يسهم في التحشيد لمصلحة كير ستارمر".
وأضاف ماكدونيل أنه إذا اختار ستارمر العمل بطريقة أخرى و"تجاهل نوع المسار للسياسات التي تبنيناها خلال الفترة الأخيرة" فإنه قد يكون متجهاً إلى "مؤتمر صعب للغاية".
وفي التفاصيل، سينضم ساندرز إلى ماكدونيل عبر رابط فيديو في واحدة من سلسلة فعاليات ستُجرى على هامش مؤتمر حزب العمال الذي سيعقد في مدينة "برايتون"، ومن المقرر أن يتحدث فيها اليساري المخضرم [ماكدونيل] وكوربين. ويخشى بعض أعضاء الدائرة المقربة من ستارمر أن يشكل الحضور البارز للزعيم السابق في ذلك المؤتمر، محاولة هدفها حرف الأنظار عن رسالة مفادها أن حزب العمال بات حالياً في ظل قيادة جديدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى الرغم من أن عضوية كوربين في المجموعة البرلمانية لحزب العمال لا تزال مجمّدة بسبب تعليقاته على تقرير حول العداء للسامية، فقد ذكر ماكدونيل أنه يتوقع أن يحضر الزعيم السابق المؤتمر، إضافة إلى مشاركته في مؤتمر "العالم تبَدَّل" الذي تنظمه مجموعة "مومينتم" في الوقت نفسه.
في السياق نفسه، أصر ماكدونيل على أن أنصار الزعيم السابق الذين يُسمون "الكوربينيين"، لا يسعون إلى مواجهة مع السير كير ستارمر في "برايتون".
وزاد ماكدونيل، "لا يوجد بين اليسارين مَنْ يبحث عن صراع، بل إن ما نريده مجرد حكومة عمالية".
وتابع، "نريد رؤية حزب قد توحّد بالفعل على أساس برنامج سياسات راديكالية كي يعبر عن حاجات مجتمعنا. وإذا لم ترتسم معالمه في المؤتمر، سيتراكم الإحساس بالإحباط بين أعضائنا، وذلك غير ضروري على الإطلاق".
وفي الإطار نفسه، حثّ ماكدونيل السير كير ستارمر على مقاومة أي نصيحة من أجل محاولة التعريف بنفسه عِبْرَ مواجهة مباشرة مع عناصر في حزبه، على غرار ما فعل نيل كينوك [رئيس سابق لحزب العمال] حينما أعرب عن شجبه نزعة "ميليتانت" [بمعنى الناشط الملتزم] الراديكالية في المؤتمر الحزبي الذي عُقد في "بورنموث" 1985.
واستطراداً، اعتبر ماكدونيل أن "الشيء الذي تعلّمناه في عامي 1987 و1992، يتمثل في أن الناس لن يصوتوا لحزب منقسم. وفي نهاية المطاف، ستسبب هذه [المواجهة] مزيداً من الانقسام".
وفي نفسٍ مشابه، أشار ماكدونيل إلى إنه حاول إقناع حكومة الظل التي يرأسها ستارمر بالحاجة الملحة إلى ترسيخ رؤية حزب العمال الأساسية في أذهان الناخبين، ضمن أسرع وقت ممكن، بدلاً من الانتظار إلى حين اقتراب موعد الانتخابات المقرر حالياً إجراؤها في 2024، مع إنه يرجح شخصياً أنها ستنظم في 2023 أو حتى 2022، إذا أراد بوريس جونسون أن ينتهي من موضوع الانتخابات قبل التحقيق في طريقة تعامله مع جائحة "كوفيد".
وفي الإطار ذاته، لفت ماكدونيل إلى أنه يجب على السير كير ستارمر أن "يتعلم درس ديسمبر (كانون الأول) 2019" حين فقد حزب العمال مصداقيته من خلال الإعلان بشكل مفاجئ عن مجموعة من السياسات، أشهرها تلك المتعلقة بالنطاق العريض المجاني [للإنترنت] التي افترض الحزب أن من الممكن تقديمه خلال العامين الباقيين قبل أن يُجري جونسون الانتخابات الجديدة.
ووفق ماكدونيل، "لقد جربنا كل شيء كي نتغلب على المحافظين من حيث السياسات، ولم يصدقنا الناس".
وأضاف، "لنتعلم دروس 2019. يجب أولاً وقبل كل شيء أن يكون لديك سردية متكاملة، ثم تضع أسس السياسات مع مرور الزمن بحيث يفهمها الناس. قد لا يتفقون دائماً مع هذه السياسات لكنهم سيتفهمون وجهة نظرك ويدركون لماذا اتخذت تلك المواقف".
وبحسب ماكدونيل أيضاً، لقد ترك الحذر الذي يبديه السير كير ستارمر "مندوبي الحزب العاديين المساكين" على عتبات البيوت [التي يقفون عندها أثناء الترويج للحزب، خصوصاً في الانتخابات]، وداخل استوديوهات التلفزيون، غير قادرين على الرد حين تثير انتقاداتهم للحكومة تساؤلات من قبيل "حسناً، ماذا كنت تود أن تفعل؟" وقد كُشِف عن تلك المشكلة بمنتهى القسوة حين تجاهل جونسون الانتقادات الموجهة إلى خطته الواهية في الرعاية الاجتماعية هذا الشهر، مع مقدار من السخرية من فشل السير كير في تقديم أي خطة بديلة على الإطلاق.
وأوضح ماكدونيل، "أحاول أن أعبّر للناس المقربين من كير عن شعور بمدى إلحاح ذلك الأمر. إذ ستستغرق عملية صنع السياسات اللازمة في البيان الانتخابي، ما يتراوح بين 9 و12 شهراً من الآن، ويمكن لجونسون أن يدعو إلى إجراء انتخابات مع حلول ذلك الوقت. حتى لو أُجريتْ في 2023، وهو التاريخ الذي يعمل معظم المحافظين على أساسه، سيكون لدينا ما بين 18 و20 شهراً كحد أقصى". وأضاف ماكدونيل، "عليك النهوض بالعمل اللازم. عليك أن تنهض بذلك العمل الآن. وإلا فسنذهب إلى الانتخابات مسلحين ببيان انتخابي أُعدَّ في وقت متأخر للغاية الأمر الذي سيجعل الناس عاجزين عن فهمه، أو أنهم لا يعرفون ما يكفي عنه، أو أنهم سيجدونه غير متمتع بالمصداقية".
وفي حين أن استطلاعات الرأي تضع حالياً حزب العمال في وضع مستقر ومتوازن مع حزب المحافظين بعد اضمحلال أثر "قفزة اللقاح" التي حققها جونسون، إلا أن أسهم السير كير الشخصية انهارت لأن الناس "لا يعرفون تماماً من هو، ولا يعرفون ماذا يمثل"، بحسب ماكدونيل.
وتابع "إن الطريقة الوحيدة التي تجعل الناس يثقون بك تمثل في جعلهم يعرفون ما الذي ستفعله، وأنك تعرف ما ستفعله ومستعد لذلك. إذاً، يتوجب عليك أن تحدد ما هي أهدافك، وما هو المجتمع الذي تريد أن تبنيه".
وزاد ماكدونيل، "ليس من الضروري أن تكون تفاصيل السياسات [هي التي تُكسبك ثقة الناخبين]، بل قد تأتي الثقة من أهداف كإنهاء فقر الأطفال، وإنهاء الأجور البخسة، وتوفير سكن لائق، وإننا سنمول المدارس، وسنضمن إلغاء رسوم الدراسة. ومن ثم، تكمن القضية الرئيسة في تغير المناخ، [وطرح] العقد الأخضر الجديد الذي يشمل عناصر الملكية العامة".
وفي نفسٍ مشابه، رأى ماكدونيل أن انسحاب ما يزيد على 100 ألف من الأعضاء من حزب العمال قد سبب أزمة لجهة تقديم مادة في انتقاد الحزب. واعتبر ماكدونيل أن ذلك يعود بشكل كبير إلى "خيبة أمل" الناشطين من فشل السير كير في الوفاء بالتعهد الذي قدمه خلال المنافسة على زعامة الحزب، وجاء فيه أنه سيحافظ على 10 سياسات أساسية وُضِعَتْ في عهد كوربين. كذلك أسهم "اقتتال الفصائل" الذي أدى إلى تهديد رئيس نقابة الخبازين إيان هوتسون بالطرد، في تعميق شعور الناشطين بالإحباط.
وأشار ماكدونيل إلى أن استعادة الزعيم السابق [كوربين] رئاسة مجموعة الحزب البرلمانية "أمر أساسي بشكل مطلق"، إذ إن الهدف منه يتمثّل في "جعل المؤتمر إيجابي. واعتبر أن السير كير يجب أيضاً أن يعمل على ترقية المواهب الشابة من يسار الحزب وضمّهم إلى حكومة الظل، بهدف بناء تنظيم "يضم مختلف التيارات".
وفي الحديث الذي أجرته معه "اندبندنت"، ذكر ماكدونيل أنه "لا ينبغي عليه [السير كير ستارمر] المصادقة على كل ما يؤمن به جيرمي، ولا ما يقوله أو أي شيء فاه به. إذ لا يتوجب عليه سوى أن يوضح أن جيرمي عضو مهم فعلاً في حزبنا كأي شخص آخر، ويستخدم [ستارمر] مواهبه [كوربين]. يمكن أن يعمل جيرمي على التحشيد لمصلحة كير ستارمر".
وأضاف ماكدونيل أنه سيكون من "الخطأ الكامل" بالنسبة إلى القيادة الحالية، أن تفسر نتيجة انتخابات 2019 كأنها تتطلب منهم التخلي عن برنامج عهد كوربين.
وأضاف، "إن العالم كله قد مضى إلى الأمام. انظر إلى ما يفعله بايدن. إنه زعيم وسطي لكنه يعكف على تطبيق برنامج سياسي راديكالي تماماً، صمّمه اليسار إلى حد كبير. ويحدث ذلك أيضاً في الانتخابات الأوروبية حالياً، في ألمانيا وأيضاً في بعض الدول الاسكندنافية. يبحث الناخبون عن الحافز، إنهم يبحثون عن الرؤيا. وإذ تأتي من اليسار، فيعني ذلك أنها يجب أن تكون راديكالية".
وتابع وزير المالية السابق في حكومة الظل، "إن دروس جائحة كورونا هي الدروس النابعة من اليسار، وتتمثّل في أننا نهتم ببعضنا البعض ويحتاج بعضنا إلى البعض الآخر، ونعتمد على الدولة وخدماتها العامة".
وختم ماكدونيل حديثه مشيراً إلى أن"الناس أخذوا يتنبّهون إلى أزمة التغير المناخي، ويتعلمون الدروس المتعلقة بكيفية التعامل مع أزمة "كوفيد"، والطريقة التي نحتاجها في التعاطي مع تغير المناخ".
© The Independent