لم تكد السوق المصرية تستوعب صدمة فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية، حتى أعلنت الحكومة المصرية عن ضريبة جديدة من المقرر فرضها على صانعي المحتوى الإلكتروني، أو ما يعرفون بالـ"يوتيوبر"، لكن سرعان ما جاء الرد على مواقع التواصل الاجتماعي، التي شهدت حالة من الشد والجذب بين المؤيدين والمعارضين للقرار.
المؤيدون للقرار يرون أن المنطق يقول إن كل من يحقق مكاسب من أي نشاط يجب أن يشارك في سداد ضريبة بصرف النظر عن اسم هذه الضريبة، والقوانين واللوائح لم تكن تنص على شرائح عديدة من الضرائب، ولكن تم استحداثها أخيراً، بالتالي فلا بديل عن فرض ضرائب على صناع المحتوى الإلكتروني والـ"يوتيوبر" مثلما تم فرضها على منصات التجارة الإلكترونية.
في المقابل، يرى المعارضون أن صناع المحتوى الإلكتروني لا يستفيدون بأي خدمة ولا تقدم لهم الحكومة أي دعم، وأنهم يحققون مكاسبها من خلال مجهود شخصي وبمهارات فردية، ولذلك يجب ألا تتدخل الحكومة وتحصل منهم على أي مبالغ حتى إذا كانت في صورة ضرائب.
لكن مصلحة الضرائب المصرية لم تلتفت إلى هذا السجال المستمر، وخاطبت المدونين وصانعي المحتوى المرئي على "يوتيوب" وغيرهم من صانعي المحتوى عبر الإنترنت، لفتح ملف ضريبة على الدخل. وسيتعين أيضاً على جميع صانعي المحتوى الذين يكسبون أكثر من 500 ألف جنيه (31894 دولاراً) سنوياً، التسجيل في ضريبة القيمة المضافة.
حصر ومتابعة الشركات لتحقيق العدالة الضريبية
كان رئيس مصلحة الضرائب المصرية، رضا عبدالقادر، قد كشف عن أن وحدة التجارة الإلكترونية بالمصلحة تعمل على حصر ومتابعة وتسجيل الشركات التي تمارس نشاط التجارة من خلال المواقع الإلكترونية. وأوضح أن وزارة المالية تتابع عن كثب مصلحة الضرائب لبذل كل ما لديها من جهد لتحقيق العدالة الضريبية من خلال حصر المجتمع الضريبي بشكل أكثر دقة، وبخاصة التعاملات التي تتم عبر المنصات الإلكترونية، وتحديد من يقوم بها، لضم الاقتصاد غير الرسمي للمنظومة الرسمية.
وأشار وفق بيان، إلى أن التجارة الإلكترونية هي صورة مستحدثة من صور التسويق والبيع فرضتها المتغيرات في تكنولوجيا الاتصالات، والتواصل الجديدة، وقد توسع الاعتماد عليها بشكل غير مسبوق عالمياً بسبب جائحة "كوفيد-19". ولفت إلى أن عديداً من الدول تصف أي معاملة تجارية بأنها تجارة إلكترونية عندما يتم نقل ملكية السلع أو عملية البيع أو أداء الخدمة عبر الإنترنت أو عن طريق الوسائل الإلكترونية الأخرى.
وأوضح أن هناك 3 أنواع من الشركات التي تمارس نشاط التجارة الإلكترونية، يتمثل النوع الأول منها في شركات تعتبر التجارة الإلكترونية مجرد وسيلة من الوسائل المتنوعة للبيع أو التوزيع، والنوع الثاني شركات تم إنشاؤها وتعتمد أساساً على البيع وتوزيع منتجاتها وخدماتها عن طريق الوسائل الإلكترونية. بينما يتمثل النوع الثالث في شركات نشاطها هو المنصات الرقمية لعرض منتجات البائعين عليها، وتسهيل عمليات المقارنة للمشترين.
ضريبة على جميع المهن الحرة
وحول الموقف الضريبي للشركات التي تمارس نشاط التجارة الإلكترونية، أشار إلى أنه بالنسبة للضريبة على الدخل فإن جميع الشركات التي تمارس نشاطاً تجارياً أو غير تجاري (أنشطة المهن الحرة) تخضع للضريبة على الدخل طبقاً لقانون 91 لسنة 2005، وتوجب عليها التسجيل والإقرار عن إيراداتها اعتباراً من تاريخ بدء النشاط.
وفيما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة قال عبدالقادر، إنه وفقاً لقانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، فإن الشركات التي تمارس نشاطاً لبيع سلع عامة أو أداء خدمات بالفئة العامة متى بلغ حجم أعمالها 500 ألف جنيه (أكثر من 31 ألف دولار) سنوياً توجب عليها التسجيل بالضريبة على القيمة المضافة، وتحصيل وتوريد الضريبة بالفئة العامة للمأمورية المختصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذكر أن الأفراد والشركات التي تقوم بتقديم خدمات مهنية واستشارية يتوجب عليهم التسجيل اعتباراً من تاريخ بدء النشاط، وتحصيل وتوريد الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 10 في المئة، موضحاً أن الشركات التي تمارس نشاطاً لبيع سلع أو أداء خدمات من سلع وخدمات الجدول عليها التسجيل اعتباراً من تاريخ بدء النشاط، وتحصيل وتوريد الضريبة بالفئة المقابلة للسلعة المبيعة، أو الخدمة المؤداة التي نص عليها القانون.
وأضاف أن الأفراد الذين يقومون بنشاط صنع المحتوى (البلوغرز – اليوتيوبرز) عليهم التوجه للمأمورية الواقع في نطاقها المقر الرئيس للنشاط (دخل) لفتح ملف ضريبي للتسجيل بمأمورية الضريبة على الدخل المختصة، وكذلك التسجيل بمأمورية القيمة المضافة المختصة متى بلغت إيراداتهم 500 ألف جنيه خلال 12 شهراً من تاريخ مزاولة النشاط.
من هم المطالبون بسداد هذه الضريبة؟
وكشفت مصلحة الضرائب المصرية عن أن "التسجيل بمأمورية القيمة المضافة المختصة يتم متى بلغت إيراداتهم 500 ألف جنيه (أكثر من 31 ألف دولار) خلال 12 شهراً من تاريخ مزاولة النشاط"، لكن لا يخضع صناع المحتوى على الإنترنت في مصر، مثل المدونين والمستخدمين المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، لإطار رسمي ينظم أنشطتهم. ويستخدم الإنترنت في مصر، البلد العربي الأكثر سكاناً بعدد يفوق 100 مليون نسمة، نحو 60 مليون شخص، بحسب أحدث أرقام لوزارة الاتصالات المصرية.
وبحسب موقع الإحصاءات الدولي "داتا ريبورتال"، يستخدم منصات التواصل الاجتماعي في مصر 49 مليون شخص منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.
ووفق وكالة الأنباء الفرنسية، قال محمد الجيار، مدير خدمة الممولين بمصلحة الضرائب، إن "أي شخص يحقق إيرادات داخل مصر، عليه أن يسدد الضريبة المستحقة عليه مهما كان النشاط الخاص به". وضرب أمثلة بـ"التجارة الإلكترونية والبلوغرز واليوتيوبرز"، وهم الذين يقدمون محتوى على موقع الفيديو العالمي الشهير "يوتيوب".
وأضاف، "كثير من الأنشطة تحقق إيرادات دون ملف ضريبي"، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية تواصلت مع بعض الشركات الدولية مثل "فيسبوك" و"يوتيوب" للمساعدة في معرفة الأشخاص الذين ينطبق عليهم القرار.
وخلال السنوات الأخيرة فرضت مصر بعض القيود على مستخدمي الإنترنت. ففي عام 2018 صدّق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على قانون يهدف إلى "تنظيم الصحافة والإعلام"، ويسمح للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المشكّل بقرار رئاسي، بمراقبة بعض حسابات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي التي لديها أكثر من 5000 متابع.
ضريبة الأرباح الرأسمالية الأكثر إثارة للجدل
لكن ضريبة صناع المحتوى الإلكتروني، أو الـ"يوتيوبر" لم تكن الأولى المثيرة للجدل خلال الفترة الحالية، حيث تسبب فتح ملف ضريبة الأرباح الرأسمالية التي من المقرر فرضها على تعاملات البورصة المصرية بموقف أكثر جدلاً، وتسبب الحديث عن تطبيق الضريبة مطلع العام المقبل بموجة خسائر قاسية لكافة الأسهم المدرجة بالبورصة المصرية.
وقبل أيام، قال وزير المالية المصري، محمد معيط، إنه من المقرر البدء في تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية بنسبة 10 في المئة على تعاملات البورصة المصرية اعتباراً من 1 يناير المقبل، لينهي بذلك الجدل حول ما إذا كان سيتم تنفيذ الضريبة المخطط لها أو تأجيلها أو إلغاؤها بحلول عام 2022.
وتعتزم الحكومة المصرية تطبيق الضريبة بنسبة 10 في المئة على صافي أرباح محفظة الأسهم بنهاية كل سنة ضريبية، وذلك بعد خصم رسوم السمسرة. ولن يدفع المستثمرون الأجانب شيئاً نظراً لأن القواعد الجديدة تلك لن تنطبق إلا على الأشخاص والشركات المقيمين في مصر. وقالت مصلحة الضرائب، إن المستثمرين ممن لديهم محافظ بقيمة تتجاوز 5 ملايين جنيه (0.319 مليون دولار) قد يتعين عليهم فتح ملف ضريبي لسداد الضرائب.
أما فيما يخص المستثمرين الأفراد الصغار، والذين يمثلون نحو 80 في المئة من إجمالي المتداولين بالبورصة، فلن يتعين عليهم القيام بذلك، حيث سيجري خصم الضريبة من خلال شركة مصر للمقاصة والإيداع والحفظ المركزي. ووفق دليل قواعد المعالجة الضريبية للأرباح الرأسمالية، فإنه يتم تحديد الأرباح الرأسمالية الخاضعة للضريبة على أساس قيمة صافي الأرباح الرأسمالية لمحفظة الأوراق المالية المحققة في نهاية السنة الضريبية.
وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت عن هذه الضريبة في عام 2015، وتم تأجيلها للمرة الأولى حتى عام 2017 وسط مخاوف من ابتعاد المستثمرين عن البورصة المصرية، قبل أن يتم استبدالها بضريبة الدمغة بنسبة 0.125 في المئة وتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية لمدة ثلاث سنوات. وأجريت مفاوضات بين وزارة المالية والبورصة في عام 2019 بشأن صياغة تعديلات على ضريبة الأرباح الرأسمالية للبدء في تطبيقها عام 2020، إلا أنه ومع بدء جائحة "كوفيد-19" قررت الحكومة تأجيل الضريبة لمدة عامين على أن يجري إعادة تطبيقها اعتباراً من 1 يناير 2022، وذلك كجزء من حزمة من الإجراءات لدعم الاستثمار في الأسهم المصرية.