تشهد العاصمة السودانية، الخرطوم، منذ ظهر الخميس 30 سبتمبر (أيلول)، تظاهرات ومسيرات جماهيرية ضخمة دعماً للتحول الديمقراطي ورداً على المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي استهدفت تقويض مرحلة الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية. وردد المتظاهرون شعارات تطالب بالمدنية وتندد بالشراكة مع المكون العسكري.
وحملت التظاهرات رسائل متعددة الاتجاهات في خضم السجال السياسي والاتهامات المتبادلة بين المكونين المدني والعسكري.
وانطلقت التظاهرات التي دعا لها تجمع المهنيين السودانيين والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، مهندسا حراك ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 التي أطاحت نظام الرئيس عمر البشير، الخميس، من موقف شروني في وسط الخرطوم، ثم اتجهت نحو القصر الجمهوري، لتسليم مذكرة إلى مجلس السيادة (المكون المدني)، وواصلت السير في اتجاه مقر لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام البشير.
وأغلقت السلطات عدداً من الطرق المؤدية إلى القصر الجمهوري، وأطلقت قوات الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين بالقرب من القصر.
مطالب المهنيين
ودعا تجمع المهنيين السودانيين، في بيان، إلى الإسراع في تسليم رئاسة مجلس السيادة إلى المكون المدني في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية.
وطالب التجمع بإلغاء مجلس شركاء الفترة الانتقالية وفض الشراكة مع العسكريين وإلغاء الوثيقة الدستورية وتشكيل حكومة مدنية لا تكون امتداداً لمرحلة الشراكة.
وفي السياق ذاته، أشاد النائب العام المكلف، مبارك محمود، بالخطة المتكاملة لغرفة النيابة العامة لحماية الموكب بحسب المسارات الموضوعة لتحركه.
وأعلن رئيس النيابة العامة قطاع الخرطوم، سيف اليزل محمد سري، أنه تم استنفار النيابة العامة على مستوى ولاية الخرطوم، ووضع خطة متكاملة لتغطية سير المواكب بمشاركة 18 من أعضاء النيابة العامة.
وأشار سري، إلى أنه تم منع قوات الشرطة من استخدام السلاح الناري مراعاة لمبدأ سلمية حماية المواكب وفق ما نصت عليه الوثيقة الدستورية. كذلك أُلزمت القيادات الميدانية لحماية الموكب، برفع تقارير للغرفة المركزية على مدار الساعة.
المكون العسكري يلتزم
وسط ذلك، أعرب الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة، خلال لقائه جيفري فيلتمان المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي، عن أمله في استمرار الدعم الأميركي للحكومة الانتقالية.
وأكد البرهان لفيلتمان أهمية إشراك القوى السياسية المؤمنة بالتحول الديمقراطي في العملية السياسية في الفترة الانتقالية، وصولاً إلى انتخابات حرة نزيهة تأتي بحكومة مدنية تمثل الشعب السوداني.
وشدد الطرفان على أهمية التعاون بين المكونين المدني والعسكري في هذه المرحلة، ومشاركة القوى السياسية التي أسهمت في عملية الانتقال السياسي بالبلاد.
وجدد رئيس مجلس السيادة التزام القوات المسلحة حماية الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي بالبلاد من أي معوقات.
من ناحيته، أشاد المبعوث الأميركي بالجهود التي يبذلها المكون العسكري لحماية الانتقال السياسي بالبلاد وإحباط المحاولة الانقلابية.
وأكد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، الفريق أول محمد حمدان دقلو، تصدي القوات النظامية لأي محاولات لعرقلة عملية الانتقال الديمقراطي، وتمسك الجانب العسكري بتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان والوثيقة الدستورية وتوسيع دائرة المشاركة السياسية بما يحقق الاستقرار في البلاد.
وجدد دقلو الحرص على استكمال الانتقال الديمقراطي وصولاً إلى لانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية.
على الصعيد نفسه، أكد الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة، الحرص إنجاح الشراكة وخلق بيئة مواتية للحوار للخروج من حالة الاحتقان الراهنة وتجاوز الخلافات بما يعضد الشراكة والانتقال السياسي الآمن.
تحصين الانتقال
في سياق متصل، دعا مجلس الوزراء السوداني، في جلسة الخميس 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، إلى تحصين الفترة الانتقالية من خلال تقييم الفترة الماضية بشفافية ووضوح وبذل مزيد من الجهد لتوحيد قوى الثورة والحواضن السياسية وتمتين الشراكة بين العسكريين والمدنيين وإكمال مؤسسات الانتقال بما يحقق أهداف الفترة الانتقالية والاستحقاق الدستوري.
وقد عُقد اجتماع عاجل لمجلسي الوزراء والسيادة لمناقشة قضايا الوضع الراهن.
ووجه المجلس بالتحقيق الدقيق في المحاولة الانقلابية والإسراع في تقديم المشاركين فيها إلى العدالة، وبضرورة التعامل الإعلامي الواعي لمواجهة الشائعات والإعلام المضاد في الوسائل المختلفة.
حمدوك وفيلتمان
في المقابل، أكد رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، لدى استقباله فيلتمان، أهمية أن يعمل شركاء الفترة الانتقالية يداً واحدة لإنجاح الانتقال المدني الديمقراطي بسلام.
من جانبه، جدد فيلتمان دعم بلاده للحكومة السودانية التي يقودها مدنيون، لحماية الفترة الانتقالية، والوصول بها إلى نهايتها في التحول المدني الديمقراطي وإجراء الانتخابات.
وقال إن المحاولة الانقلابية هدفت إلى وقف التطور الذي يشهده السودان وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بخاصة ما يلي تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.
واعتبر فيلتمان أنه من المهم أن يتفهم الطرفان أن تعاونهما مهم لتحقيق الانتقال ومحافظة السودان على موقعه في المنظومة الدولية.
الحل الشامل
في الأثناء، دعا الطاهر أبو بكر حجر، عضو مجلس السيادة ولجنة التنسيق بينه وبين مجلس الوزراء، ورئيس تجمع قوى تحرير السودان، الموقع على اتفاق السلام جوبا، عبر "اندبندنت عربية"، إلى ضرورة تجاوز مرحلة التراشق والاتهامات بين المكونين العسكري والمدني وانخراط الجميع في حوار جاد، عميق ومسؤول بحجم التحديات التي توجهها الدولة السودانية للبحث لها عن حلول جذرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسأل حجر عن مكمن المشكلة وأساسها، هل هي في محاولة الانقلاب أم ناجمة عن تراكمات سابقة للعلاقة بين الطرفين، أم هي في الإعلان السياسي بوحدة قوى الحرية والتغيير، الذي وُقِع في الأسابيع التي سبقت المحاولة الانقلابية، والذي لم يكن يستهدف جهة أو منظومة بعينها وما زال مفتوحاً أمام الجميع.
ولفت إلى أن الأزمة الراهنة بين مكونات الفترة الانتقالية هي أزمة ثقة، وقد أدت إلى ضعف الشراكة بينها، مضيفاً أن استمرارها حتى نهاية الفترة الانتقالية مهم للمحافظة على المكتسبات التي تحققت وكي لا ينقسم السودان والشارع إلى عسكريين ومدنيين.
واعتبر أن تنفيذ اتفاق السلام هو أهم مدخل لمعالجة القضايا الوطنية، وأن مشاركة أطراف السلام في المجلس السيادي أحدثت وفاقاً كبيراً وحواراً جاداً مع كثير من المشاريع الحيوية التي طرحت، مضيفاً أنه من خلال لجنة التنسيق بين مجلسي السيادة والوزراء حدث كثير من التقارب في وجهات النظر، لا سيما في القضايا المرتبطة بالتشريع والقوانين، كونهما يمثلان الجهاز التشريعي المؤقت".
تضحيات وتنازلات
ويعتقد حيدر الصافي، مقرر مجلس شركاء الفترة الانتقالية، أن "المطلوب هو تنازلات وتضحيات وترفع عن الذاتية والحزبية للخروج من الأزمة الراهنة وواقع التشظي"، معتبراً أن "الأمر لا يحتاج إلى وساطات دولية أو إقليمية".
وأكد الصافي "أهمية وحدة قوى الحرية والتغيير، باعتبار أن توحد المكونات السياسية المدنية، يمثل أولى الخطوات لإنجاز المخرج المطلوب وتحقيق أهداف الثورة".
وكشف القيادي في قوى الحرية والتغيير، عادل خلف الله، عن بدء التشاور بين أعضاء المكون المدني في مجلس السيادة الانتقالي لاختيار من سيتسلم رئاسة المجلس خلفاً للبرهان، مؤكداً أن أجل رئاسة المكون العسكري للمجلس سينتهي بحسب الوثيقة الدستورية، في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وتتولى السلطة في السودان قيادة انتقالية مكونة من مدنيين وعسكريين، أسست بناء على اتفاق سياسي (الوثيقة الدستورية)، وُقع في أغسطس (آب) 2019 بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، عقب إطاحة نظام البشير الذي حكم البلاد مدة ثلاثين عاماً، إثر احتجاجات تحولت إلى ثورة شعبية.
وأعلنت الحكومة السودانية، الثلاثاء 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، إحباط محاولة انقلابية استهدفت تقويض الفترة الانتقالية والتحول الديمقراطي، وتورط فيها مدنيون وعسكريون على صلة بنظام الرئيس السابق.