أثار ضبط الأجهزة الأمنية السودانية عناصر متطرفة، في إحدى ضواحي العاصمة الخرطوم، الثلاثاء 28 سبتمبر (أيلول) الماضي، تساؤلات عدة حول دوافع هذه المجموعة، والمخطط الذي كانت تنوي تنفيذه، وهل سيكون السودان مسرحاً لنشاط إرهابي جديد؟ وما مآلات هذه الحادثة وآثارها على أمن واستقرار البلاد، وهل قدرات وإمكانات حكومة الخرطوم تمكنها من القضاء على هذه الظاهرة في حال تمددها؟
إسرائيل والعلمانية
يشير الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، إلى أن "وجود خلايا لتنظيم داعش في السودان أمر جديد بدأ منذ عام 2018، بعد أحداث ثورة ديسمبر (كانون الأول) اعتراضاً على إزالة النظام السابق ذي الأصول الراديكالية من الحكم، وهذا التنظيم موجود في أفريقيا بعد عودته من سوريا، وإعادة عناصره إلى تونس والجزائر ومصر وليبيا، وتسللت بعض عناصره إلى الجنوب الليبي واتخذت لها حاضنة، فيما اتجهت تلك العناصر للبحث عن خلايا وحاضنات أخرى تم تكوينها في دول الجوار السوداني، ومنها تسللت إلى داخل البلاد، وهي خلايا صغيرة، لكن خطورتها تكمن في أنها مدربة تدريباً تقنياً عالياً، إلى جانب امتلاكها للمعلومات والأموال والأجهزة المتقدمة ما يشكل خطورةً على الأمن الداخلي للسودان".
ولفت مجذوب إلى أن "خطر هذه الجماعات المتشددة على البلاد يتمثل في أنها قد تعترض على إقامة علاقات مع إسرائيل، فضلاً عن فصل الدين عن الدولة ومحاولة تطبيق العلمانية، والموافقة على اتفاقية "سيداو" الخاصة بحقوق المرأة، فكلها مهددات مستقبلية قد تكون نشاطاً للخلايا النائمة في السودان، إلى جانب محاولة إرجاع النظام السابق الذي تمت الإطاحة به في أبريل (نيسان) 2019، كما قد تسعى هذه العناصر ليكون السودان حاضنةً لها للانطلاق نحو دول الجوار الأفريقي، سواء كان شرقاً أو جنوباً أو حتى شمالاً باتجاه مصر التي تُعد من الدول المستهدفة، بخاصة بعد الضغط على الجماعات المتشددة من قبل النظام المصري".
حدود ممتدة
وتابع مجذوب "في ما يتعلق بحدود الدول الرخوة مع السودان، نجد أن هناك دول جوار غير مستقرة مثل ليبيا وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، بالتالي في ظل عدم تأمين هذه الحدود المشتركة، قد تستطيع خلايا داعش التحرك هنا وهناك عبر هذه الحدود الممتدة ناقلةً فكرها ونشاط استقطابها للشباب من الجنسَين، ما يخلق بؤراً إرهابية لهذه الدول من خلال هذه الحدود الرخوة. ويتطلب ذلك وجود قوات مشتركة بين السودان وهذه الدول، بخاصة أن هذه التجربة نجحت مع تشاد، وربما تُعمم مع ليبيا، ومستقبلاً مع مصر وإثيوبيا". وأضاف الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، "في اعتقادي أن هناك انعكاسات سلبية على حادثة الخلايا الإرهابية التي اكتُشفت في الخرطوم على المرحلة الانتقالية في البلاد التي تمر بتوتر كبير جداً بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي أحبطت في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، في ظل الصراع الخطابي التصاعدي، والمعارك الكلامية بين المكونين المدني والعسكري، لذلك فإن مثل هذه الحادثة الإرهابية قد تقدح في كفاءة الأجهزة الأمنية، على الرغم من أن الحكومة الانتقالية في البلاد سلبت هذه الأجهزة اختصاصات ومهمات عدة، ما وفر فرصة للجماعات المتشددة بأن تمارس نشاطها على الأراضي السودانية. وقد يؤدي ذلك إلى عدم استقرار الوضع السياسي والأمني في البلاد بانتشار هذه الجماعات وتنفيذ عمليات إرهابية باغتيال مسؤولين أو أجانب أو استهداف بعثة الأمم المتحدة، بالتالي إحداث نوع من الاضطراب في الفترة الانتقالية والتأثير على عدم اكتمالها بطريقة سلسة".
وأرجع مجذوب وقوع خسائر بشرية (خمسة عسكريين) في صفوف القوة التي داهمت مكان تواجد المجموعة الإرهابية، إلى "عدم التسليح الجيد، وعدم الاستعداد الجيد، فضلاً عن تدخل النيابة العامة في العمليات الفنية الخاصة بتسليح وتموين القوة"، داعياً إلى "ضرورة إعادة تلك الاختصاصات بسرعة إلى الأجهزة الأمنية، وايجاد التدريب الكافي واللازم للنيابة العامة لمثل هذه العمليات من ناحية أهمية التسليح ومعرفة العدو وتسليحه، وكيفية التصدي له".
مؤشر خطير
في السياق، أشار المحامي السوداني المعز حضرة، إلى أن "ظهور خلية إرهابية في أحد أحياء الخرطوم، مؤشر خطير يمثل أحد إفرازات النظام السابق الذي فتح البلاد لكل الإرهابيين في العالم، ووفر لهم المأوى والتدريب والتسليح، فمن المؤكد أن هذه المجموعة هي من بقايا جماعة القاعدة الذين جاءوا إلى السودان من مصر وسوريا والعراق ودول شمال أفريقيا، خلال فترة وجود أسامة بن لادن في الخرطوم".
ولفت حضرة إلى أن "الأجهزة الأمنية السودانية على علم بوجود كل الإرهابيين الذين دخلوا البلاد، بل كانت في تلك الفترة تستخدمهم في اختراق بعض العمليات، كما استخدمت بعضهم بخاصة المتطرفين السودانيين في ضرب تنظيم داعش لصالح جهات أجنبية"، متوقعاً أن تكون هناك "مجموعات متطرفة ما زالت موجودة في البلاد، إذ قد تكشف التحقيقات الجارية مع المجموعة التي قُبض عليها معلومات عن مخططهم وكيفية دخولهم وعددهم"، لكنه لم يستبعد أن يكون "هدف هذه المجموعات المتشددة إيجاد موطئ قدم لها في السودان لمحاربة الحكومة الانتقالية والانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية في دول الجوار".
ورأى حضرة أنه "ليس من حق السلطات المصرية المطالبة بتسليم الأشخاص الذين تم القبض عليهم، بسبب مشاركتهم في قتل أفراد جهاز الأمن خلال مداهمتهم المكان، كونهم يحملون الجنسية المصرية، فيجب محاكمتهم أمام القضاء السوداني وفقاً للقانون الجنائي الذي تصل عقوبته في مثل هذه الجرائم إلى الإعدام". وطالب "بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في البلاد بسرعة وإنشاء جهاز الأمن الداخلي حفاظاً على أمن واستقرار السودان، حيث أن إنجاز هاتين الخطوتين من شأنه منع أي نشاط معاد للبلاد أمنياً وسياسياً واقتصادياً".
11 إرهابياً
وكانت السلطات السودانية أعلنت تفكيك خلية إرهابية تابعة لـ"داعش" في الخرطوم وتوقيف 11 من عناصرها.
وبحسب بيان صادر عن جهاز الأمن والمخابرات العامة، فإن "خمسة عسكريين سودانيين بينهم ضابطان وثلاثة ضباط صف من المخابرات قُتلوا بالرصاص أثناء عملية مداهمة الخلية الإرهابية". وأضاف البيان، أنه "في إطار الجهود المبذولة من قبل جهاز المخابرات العامة نحو تأمين واستقرار البلاد وبتنسيق تام مع الأجهزة الأمنية لمحاربة ومكافحة الأنشطة الإرهابية المتطرفة، وبناءً على توفر معلومات عن خلية تتبع لداعش الإرهابية، تم تنفيذ عملية أمنية للقبض على هذه المجموعة في أحياء جبرة مربعي 18 و14 والأزهري مربع 14 جنوب الخرطوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع البيان، "قامت قوة من جهاز المخابرات العامة المختصة بتنفيذ المداهمة لكل المواقع التي يختبئ فيها الإرهابيون، وأسفرت عن القبض على 11 عنصراً من الإرهابيين الأجانب من جنسيات مختلفة".
وأشار إلى أن "المجموعة الإرهابية في جبرة مربع 14 بادرت بإطلاق الرصاص على القوة المنفذة، واحتسب جهاز المخابرات العامة خمسة شهداء منهم اثنان من الضباط وثلاثة ضباط صف وإصابة ضابط بجروح".
ونبه البيان إلى أن "مجموعة مكونة من أربعة أفراد إرهابيين أجانب لاذوا بالفرار وتمكنوا من الهرب وجاري مطاردتهم للقبض عليهم".
وشدد البيان على "سعي جهاز الأمن والمخابرات العامة على استكمال المسيرة لحفظ وصون الأمن القومي السوداني والتصدي لكل الأنشطة التي من شأنها أن تزعزع أمن وسلامة واستقرار البلاد".
وأشار رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك إلى أن "الشعب السوداني عصي على الوقوع في مصيدة الإرهاب التي أسقطت بلداناً أخرى في أتون الفوضى والعنف". وأضاف في تعقيب على ضبط الخلية الإرهابية، أن "السودان يشكل صمام أمان للمنطقة والعالم بأسره ضد المؤامرات وضد صنع بؤر جديدة للإرهاب".
بدوره، أكد مجلس السيادة السوداني، التزامه بالمضي قدماً في التصدي لأي أنشطة تستهدف زعزعة أمن واستقرار البلاد.
زعيم الخلية
في غضون ذلك، أفادت صحيفة "السوداني"، أن الأجهزة الأمنية السودانية ألقت القبض على زعيم الخلية الإرهابية في مدينة بورتسودان (شرق السودان)، حيث يحمل جواز سفر باسم محمود، ويلقب بأبي محمد، وهو مصري الجنسية، مؤكدةً أن كل المشتبه فيهم قبض عليهم باستثناء عنصر سوداني لا تزال السلطات تلاحقه.
وأشارت قناة "العربية" إلى اتصالات أمنية تجرى بين الخرطوم والقاهرة لتسليم عناصر من جماعة الإخوان ضمن الخلية الإرهابية التي ضُبطت في السودان، لافتةً إلى أن العناصر المقبوض عليهم في الخرطوم متورطون في عمليات إرهابية في مصر، وينتمون لجماعة الإخوان، وشاركوا في تظاهراتهم.
وبينت القناة أن التنسيق جار لتسليم أحد العناصر الإرهابية إلى الجانب المصري، بعد هروبه إلى السودان إثر تفجير مديرية أمن المنصورة قبل سنوات، منوهةً بأن الجانب السوداني أطلع السلطات المصرية على أسماء العناصر المعتقلة أخيراً، وأن التحقيقات التي ستجرى معهم ستكون بالتنسيق مع القاهرة، تمهيداً لتسليمهم في وقت لاحق.