ردت محكمة الاستئناف في بيروت، الإثنين 4 أكتوبر (تشرين الأول)، دعاوى مقدمة من ثلاثة نواب شغلوا مناصب وزارية سابقاً، لكف يد القاضي طارق البيطار عن قضية انفجار مرفأ بيروت، وفق ما أفاد مصدر قضائي بعد تعليق التحقيق لمدة أسبوع، مما أثار اتهامات بعرقلة عمل القضاء.
وعلق بيطار الإثنين الماضي تحقيقاته في انتظار أن تبت محكمة الاستئناف بدعوى تقدم بها الوزير السابق نهاد المشنوق يطلب فيها نقل القضية إلى قاض آخر رداً على طلب استجوابه كمدعى عليه، وتقدم الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، المدعى عليهما في القضية أيضاً، بدعوى مماثلة الخميس أمام المحكمة ذاتها.
وجاءت الشكاوى القانونية بعد حملة تشويه شنتها النخبة السياسية الحاكمة على البيطار، وبعد تحذير من مسؤول كبير في "حزب الله" المدعوم من إيران بأنه سيتم إقصاؤه.
وقال مصدر قضائي لوكالة الصحافة الفرنسية إن "محكمة الاستئناف برئاسة القاضي نسيب إيليا ردت الدعاوى المقدمة من النواب المشنوق وخليل وزعيتر لكف يد القاضي البيطار عن التحقيق ونقل الملف إلى قاض آخر، واعتبرت أن المحكمة غير مختصة النظر في الموضوع".
ويمكن للبيطار، وفق المصدر ذاته، أن "يستأنف تحقيقاته من هذه اللحظة"، متحدثاً عن "توجه لتحديد موعد قريب لاستجواب النواب الثلاثة قبل بدء الدورة العادية لمجلس النواب" بعد منتصف الشهر الحالي، والتي تمنح النواب الحصانة.
وكانت هذه المرة الثانية التي يصار فيها إلى تعليق التحقيق في انفجار المرفأ الذي أدى في الرابع من أغسطس (آب) 2020 إلى مقتل 214 شخصاً، وإصابة 6500 آخرين بجروح، عدا عن دمار واسع في العاصمة.
وعزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم من دون إجراءات وقاية، وتبيّن لاحقاً أن مسؤولين على مستويات سياسية وأمنية وقضائية عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين هذه المادة ولم يحركوا ساكناً.
خشية من تكرار سيناريو صوان
ورفضت الأمانة العامة لمجلس النواب في سبتمبر (أيلول) الماضي مذكرات تبليغ أرسلها البيطار لاستجواب النواب الثلاثة، انطلاقاً من استناد البرلمان إلى قانون يحصر محاكمة الرؤساء والوزراء في محكمة خاصة يُشكلها من قضاة ونواب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلبه ملاحقة نواب ووزراء سابقين ومسؤولين أمنيين، يخشى كثر أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل البيطار، على غرار ما جرى مع سلفه فادي صوان الذي تمت تنحيته في فبراير (شباط) بعد ادعائه على دياب وثلاثة وزراء سابقين.
وأثار تعليق التحقيق غضب منظمات حقوقية وذوي ضحايا الانفجار الذين تظاهروا الأربعاء أمام قصر العدل، واتهموا الطبقة السياسية بتقويض التحقيقات في أسوأ كارثة شهدها لبنان في زمن السلم.
وجدد مجلس الأمن الدولي، الإثنين، التأكيد على ضرورة إجراء تحقيق "سريع ومستقل ونزيه وشامل وشفاف" في الانفجار، وكذلك أبدت فرنسا أسفها لتعليق التحقيق.
ومنذ وقوع الانفجار رفضت السلطات تحقيقاً دولياً، فيما تندد منظمات حقوقية من بينها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" بمحاولة القادة السياسيين عرقلة التحقيقات، وتطالب بإنشاء بعثة تحقيق دولية مستقلة ومحايدة.
وتداولت معلومات صحافية أن محامي الوزير السابق يوسف فنيانوس تقدم بدعوى تزوير بحق المحقق البيطار.
قرار غير قابل للطعن
ويعني قرار المحكمة أنها ثبتت البيطار في مركزه، وهو قرار غير قابل للطعن أو المراجعة سنداً للمادة (123) من أصول المحاكمات الجزائية.
ويبقى الطريق الوحيد لعرقلة عمل القاضي البيطار أن تقرر محكمة التمييز الجزائية التي تترأسها القاضية رندا كفوري بكف يده حتى البت بطلب نقل الدعوى المقدمة أمامها من الوزير السابق يوسف فنيانوس، وهي دعوى الارتياب المشروع، فهل يمكن أن تخضع القاضية كفوري لضغوط سياسية وتكف يد القاضي البيطار ليكون مجلس النواب دخل في دورته العادية في 19 الحالي؟
في المقابل، يكشف مصدر قضائي أن التحجج بالحصانات وربح الوقت حتى الدورة العادية لم يعد ينفع، وذلك استناداً إلى المادة (97) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تنص على أنه "إذا لوحق النائب بالجرم خارج دورة الانعقاد، فتستمر الملاحقة في دورات الانعقاد اللاحقة من دون حاجة إلى طلب إذن المجلس النيابي. رب سائل هل ما وصل إليه البيطار مع النواب المدعى عليهم يعتبر مباشرة بالملاحقة، وهل استدعاؤهم بصفة مدعى عليهم يعد كذلك؟
بعض القانونيين يعتبرون أن الملاحقة تبدأ عند صدور قرار ظني، أي بعد الإدانة، فيما هناك رأي آخر يحسم المسألة لجهة أن الملاحقة تبدأ بمجرد الادعاء على النواب، وبمجرد أن حددت جلسات لاستجوابهم.