ربما لم يتردد اسم السير جون تشيلكوت كثيراً في وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة، لكن سيبقى اسم هذا الرجل الذي رحل في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي عن عمر يناهز الـ82 عاماً، عالقاً في الذاكرة بالنسبة للكثيرين.
ويعود الفضل في معرفتنا بالسير تشيلكوت إلى قيامه عام 2009، بتفويض من رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، غوردن براون، بتشكيل لجنة تحقيق في غزو العراق عام 2003.
واستغرق التحقيق سبع سنوات للوصول إلى نتائجه، إذ لم يقدم تشيلكوت تقريره حتى يوليو (تموز) عام 2016 عندما سلم بعد 13 عاماً من عملية الغزو لائحة اتهام مدمرة حول الأسباب التي استند إليها توني بلير في المضي قدماً بقراره، وذكر أن بلير لم يكن "صريحاً" مع الجمهور، وقدم له "معتقدات وليس حقائق" لتبرير التدخل.
ولم يسعف الحظ براون بالاطلاع على نتائج التحقيق، وهو في منصبه، كما أن خليفته، ديفيد كاميرون، الذي أعرب مراراً وتكراراً عن سخطه من التقدم البطيء للجنة، أعلن استقالته قبل أسبوع من صدور التقرير، وذلك بعد خسارته في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وكانت هناك تخمينات بأن التأخير المتكرر في نشر الخلاصة قد أعطى أولئك الذين يواجهون النقد فرصة لتمويه النتائج. لكن تأثير التقرير المكون من مليوني كلمة كان مزلزلاً، حيث أجبر بلير، الذي أصر على أن قرار الغزو كان لا يزال صحيحاً، على اتخاذ موقف دفاعي.
وورد في وصف صحيفة "ذا تلغراف" التي أعدت تقريراً مطولاً بمناسبة رحيل السير تشيلكوت، أن "ذلك الرجل قصير القامة، والحازم وصاحب الموهبة، كان موظفاً حكومياً معروفاً بديناميكيته وقدرته على التفسير للوزراء، لماذا لا يمكن القيام ببعض الأمور؟".
وخلص السير تشيلكوت إلى أن بريطانيا اختارت الانضمام إلى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قبل "استنفاد الخيارات السلمية لنزع سلاح [العراق]"، وأن العمل العسكري لم يكن "الملاذ الأخير". كما أن القرار بوجود أساس قانوني للغزو قد اتخذ بطريقة "هي أبعد ما تكون عن المُرضية"، حيث كانت المعلومات الاستخبارية الداعمة له خاطئة، و"قُدّمت بيقين غير مسوَّغ".
وكشف تشيلكوت عن أن بلير قال للرئيس جورج دبليو بوش قبل تسعة أشهر من الغزو، "سأكون معك، مهما يكن"، وأنه "بالغ في تقدير قدرته على التأثير على قرارات الولايات المتحدة".
وبحسب التقرير، فقد تم "التقليل" من نتائج الغزو، وتجاهل المخاطر التي يتعرض لها الاستقرار الإقليمي من التدخل، رغم أنها كانت معروفة، كما أن التخطيط لإعادة بناء العراق كان "غير ملائم على الإطلاق".
وانتقد معارضو الحرب تعيين تشيلكوت لأنه كان عضواً في المراجعة التي يرأسها وزير مجلس الوزراء السابق اللورد باتلر بشأن استخدام المعلومات الاستخباراتية عن أسلحة الدمار الشامل قبل الغزو، والتي اعتبروها تمويهاً. على وجه الخصوص، زُعم أن تشيلكوت برَّأ المدعي العام في ذلك الوقت، اللورد غولدسميث، من المسؤولية بشأن ما إذا كان قد نصح بعدم قانونية التدخل.
وكانت المهمة الموكلة إلى تشيلكوت واسعة، وهي النظر في تورط بريطانيا في العراق بين عامي 2001 و2009، حيث يشمل ذلك الفترة التي سبقت الصراع، والغزو وما تلاه من فوضى. وكان عليه تحديد ما حدث وكيفية اتخاذ القرارات، واستخلاص الدروس لضمان مواجهة الحكومة المستقبلية وضعاً مشابهاً بشكل أكثر فاعلية، وبما يخدم المصالح الفضلى للبلد.
بيّن تشيلكوت استقلاليته من خلال جمع الأدلة علناً كلما أمكن ذلك، واستمع إلى الشاهد الأول في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2009، والأخير - وزير الخارجية السابق جاك سترو - في فبراير (شباط) عام 2011.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خيّم على التحقيق اعتقاد بين منتقديه بأن نتائجه لن تكون ذات مصداقية إلا إذا ثبت أن بلير مذنب. أما بالنسبة للجمهور، فكان أبرز ما في التحقيق هو شهادة بلير مرتين في عامي 2010 و2011.
كما قدم غوردن براون شهادته، حيث اضطر إلى التراجع عن الادعاء بأن الإنفاق على الدفاع كان يرتفع كل عام بسبب مشاركة القوات البريطانية في العراق. واستمع التحقيق إلى وزراء في الحكومة في ذلك الوقت وكبار الدبلوماسيين وموظفي الخدمة المدنية والجيش.
وعلى الرغم من قيام براون بتعيين أربعة مستشارين خاصين للعمل مع تشيلكوت، فإن الأخير كان دائماً في الواجهة.
بعد مرور ست سنوات، وما زال الجمهور بانتظار النتائج، كشف السير جيريمي هيوود، رئيس الخدمة المدنية، أن اللجنة رفضت مراراً عروضاً لتقديم المساعدة. وأشارت وسائل الإعلام إلى أن تشيلكوت كان يتقاضى 790 جنيهاً استرلينياً في اليوم، رغم تردد مزاعم في أغسطس (آب) عام 2015 أنه توجه إلى العمل في خمسة أيام فقط خلال أسبوعين.
قال تشيلكوت، الذي تم استدعاؤه أمام لجنة الشؤون الخارجية في فبراير لتبرير التأخيرات، إن 13 شهراً قد ضاعت في محاولة الحصول على اتصالات بين بلير وبوش.
وُلد جون أنتوني تشيلكوت في 22 أبريل (نيسان) عام 1939، وحصل على منحة دراسية في كلية برايتون، وعلى منحة دراسية أخرى في كلية بيمبروك بجامعة كامبريدج، حيث درس اللغة الإنجليزية واللغات الحديثة.
وعمل في وزارة الداخلية عام 1963، ووُصف بأنه يتمتع بقدرة هائلة على النجاح. في عام 1966 انضم إلى المكتب الخاص لوزير الداخلية، روي جنكينز، لكن الخطوة الحاسمة في مسيرته كانت اختياره في عام 1971 كسكرتير خاص لرئيس الخدمة المدنية، السير ويليام أرمسترونغ.
من عام 1978 كان السكرتير الخاص الرئيس في وزارة الداخلية، قبل أن يصبح مدير شؤون الموظفين والشؤون المالية في إدارة السجون في عام 1980.
بعد أربع سنوات، انتقل تشيلكوت إلى مكتب مجلس الوزراء، ثم بعد قضاء عام في مصرف "شرودرز" التجاري، عاد إلى وزارة الداخلية في عام 1987 لتولي مسؤولية الشرطة.
وكانت ذروة عمل تشيلكوت في الخدمة المدنية هي تعيينه سكرتيراً دائماً في مكتب إيرلندا الشمالية، حيث أمضى هناك سبع سنوات حافلة بالأحداث. وتزامن وصوله مع الصراع القومي المعروف باسم "نزاع إيرلندا الشمالية" الذي كان يبدو أبعد ما يكون عن الحل، فوجد نفسه في عام 1993 يدافع عن الحكومة أمام محكمة في لوس أنجليس ضد الادعاءات بأن جيمس سميث، الهارب من سجن مايز، سيكون ضحية لسياسة "إطلاق النار بهدف القتل" إذا ما سُلّم إلى إيرلندا الشمالية.
في الواقع، كان تشيلكوت وراء الكواليس في قلب الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الجيش الجمهوري الإيرلندي، يجمع خيوط المعلومات الاستخبارية وتقارير الاتصالات قبل تقديم المشورة لوزير خارجيته، السير باتريك مايهيو، ورئيس الوزراء، جون ميجر. كان قيام الجيش الجمهوري الإيرلندي بوقف إطلاق النار في سبتمبر (أيلول) عام 1994 نتيجة لهذه العملية.
وبمجرد إعلان وقف إطلاق النار، وضع تشيلكوت "معايير موضوعية" لاختبار ما إذا كان وقف إطلاق النار حقيقياً، واستنتج أنه كان كذلك. وعلى الرغم أن الجيش الجمهوري الإيرلندي استأنف حملته في فبراير عام 1996، فإنه عاد للمشاركة في عملية السلام بعد انتخابات عام 1997. وشهدت الأشهر الأخيرة التي قضاها تشيلكوت في بلفاست تقدماً سريعاً نحو اتفاقية الجمعة العظيمة التي أُنجزت بعد فترة قصيرة.
بعد تقاعده في نهاية ذلك العام، خدم في اللجنة التي شكلها بلير برئاسة اللورد جنكينز لمراجعة نظام التصويت. وشغل في الفترة ما بين عامي 1999 و2004 منصب مستشار لموظفي وكالات الأمن والاستخبارات، حيث كان "يتعامل مع الشكاوى الخاصة والشخصية من أعضاء أجهزة الاستخبارات حول عملهم وظروفهم".
حصل تشيلكوت عام 1990 على وسام شرف، ولقب فارس عام 1994، ولقب فارس مع مرتبة الشرف في عام 1998. وشغل منصب مستشار خاص في 2004، وترأس في الفترة ما بين 2007 و2009 لجنة حول استخدام أدلة الاعتراض في القضايا الجنائية.
تزوج السير تشيلكوت بالفنانة روزاليند فورستر عام 1964، ولم ينجب أطفالاً.