في الجزء الثاني من مذكراته، الذي يحمل عنوان "العصف والريحان" (دار الكرمة)، يكشف الكاتب المصري محمد سلماوي عن "صدمة" نظام حكم الرئيس حسني مبارك إزاء خبر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، بما أنه كان يرغب في فوز كاتب آخر، لم يذكر سلماوي اسمه. كما يكشف عن عدم رضا النظام نفسه عن قرار محفوظ بأن يمثله سلماوي في حفل تسليم الجائزة نفسها. وعدم الرضا ذاك أبداه أيضاً - بحسب سلماوي - عدد من الكتاب الذين رأى كل منهم أنه الأحق بتسلم الجائزة وإلقاء كلمة محفوظ الذي تعلل بعارض صحي ليتجنب السفر بنفسه إلى السويد لحضور مراسم تسليم الجائزة. ويؤكد سلماوي أن وزارة الثقافة – في حينه - رفضت أن تسمح له باستخدام جواز سفر كانت أصدرته له بوصفه من كبار موظفيها (كان يشغل منصب وكيل الوزارة لقطاع العلاقات الثقافية الخارجية) في رحلته إلى السويد.
ومع أن وزير الثقافة، حينها، فاروق حسني، هو الذي اختار سلماوي ليكون أبرز مساعديه، إلا أن العلاقة بينهما شهدت على ما يبدو شداً وجذباً، بدأ مع استجابة الأخير لطلب نجيب محفوظ أن يمثله في حفل تسلم جائزة نوبل، ثم إنه حين تلقى سلماوي دعوة للمشاركة في مهرجان أدبي في المكسيك، فوجئ بأن الوزير فاروق حسني أبلغ الجهة الداعية أنه يرشح الكاتب صنع الله إبراهيم للمشاركة في هذه المناسبة بالذات. وهنا تقبلت الجهة الداعية - وفق ما ذكره سلماوي هنا - رغبة الوزير، وقررت في الوقت ذاته عدم التخلي عن دعوتها لسلماوي. وهكذا، التقى الكاتبان في المكسيك، "وبدأت صداقة متينة جمعت بيننا وبين زوجتينا". ومعروف أنه بعد ذلك بسنوات سيتسبب صنع الله إبراهيم في إحراج الوزير فاروق حسني بإعلانه رفض جائزة ملتقى القاهرة للرواية، التي كانت قد منحتها له لجنة تحكيم تشكلت تحت إشراف الوزير نفسه.
أسس سلماوي مع حسني الجندي جريدة "الأهرام ويكلي"، عام 1991، وأسس في 1994 جريدة "الأهرام إبدو"، وتولى رئاسة اتحاد كتاب مصر عام 2005، بعد انتخابات حصل خلالها على عدد كبير من الأصوات.
وكتب سلماوي مسرحية "سالومي" في بداية الثمانينيات، وفي أواخر التسعينيات كتب مسرحية "رقصة سالومي الأخيرة"، وقد حصلت على جائزة مهرجان "أيام قرطاج المسرحية"، وترجمت إلى الفرنسية عام 2001، وكتب قبلها مسرحيتي "فوت علينا بكرة"، و"الجنزير"، والأخيرة عرضت عامي 1995 و1996، وحضر عرضها الرئيس مبارك والسلطان قابوس، وعرضت في باريس أيضاً، علماً بأنها كانت مكرسة لمواجهة الفكر المتطرف الذي كان يقف وراء ما شهدته مصر من حوادث إرهابية في عقد التسعينيات، وترتب على ذلك أن تلقى كاتبها تهديدات بالقتل.
ومن أعماله الأدبية رواية "الخرز الملون"، وقد صدرت طبعتها الأولى عام 1990، وتتحدث عن فلسطينية أصبحت أول سيدة في مصر تتفرغ للعمل الصحافي، قبل أن تصاب بالاكتئاب وتنتحر، وتمت ترجمتها إلى الفرنسية عام 2009.
مع نجيب محفوظ
بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في صيف عام 1993، طلب نجيب محفوظ من سلماوي أن يجري معه أسبوعياً حواراً لينشر في زاويته في "الأهرام"، وعنوانها "وحهة نظر"، بما أنه لم يعد قادراً على استخدام يده في الكتابة بسبب ذلك الحادث الإرهابي. وواصل سلماوي القيام بتلك المهمة حتى وفاة محفوظ في عام 2006. ويقول سلماوي، "وعلى الرغم من علاقتي الممتدة مع نجيب محفوظ عبر السنين، فإن اختياره لي لإجراء هذا الحديث قرّب بيننا بشكل أكبر، ووضع لعلاقتنا إيقاعاً ثابتاً". جمع سلماوي تلك الأحاديث في كتاب صدر عام 2015 تحت عنوان "حوارات نجيب محفوظ". وسبقه كتاب أنجزه سلماوي بالفرنسية عام 1996 بناءً على طلب من الناشر الفرنسي جان – كلود لاتيس، تضمن بعض الأحاديث التي دارت بين سلماوي ومحفوظ، وجاء بعنوان Mon Egypte، ثم صدر بالعربية عن دار "الشروق" بعنوان "وطني مصر". وصاحبت النسخة الفرنسية صور التقطها جيل بيران، فيما التقطت صور النسخة العربية سارة سلماوي. وبين الكتابين، أصدر سلماوي عقب رحيل الكاتب الكبير في عام 2006 عن دار "الشروق" كتاباً تحت عنوان "نجيب محفوظ: المحطة الأخيرة". وفي هذا الكتاب سجل سلماوي وقائع الـ45 يوماً الأخيرة في حياة محفوظ. وفي عام 2011 أصدر سلماوي عن الدار المصرية اللبنانية كتاب "في حضرة نجيب محفوظ"، ليواكب مرور مئة عام على مولده.
على أن أحبّ الإنجازات إلى قلب محمد سلماوي "كان ذلك الحق الذي استطعت الحصول عليه لاتحاد كتاب مصر، بأن يصبح الاتحاد إحدى جهات الترشيح لجائزة نوبل في الآداب". ووفقاً لذلك بات الاتحاد المصري يرشح كل عام كاتبين، أحدهما مصري، والآخر من دولة عربية أخرى غير مصر. وبحسب سلماوي فإن أهمية ذلك تكمن في "أننا بهذا الترشيح نضمن أن يكون أمام لجنة نوبل في كل سنة كاتبان عربيان، جنباً إلى جنب مع بقية المرشحين من مختلف أنحاء العالم"، ص290.
الرواية الإستباقية
ومعروف أن سلماوي أصدر قبل أسابيع من اندلاع ثورة 25 يناير 2011، رواية بعنوان "أجنحة الفراشة" (الدار المصرية اللبنانية)، انتهت أحداثها بقيام "ثورة كبرى" في ميدان التحرير في وسط القاهرة، ينحاز لها الجيش، "ما تسبب في سقوط الحزب الحاكم وترنح النظام". ويكشف سلماوي في مذكراته عن أن أحد "أكبر ناقدين عربيين"، تحمس للرواية، فيما حذر الآخر من نشرها، وفي النهاية انحازت دار النشر لوجهة نظر الناقد الأول، لتكون الرواية على رأس الإصدارات الجديدة التي ستشارك بها في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إلا أن دورة المعرض لذلك العام ألغيت تحت ضغط الحراك الثوري الذي دفع الرئيس حسني مبارك إلى إعلان تنحيه عن حكم دام لنحو ثلاثين عاماً. وقد ترجمت هذه الرواية إلى الإيطالية والإنجليزية والفرنسية والأردية والرومانية.
ويتذكر سلماوي أنه في يوم 26 يناير 2011، أصدر مجلس إدارة اتحاد الكتاب المصريين برئاسته بياناً يؤكد تضامنه مع "الانتفاضة المجيدة"، ويدين "الأسلوب القمعي في التعامل مع المتظاهرين"، ويطالب باتخاذ "الخطوات اللازمة للقضاء على الفساد السياسي والاقتصادي، ومحاكمة الفاسدين". وفي 8 ديسمبر (كانون الأول) 2011 تشكل مجلس استشاري لمعاونة المجلس العسكري في إدارته للبلاد، كان سلماوي من بين أعضائه، إلا أنه آثر الانسحاب من ذلك المجلس بعد مرور أسبوع واحد على تشكيله، احتجاجاً على اعتداء الشرطة العسكرية على المعتصمين عند مقر مجلس الوزراء، ورفض ممثل السلطة الحاكمة وقتها، المشير حسين طنطاوي، الاعتذار عما حدث.
تحولات مصرية
وفي أول انتخابات رئاسية تلت الثورة انحاز سلماوي إلى المرشح عمرو موسى الذي اختاره مستشاراً إعلامياً لحملته الانتخابية، لكن الجولة الأولى لتلك الانتخابات انتهت بحصول مرشحي جماعة "الإخوان"، ونظام مبارك، على أعلى الأصوات ليخوضا الجولة الثانية التي أسفرت عن فوز ممثل الجماعة. وما إن أصدر الرئيس الإخواني إعلاناً دستورياً يؤسس لحكم ديكتاتوري، حتى بادر مجلس اتحاد الكتاب برئاسة سلماوي إلى إصدار بيان يرفض ذلك الإعلان، على الرغم من إبداء بعض أعضاء المجلس نفسه تأييدهم له! ولاحقاً رفض سلماوي الانضمام إلى لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد في ظل حكم جماعة "الإخوان"، وفوجئ بقرار الاستغناء عن خدماته ككاتب غير متفرغ في "الأهرام"... "بدا وكأن الحياة في مصر قد تأخونت، وكأن الحلم الذي فجرته الثورة قد أفضى في النهاية إلى حكم أكثر تسلطاً واستبداداً، وأبعد ما يكون عن الدولة الديمقراطية الدستورية الحديثة، التي نطق بها مرسي نفسه أمامي، ولم ينقل كلماته لي أحد"، ص334.
"عصف وريحان"
وعقب إطاحة حكم "الإخوان"، في صيف العام 2013، سينضم سلماوي إلى لجنة الخمسين، المكلفة وضع دستور جديد للبلاد، وسيكون الناطق الرسمي باسمها... "وفي هذا الصدد كان إسهامي الأول، والذي أعتز به، هو أنني أضفت فصلاً جديداً إلى باب "المقومات الأساسية للمجتمع"، بعنوان "المقومات الثقافية"، بعد أن راعني أن دولة مثل مصر التي بنت تاريخها اعتماداً على ثقافتها، لا يوجد بأي من دساتيرها المتعاقبة الاهتمام الواجب بالثقافة أو بالقوى الناعمة بشكل عام"، ص387. وبحلول عام 2015 بلغ سلماوي السبعين من عمره، وتلقى عرضاً ليشغل منصب وزير الثقافة في حكومة كمال الجنزوري، إلا أنه اعتذر عن عدم قبول المنصب، متعللاً برغبته في التفرغ لإحياء اتحاد الكتاب العرب، ورشح الأكاديمي شاكر عبدالحميد لتولي المنصب نفسه. وقبل أن ينتهي العام نفسه أصدر محمد سلماوي مجموعة قصصية بعنوان "ما وراء القمر". ثم إنه كان جالساً ذات يوم من أيام عام 2015، في حديقة منزله الريفي، بضاحية قريبة من أهرامات الجيزة، فإذا به يستمع إلى سورة "الرحمن"، فيتأمل بعض آياتها... "لمحت من بعيد شجرة البرتقال، وفي جانب آخر شجيرات الرمان، وتأملت النخلات ذات الأكمام، وتراءت لي حياتي كلها، فبدت كذلك الحبوب، بها من العصف والقشور التي تذهب هباءً، كما أن بها أيضاً الريحان، ذلك العشب المقدس في الحضارات القديمة... الريحان ذو العطر الأخاذ، ذلك الذي يمكث معنا بعد أن يكون العصف قد طار في الهواء"، ص414.