فاجأت الأكاديمية السويدية هذه السنة كما في السنة الفائتة، جمهورها العالمي بمنحها جائزة نوبل للأدب إلى روائي وباحث تنزاني شبه مجهول عالمياً، هو عبد الرزاق غورنا. أعماله لم يترجم منها سوى القليل إلى اللغات الأجنبية ونادرا ما كتب عنه في الصحافة الأوروبية والأميركية. أما عربياً فلم يترجم له أي كتاب. وبمنحها الجائزة هذه السنة لكاتب أفريقي تثبت الأكاديمية السويدية مواصلة ابتعادها عن المركزية الأوروبية، التي طالمت عرفت بانحيازها إليها منذ تأسيس الجائزة في العام 1901.
ومعروف أن أسماء الفائزين الأوروبيين تطغى على الأسماء العالمية، ما جعل الجائزة أسيرة أوروبيتها. والواضح أيضاً أن الجائزة تسعى منذ سنوات إلى تشجيع الأدب المناهض للنزعة الكولونيالية ودعمه، على الرغم من تراجع الظاهرة الاستعمارية. وقد ربطت فوز عبد الرزاق غورنا بنضاله الأنتي- كولونيالي، شارحة في بيانها المقتضب سبب اختياره في كون "عمله السردي متعاطفاً إنسانياً ويخلو من أي مساومة إزاء الإستعمار والآثار التي تركها، وملتزماً قضايا اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات...".
ولعل هذا البيان يؤكد انتماء غورنا إلى الخط الروائي الذي رسمه روائيون كبار ناهضوا ثقافة الاستعمار وانتقدوها، ومنهم جوزف كونراد ونايبول وسلمان رشدي وجامايكا كينكيد. وقد كتب غورنا مقالات وأبحاثاً عن هؤلاء الروائيين وعن الأدب المقاوم للنزعات الكولونيالية.
وبعد إعلان فوزه، دعا الفائز غورنا أوروبا إلى اعتبار اللاجئين الوافدين إليها من إفريقيا بمثابة ثروة، وشدد الكاتب المقيم في المنفى ببريطانيا بعد هروبه من تنزانيا على أن هؤلاء "لا يأتون فارغي الأيدي".
وقال الكاتب في مقابلة مع مؤسسة نوبل إن "كثيرين من هؤلاء (...) يأتون بدافع الضرورة، ولأنهم بصراحة يملكون ما يقدّمونه. وهم لا يأتون فارغي الأيدي". حضّ على تغيير النظرة إلى "أشخاص موهوبين ومفعمين بالطاقة".
ولد غورنا في زنجبار عام 1948، ثم انتقل باكراً إلى منفاه البريطاني هارباً من الحال المزرية التي عرفتها تنزانيا في الستينيات. يقيم الآن في بريطانيا ويكتب بالإنجليزية من غير أن ينسى لغته الأم وهي السواحيلية، ويتنقل بين بلدان أفريقية عدة. يعمل غورنا في التدريس الجامعي، ودرّس لسنوات في جامعة باييرو في كانو- نيجيريا وفي جامعة كينيت. وكان حصل على الدكتوراه من جامعة كينيت نفسها. وتناول في أطروحته الأكاديمية الأدب الما بعد كولونيالي والمناهض للاستعمار في أفريقيا والكاريبي والهند.
لا يتمتع عبد الرزاق بشهرة عالمية كبيرة، على الرغم من إقامته في بريطانيا، وقد رشحت روايته الشهيرة "الفردوس" (باراديز) وروايته "عبر البحر" إلى جائزة البوكر وجائزة "وايتبرد" البريطانية، وجائزة لوس أنجليس تايم، لكنها لم تفز بأي منها. له روايات أخرى وكتب بحثية عدة، ومنها "وداعاً زنجبار".