حث تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، صناع السياسات في الأسواق الناشئة على تحجيم العملات المشفرة، وذلك في ظل اتجاه المنقبين والمتداولين ومالكي العملات الرقمية إلى الدول النامية في ما يشبه "حمى الذهب الرقمي".
وأقر الصندوق في الفصل الأخير من تقرير الاستقرار المالي العالمي، بأن الطفرة الحاصلة في العملات المشفرة يمكنها جلب الفوائد، خصوصاً للأسواق الناشئة التي قد يكون الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية فيها صعباً. وعلى الرغم من ذلك، يركز التقرير على مخاطر الاستيعاب السريع للعملات المشفرة، التي يجب على صناع السياسات التخفيف من حدتها من خلال اتخاذ إجراءات سريعة.
وكشف التقرير عن زيادة إجمالي الأصول المشفرة بنحو 10 أضعاف منذ أوائل العام 2020 إلى أكثر من تريليوني دولار. وعلى الرغم من أن إخفاء هوية المتعاملين يصعب من جمع البيانات، يؤكد الصندوق أن الطفرة الرقمية يقودها المستخدمون الأوائل في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية.
نيجيريا تتصدر الأسواق الناشئة
وأشار صندوق النقد إلى استطلاع حديث لمؤسسة "ستاتيستا"، الذي شمل 74 دولة عام 2020، الذي توصل إلى أن أعلى 5 أشخاص يمتلكون أو يستخدمون أصولاً مشفرة موجودون في الأسواق الناشئة، وعلى رأسها نيجيريا، التي يستخدم 32 في المئة ممن شملهم الاستطلاع فيها العملات المشفرة.
وربما تعود الشعبية المتزايدة للعملات الرقمية في الأسواق الناشئة إلى أن نسبة كبيرة من السكان لا تتعامل مع البنوك، إضافة إلى ضعف البنوك المركزية، وكذلك قلة الخدمات المصرفية التقليدية أو عدم فعاليتها أو تعذر الوصول إليها.
لكن، في الوقت نفسه، حذر الصندوق من أن الاتجاه السريع إلى العملات الرقمية يرفع مخاطر التشفير. وبفرض أن الاعتماد على العملات المشفرة صار الاتجاه السائد في اقتصادات الأسواق الناشئة، فإن هذا سيسمح للمواطنين بالتخلي عن العملة المحلية لمصلحة الأصول الرقمية. ما يضعف قدرة البنوك المركزية على تنفيذ السياسات النقدية، وهو ما يؤمن صندوق النقد بأنه ربما يتسبب في زعزعة الاستقرار وتفاقم مخاطر حماية المستهلك.
في مصر، وعلى الرغم من عدم قانونية تداول العملات المشفرة لكنه موجود ومستمر. ويحظر قانون البنك المركزي المصري والجهاز المصرفي الجديد إصدار العملات الرقمية وتداولها وترويجها في مصر من دون ترخيص صريح من مجلس إدارة البنك المركزي المصري.
وبشكل مستمر يصدر البنك المركزي تحذيرات بشأن مخاطر العملات المشفرة، ويشير خلالها إلى النقاط التي يحذر منها صندوق النقد الدولي في تقريره. لكن، يبدو أن هذا لم يمنع أقلية متنامية من المصريين من الانغماس في تداول العملات الرقمية، إذ ارتفعت أحجام التداول الأسبوعية بين الأفراد داخل مصر إلى أعلى مستوياتها خلال الربع الأول من 2021، إلى 3.2 مليون جنيه (0.203 مليون دولار) أسبوعياً، مدفوعة بالنسبة الكبيرة من السكان الذين ليست لديهم حسابات بنكية، فضلاً عن ارتفاع أحجام تحويلات المغتربين، إلى جانب حالة عدم اليقين التي تسببت بها جائحة "كوفيد-19".
المخاطر تتصاعد مع توسع السوق
لكن طفرة العملات المشفرة تأتي مع زيادة في المخاطر. وأثار صندوق النقد عدداً من المخاوف مثل انقطاع الخدمات خلال فترات الاضطراب، واحتمال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وصعوبة وضع إطار منظم للعملات الموجودة في الخارج. وفي الوقت نفسه، قد يكون ما يسمى بالعملات المستقرة هو العكس تماماً: فعلى الرغم من أنها تهدف إلى ربط قيمتها بالدولار، إلا أن تكوين احتياطياتها يمكن أن يتركها مفتوحة للتدفق. ما قد يزعزع استقرار النظام المالي الأوسع. فالعملات المشفرة بطبيعتها أصول عالية التقلب، وبينما تُسرق بعض العملات الرقمية، يختفي البعض الآخر ببساطة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح صندوق النقد أنه من بين 16 ألف عملة رقمية مدرجة على مستوى العالم، لا يزال هناك 9 آلاف عملة فقط، بناء على تحليله الخاص للرموز المدرجة على منصة "كوين جيكو". وقد اختفت البقية نتيجة انخفاض الأحجام والمطورين الذين تخلوا عن استثماراتهم، أو لأغراض المضاربة أو الاحتيال.
وأشار إلى أنه عندما تصدرت "بيتكوين" عناوين الأخبار للمرة الأولى منذ نحو عقد من الزمان، وصفت تقنية الـ "بلوك تشين" الفريدة الخاصة بها بأنها "غير قابلة للقرصنة". لكن، في السنوات الماضية، أظهرت الانتهاكات البارزة أن نقاط القوة الجديدة في العملات المشفرة تأتي مع نقاط ضعف أيضاً، إذ سُرق ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار من منصات العملات المشفرة منذ العام 2014. ومع نمو القطاع، يقول صندوق النقد الدولي إن مثل هذه الاختراقات ستشكل تهديداً متزايداً للاستقرار المالي.
وشدد الصندوق على أنه عندما يتعلق الأمر بتنظيم العملات المشفرة، فإن "الوقت كالسيف، ويجب أن يكون الإجراء حاسماً وسريعاً ومنسقاً على مستوى العالم". ويدعو الصندوق الحكومات إلى التنسيق بعضها مع بعض لسد فجوات البيانات في مراقبة التشفير وإنفاذ القانون، كما أنه يريد من الدول تنفيذ المعايير العالمية القليلة (المتعلقة في الغالب بغسيل الأموال والدخول إلى النظام المصرفي) الموجودة بالفعل، ومعرفة القواعد المالية الدولية الحالية الأخرى التي يمكن تطبيقها في سوق العملات المشفرة.
وحث صندوق النقد الأسواق الناشئة والنامية على معالجة عوامل الدفع التي تثني المواطنين عن التعامل المصرفي التقليدي، من خلال تعزيز سياسات الاقتصاد الكلي والشمول المالي. واقترح دخول البنوك المركزية المجال والتفوق على مطوري التشفير من خلال تطوير عملاتها الرقمية الخاصة وتحسين تقنيات الدفع، بالإضافة إلى جعل المدفوعات عبر الحدود (أو التحويلات) "أسرع وأرخص وأكثر شفافية وشمولية".
تهديد مباشر للاسقرار المالي العالمي
وقبل أيام، كشف تقرير حديث لصندوق النقد أن العملات الرقمية المشفرة توفر مدفوعات سريعة وسهلة من خلال خدمات مالية مبتكرة، إضافة إلى وصول شامل إلى أجزاء من العالم، هذا بخلاف السرية الكاملة بفضل نظام التشفير البيئي. لكن تظل مخاطر حماية المستهلك كبيرة بالنظر إلى محدودية أو عدم كفاية الإفصاح والرقابة. وإلى جانب الفرص، تأتي التحديات والمخاطر. ويصف أحدث تقرير عن الاستقرار المالي العالمي المخاطر التي يشكلها نظام التشفير البيئي ويقدم بعض خيارات السياسة للمساعدة في التنقل في هذه المنطقة المجهولة.
ووفق التقرير، فقد تجاوز إجمالي القيمة السوقية لجميع الأصول المشفرة تريليوني دولار اعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2021، بزيادة قدرها 10 أضعاف منذ أوائل عام 2020. ويزدهر النظام البيئي بأكمله، وهو مليء بالبورصات والمحافظ وعمال المناجم ومصدري العملات المستقرة.
وذكر أن العديد من هذه الكيانات تفتقر إلى ممارسات تشغيلية وحوكمة ومخاطر قوية. على سبيل المثال، واجهت بورصات العملات المشفرة اضطرابات كبيرة خلال فترات اضطراب السوق. وهناك أيضاً العديد من الحالات البارزة لسرقة أموال العملاء المتعلقة بالقرصنة. حتى الآن، لم يكن لهذه الحوادث تأثير كبير على الاستقرار المالي. مع ذلك، نظراً لأن الأصول المشفرة أصبحت أكثر انتشاراً، فمن المقرر أن تزداد أهميتها من حيث الآثار المحتملة على الاقتصاد الأوسع.
ولفت صندوق النقد إلى أن مخاطر حماية المستهلك تظل كبيرة بالنظر إلى محدودية أو عدم كفاية الإفصاح والرقابة. على سبيل المثال، تم إدراج أكثر من 16 ألف رمز في مختلف البورصات وحوالى 9 ألاف موجودة اليوم، بينما اختفت البقية بشكل ما. كذلك، فإن العديد منها ليست لديه مجلدات وربما ابتعد المطورون عن المشروع. ومن المحتمل أن يكون بعضها قد تم إنشاؤه لأغراض المضاربة فحسب أو حتى الاحتيال المباشر.
كما يؤدي إخفاء الهوية أو التزييف للأصول المشفرة إلى خلق فجوات في البيانات للمنظمين، ويمكن أن يفتح أبواباً غير مرغوب فيها لغسيل الأموال، فضلاً عن تمويل الإرهاب. وعلى الرغم من أن السلطات قد تكون قادرة على تتبع المعاملات غير المشروعة، إلا أنها قد لا تكون قادرة على تحديد الأطراف في هذه المعاملات، بالإضافة إلى ذلك، يندرج النظام البيئي للعملات المشفرة تحت أطر تنظيمية مختلفة في بلدان مختلفة، ما يجعل التنسيق أكثر صعوبة.