بينما كان أنصار "نيوكاسل يونايتد" يحتفلون في الشمال الشرقي من إنجلترا أمام مبنى النادي العريق الذي تحول بين عشية وضحاها إلى أحد أكثر الأندية ثراءً في العالم بعد استحواذ السعوديين عليه، كانت في الجوار امرأة شقراء ترتدي سترة سوداء تشق طريقها نحو منصة الإنتصار بعد كفاح السنين الثلاث لانتزاع النادي من مايك آشلي.
كانت السيدة التي تمضي في أواخر الأربعينيات بحيوية العشرين، تبدو واثقة وهي تتحدث للصحافيين الذين ما أن أعلن نجاح الصفقة حتى بدأ اسمها يتردد، أماندا ستافيلي، الجندي المجهول وراء إتمام الصفقة المثيرة للجدل منذ يومها الأول وحتى السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، كما كانت شريكة للإماراتيين والقطريين وقريبة من الكويت في فترات سابقة.
النادلة على موائد "الصفقات الكبرى"
ولدت أماندا في مقاطعة يورك شاير البريطانية سنة 1973، وقبل أن تصبح من أشهر سيدات الأعمال في المملكة المتحدة، كانت ستافيلي نادلة في مطعم يديره والدها، ثم عارضة أزياء، لتصبح المرأة الحديدية بعد ذلك من أشهر سيدات الأعمال، المعروفة بعلاقاتها الكبيرة مع المستثمرين من الشرق الأوسط.
مهندسة صفقة العام في الـ"بريميرليغ"، لم تكن مهمتها سهلة منذ بدأت الركض وراء النادي المقلّم في 2017، بعد أن رسمت مع شركائها الآخرين، صندوق الاستثمارات العامة ومستثمر إنجليزي آخر، خطة الاستحواذ بأن تحصل على 10 في المئة من أسهم النادي فيما يحصل الآخرون على الأسهم الأخرى. لكن الصفقة واجهت كثيراً من العقبات والمماطلات من ملاك النادي الإنجليزي.
تقول أماندا عن بدايات الصفقة "اتصلت أولاً بمالك نيوكاسل، مايك آشلي، وقدمت اقتراحاً للاستحواذ على النادي في عام 2017، ولكن تمت مقاومة الصفقة بعديد من الأساليب حتى تدخل صندوق الاستثمارات العامة في أواخر عام 2019".
وقبل أن تتجه بوصلة أماندا والسعوديين نحو الشمال الشرقي، كانت الأنظار ترمق شمال غربي البلاد، وتحديداً مقاطعة ميرسيسايد، حيث تقود السيدة الثرية مفاوضات مع نادي ليفربول بعد أن تداولت تقارير اسم الكويتي جاسم الخرافي كشريك محتمل لها، إلا أن الإدارة الأميركية رفضت العروض المقدمة لتعود نحو سابع أكثر الأندية الإنجليزية تتويجاً بالألقاب.
محتالة ومضيعة للوقت
ستافيلي التي واجهت هجوماً واتهامات قالت إنها "مضيّعة للوقت ومحتالة" في 2017 من قبل آشلي مالك النادي السابق، تصل اليوم لاجتماع مع طواقم النادي وهي تشغل منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "بي سي بي كابيتال" أحد أطراف المجموعة الاستثمارية التي استحوذت على النادي بعد سنوات من عدم اليأس والكفاح. وتقول "كنت بحاجة فقط إلى شركاء، لقد وقعت في حب هذا النادي".
بالعودة لاسم أماندا، فقد برز في عام 2008 على خلفية قضية عرفت بـ"بنك باركليز"، وهي قضية اتهم فيها البنك بالحصول على مساعدة من دولة قطر، ذلك بعد أن عانى المصرف البريطاني من أزمة مالية، كسائر بنوك العالم إثر الأزمة المالية الخانقة، لتعرض حينها قطر خدماتها لإنقاذ البنك.
لكنه وبحسب "الغارديان" التي كشفت عن تفاصيل أخرى للقضية، كانت أماندا قد طالبت بتعويض مالي بعد ذلك بلغ ملياراً ونصف مليار جنيه استرليني (2 مليار دولار) بسبب "تعرضها للخداع"، واتهمت أماندا بنك "باركليز" بإخفاء القرض القطري عن السوق والمساهمين، إذ اعتبرت أن البنك خدعها باتفاقه مع قطر.
ووفقاً لـ"الديلي ميل" حصلت أماندا على 40 مليون جنيه استرليني (54 مليون دولار) عمولة لنجاح الصفقة.
غيرت أقدار الأندية الصغيرة
ولم تكن الوسيطة المثيرة بالأمس لعدسات الصحافيين ووسائل الإعلام مجهولة في عالم "هندسة الصفقات"، إذ قادت نجاحاً مع الإماراتيين في عام 2008 حين استحوذ منصور بن زايد آل نهيان بمساعدتها على نادي مانشستر سيتي.
تقول المرأة التي غيرت أقدار الأندية الصغيرة بعد أن اعترض طريقها صحافي يصف الصفقة بأنها وسيلة "لغسيل سمعة السعوديين"، "حسناً إذا كنا نبرم صفقة لغرض الغسيل الرياضي، فعلينا أن نشتري نادياً في صدارة الدوري، نحن نشتري نادياً في ذيل الدوري، كل هذا من أجل الاستثمار"، مضيفةً "الأمر يتعلق ببناء النادي وإعطائه الحب والرعاية التي يحتاجها لتحقيق الألقاب".
تواصل أماندا حديثها "الأهم بالنسبة إلينا هو الأكاديمية، والحصول على الاستثمار في جميع مناطق النادي، من جميع الجهات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا تعد أماندا مهندسة للصفقات وحسب، هي عرّافة تصيب تنبؤاتها دائماً، ففي عام 2008 وبعد استحواذ الشيخ منصور بن زايد على مانشستر سيتي، قالت السيدة الإنجليزية "سيحققون الألقاب، سيعود النادي لمنصات التتويج خلال سنوات قليلة" وحدث هذا بالفعل بعد ثلاث سنوات وتسعة أشهر فقط من الاستحواذ.
لدينا نفس طموحات مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان
يعيدنا حديثها ذاك إلى ما قالته بالأمس، حين أكدت أن نيوكاسل الذي تأسس سنة 1892 "لديه نفس الطموحات التي يمتلكها باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي، نحن بحاجة إلى خمس أو عشر سنوات لرفع كأس الدوري الإنجليزي"، وتضيف "الجوائز تحتاج إلى الاستثمار والوقت والصبر والعمل الجماعي".
كما أطلقت ستافيلي على الصفقة الجديدة في حديث لها لشبكة "سكاي سبورت" لقب "العصر الجديد"، مرحبة بالخطوة التي أكدت أنها وضعت نيوكاسل أمام حقبة من "الاستثمارات الضخمة" لجعل أحلام الفوز بلقب البريميرليغ حقيقة وواقعية.
وكان نبأ استحواذ المجموعة التي يشكل صندوق الاستثمارات العامة في السعودية حصة الأغلبية منها على النادي الإنجليزي، قد فرض نفسه كحدث بارز على الساحة الرياضية العالمية.
واستقبل جمهور نادي شمال إنجلترا الخبر بالاحتفالات أمام مقر النادي، وهو الذي أضحى واحداً من أغنى الأندية في العالم بعد أن تخطت قيمة الاستحواذ الـ 300 مليون جنيه استرليني (أكثر من 400 مليون دولار).
ويمتلك نيوكاسل يونايتد لقب بطولة إنجلترا أربع مرات، آخرها في موسم 1926-1927، لكن لقبه الكبير الأخير يعود إلى عام 1955، ويتمتع النادي بقاعدة جماهيرية كبيرة.