فيما يعدُّ إنهاء اعتماد الكوكب على الوقود الأحفوري أمراً بالغ الأهمية، للحد من أزمة المناخ، لكن فيغاي مودي، أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة كولومبيا، قال إنه لا تزال هناك عقبات يجب التغلب عليها قبل أن يتمكن العالم من الانتقال بالكامل إلى مصادر الطاقة المتجددة، أهمها تخزين الطاقة، والقبول العام للنقل، مع فتح خطوط واعتماد السيارات الكهربائية والتدفئة المنزلية البديلة.
في تقرير حديث لشبكة "سي أن أن"، فإنه وبمجرد أن يبدأ السكان في فهم أنه من الممكن العيش من دون وقود أحفوري سيكون الأمر أسهل، لأنهم سيطالبون الدوائر المحلية أو الهيئات المحلية بالضغط من أجل مصادر أنظف. يقول مودي "أنا شخصياً أعتقد أنه مع انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ووفرة مساحة الأرض في الولايات المتحدة الأميركية وبعض السياسات الحكومية المناسبة، فإنه يمكن لهذا التحول أن يأتي بسرعة".
ضرورة التوسع في الطاقة الشمسية
كشف التقرير عن أن استخدام البشر الطاقة الشمسية بدأ منذ نحو القرن السابع قبل الميلاد، عندما استخدموا ضوء الشمس والزجاج لإشعال الحرائق، لكن الخلايا الشمسية الحديثة لم يتم اختراعها حتى منتصف القرن العشرين. وعلى عكس الوقود الأحفوري، فإن أنظمة الطاقة الشمسية لا تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري أو تتسبب في تلوث الهواء، مما يجعل الطاقة الشمسية واحدة من أفضل الحلول المحتملة لأزمة المناخ.
ويرى مودي أن الولايات المتحدة الأميركية بإمكانها الاعتماد بنسبة كبيرة على الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء خلال عشر سنوات من الآن. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، حدد تقرير صادر عن وزارة الطاقة الأميركية مساراً من شأنه أن يزيد بشكل كبير من استخدام الطاقة الشمسية في البلاد، حيث توفر الشمس ما يقرب من نصف الكهرباء في الولايات المتحدة، لتحقيق 40 في المئة من الكهرباء الشمسية بحلول عام 2035.
تقول وزارة الطاقة الأميركية إن الولايات المتحدة ستحتاج إلى تركيب 30 غيغاوات من الطاقة الشمسية الجديدة كل عام على مدى السنوات الأربع المقبلة، وهو ما يكفي لتشغيل نحو ثلاثة ملايين منزل، اعتماداً على موقعها، على أن يتم مضاعفة ذلك الرقم مرة أخرى كل عام حتى عام 2030.
فيما يرى ماكس تشانغ، مهندس ومدير هيئة التدريس في مركز أتكينسون للاستدامة بجامعة كورنيل، أن الولايات المتحدة لديها أكثر من أرض كافية لدعم نشر الطاقة الشمسية، مما سيخلق أيضاً فرص عمل. وأضاف "إذا كان لديك ما يكفي من الأرض لمزرعة للطاقة الشمسية، فستحتاج إلى بناء ألواح شمسية، ومن أجل بنائها، يجب تصنيعها، ومن أجل تركيب تلك الهياكل، ستحتاج إلى عمالة لتثبيتها".
طاقة الرياح والحرارة المستمدة من باطن الأرض
أما المصدر الثاني فيتعلق بطاقة الرياح، أو توربينات الرياح لتوليد الكهرباء، إذ يرى مودي أنه على غرار الطاقة الشمسية يمكن أن تزداد طاقة الرياح أيضاً في السنوات العشر المقبلة. ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد نما توليد كهرباء الرياح في الولايات المتحدة بشكل كبير في العقود الثلاثة الماضية.
ويجري توليد طاقة الرياح بواسطة التوربينات، إذ تدفع الرياح شفرات التوربينات المرتبطة بعمود محرك يعمل على تشغيل المولد الكهربائي الذي ينتج الكهرباء. ويرى تشانغ أن الولايات المتحدة لديها ما يكفي من الأراضي لبناء مزارع الرياح، مثلها مثل الطاقة الشمسية، وهناك منطقة شاسعة ذات إمكانات عالية لطاقة الرياح في الخارج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "إذا نظرت على طول الطريق من ولاية ماين إلى نيو هامبشاير وماساتشوستس وكونيتيكت ونيويورك ونيوجيرسي، فلدينا مورد طاقة رياح بحرية رائع حقاً، وهو مورد عالي الجودة في هذا الجزء من البلاد". وتابع "النبأ السار بشأن الولايات المتحدة هو أننا ننعم بشيئين. لقد أنعم الله علينا بالأرض، وننعم بالرياح الجيدة والشمس".
فيما يتعلق المصدر الثالث بالطاقة المستخرجة من المياه الجوفية، حيث تستفيد الطاقة الحرارية الجوفية من الدفء الجوفي. إنه مصدر للطاقة المتجددة يتم إنتاجه باستمرار. اليوم، يستخدم الناس الحرارة الجوفية للاستحمام وتدفئة المباني خلال فصل الشتاء وتوليد الكهرباء.
وكانت آيسلندا رائدة في استخدام الطاقة الحرارية الأرضية، بسبب مصدرها الوفير من المياه الجوفية الساخنة التي يسهل الوصول إليها، التي يمكن تحويلها إلى طاقة. يرى مودي أن التحدي الأكبر في الولايات المتحدة يتمثل في العثور على المواقع الدقيقة لمكان هذه النقاط الساخنة الحرارية الأرضية ومدى قرب الصهارة أو درجات الحرارة المرتفعة من السطح.
وأضاف "السؤال الذي نحاول الإجابة عنه هو ما إذا كان بإمكاننا استخدام النوع نفسه من تقنيات الحفر التي تستخدمها صناعة النفط والغاز للتعمق قليلاً، ثم يمكننا استغلال هذا المصدر الأعمق، إذا تمكنا من تحقيق ذلك، فإنه يمكننا الحصول على حرارة وطاقة مستمرة على مدى العام، ومن هذه الحرارة، يمكننا إنشاء توزيع لأنابيب الماء الساخن".
لكن هناك مخاطر. تم ربط استخراج الطاقة الحرارية الأرضية، وفقاً للبحث، بالتسبب في الزلازل، وهي منطقة يبحث الجيوفيزيائيون حالياً عن حلول لها. ووفق تقرير حديث صادر عن وكالة الطاقة الدولية، فإن مساهمة الطاقة الحرارية الأرضية الحالية في قدرة الطاقة الأميركية أقل من واحد في المئة، لكن الإمكانات تزيد على ثمانية في المئة بحلول عام 2050.
الطاقة النووية غير قابلة للتجديد
بينما يتمثل المصدر الرابع في الطاقة النووية. ونظراً إلى تطور الرأي العام بشأن أزمة المناخ، فقد تطورت أيضاً وجهات النظر حول الانتقال إلى الطاقة النظيفة. وكان استخدام الطاقة النووية، على وجه الخصوص، مثيراً للجدل في الولايات المتحدة، إذ يرى تشانغ أن "الفرق بين الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المئة والنظيفة بنسبة 100 في المئة يظهر في الطاقة النووية. الطاقة النووية غير قابلة للتجديد، لكنها مزيج من الكهرباء النظيفة".
ويفضل العديد من الجمهوريين الطاقة النووية قبل كل مصادر الطاقة غير الأحفورية الأخرى، لكن في المقابل، دعا بعض المشرعين الديمقراطيين مثل السيناتور بيرني ساندرز إلى التخلص التدريجي من الطاقة النووية. وقال السيناتور إليزابيث وارين، خلال اجتماع مجلس إدارة أزمة المناخ الرئاسي في عام 2019، "لن نبني أي محطات طاقة نووية، وسنبدأ في فطام أنفسنا عن الطاقة النووية واستبدال الوقود المتجدد بها".
ووفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فقد أنتجت محطات الطاقة النووية نحو 20 في المئة من الكهرباء في البلاد منذ عام 1990. واعتباراً من ديسمبر (كانون الأول) 2020، كان 94 مفاعلاً نووياً يعمل في 56 محطة للطاقة النووية في 28 ولاية، مما يجعل الولايات المتحدة أكبر مولد للطاقة النووية في العالم. وعلى الرغم من قدرتها على استبدال الوقود الأحفوري، فإن كثيرين قلقون بشأن المشكلات المعروفة المرتبطة بتوليد الطاقة النووية، بما في ذلك النفايات المشعة، التي تضر بالبيئة والمجتمعات إذا لم يتم التخلص منها بشكل صحيح.
لماذا لا نعتمد على الطاقة الكهرومائية؟
وتعد الطاقة الكهرومائية واحدة من أقدم مصادر الطاقة المستخدمة لتوليد الكهرباء، وحتى عام 2019، ووفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية، كانت أكبر مصدر لإجمالي توليد الكهرباء الأميركية المتجددة بشكل سنوي. والسبب الوحيد وراء انخفاض اعتماد البلاد على الطاقة الكهرومائية بمرور الوقت هو زيادة الاهتمام بأشكال أخرى من مصادر الكهرباء.
وبينما يتوقع الخبراء استمرار استخدام الطاقة الكهرومائية، يقول مودي، إنه "لا يرى نمواً في الطاقة الكهرومائية في المستقبل القريب، لأننا استفدنا بالفعل من أفضل مواقع الطاقة الكهرومائية. لقد قمنا باستغلال مصادر جديدة للطاقة الكهرومائية في الولايات المتحدة".
وإضافة إلى ذلك، فإن أزمة المناخ تغذي الجفاف الذي يستنزف الخزانات في الغرب، ويؤدي إلى نقص المياه. في ولاية كاليفورنيا، أُجبرت محطة رئيسة لتوليد الطاقة الكهرومائية على الإغلاق هذا الصيف بسبب انخفاض مستويات المياه، وذلك لأول مرة منذ افتتاحها في عام 1967.