يشهد السودان هذه الأيام موجة من الاحتجاجات المطلبية سواء على مستوى المناطق كما يجري في شرق البلاد، أو احتجاجات لقطاعات أكاديمية ومهنية وطلابية، بسبب تردي الأوضاع المعيشية، وأخرى ذات مطالب تنموية جراء التهميش الذي أحدثته الحكومات المتعاقبة، ما أسفر عن حالة من التوتر نتيجة تأثير هذه الاحتجاجات على حركة السير بإغلاق المحتجين الطرقات السريعة بين المدن وداخلها، فضلاً عن تعطيل حركة الاقتصاد.
فما أبعاد هذه الاحتجاجات، وما المطلوب من جميع الأطراف السودانية للحفاظ على وحدة واستقرار البلاد، وما خيارات حكومة عبدالله حمدوك في التعامل مع هذه الاحتجاجات؟
بطاقة انتماء
يقول المحلل السياسي السوداني عبدالله آدم خاطر، "في رأيي أن العنوان الكبير للاحتجاجات التي تندلع بين حين وآخر في البلاد، سواء احتجاجات الشرق، أو إضرابات أساتذة الجامعات، وكذلك المعلمون، وقبلهم قطاعات عدة، تمثل بطاقة انتماء للثورة السودانية والتغيير الذي حدث، فأي مواطن سوداني ينتمي لأي نقابة أو مؤسسة أو منطقة يدرك تماماً أن الوضع، بخاصة من الناحية الاقتصادية، يشهد معاناة حقيقية، لكن هناك بشائر، ما يتطلب من الجميع أن يكونوا يداً واحدة للنهوض بهذا البلد الذي تأخر كثيراً على الرغم مما يملكه من ثروات تمكّنه من أن يكون إحدى الدول الغنية".
وتابع خاطر، "كذلك، كل من يتحدث عن الغبن المناطقي أو المهني أو الثقافي، محاولة منه لأن يكون شريكاً في مستقبل السودان في إطار الديمقراطية أو اللامركزية غير المعلنة، لكن اعتقد أن من المهم أن تكون المواطنة حاضرة في أي حراك جماهيري، فعلى كل مجموعة احتجاجية أن تقترح الحلول في إطار السلمية والفيدرالية، وأن يكون منطلقها البناء والبحث عن شركاء لبحث الأزمة وإيجاد حلول لها".
فجوة تنموية
ولفت إلى أن احتجاجات شرق السودان عززت دور الحكومة الانتقالية، لأنه، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، لم يستخدم أي نوع من أنواع العنف كما كان يتبع في الأنظمة الشمولية من قمع في التعامل مع مثل هذه الاحتجاجات، فالطرفان (الحكومة والمحتجون) على قناعة تامة بأن هناك بالفعل فجوة تنموية، لكن يمكن بمساعدة كل الأطراف السودانية والأصدقاء والأشقاء من الشعوب الأخرى، التوصل لرؤية وحل مرض، وهو ما يجري حالياً، إذ إن هناك نداءات للتوسط وقبول لما طرح من حلول، ما عمّق الثقة والاطمئنان لدى مواطن الشرق، وأكد أن قضيته عادلة وتجد الاهتمام اللازم من جميع الأطراف بما فيها الحكومة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونوه المحلل السياسي إلى أن ظاهرة الاحتجاجات في ظل المناخ الديمقراطي تعزز مسار الانتقال، لكن كثيرين، يبدو لهم، أن مثل هذا السلاح يضعف الحكومة أو يسقطها، وهو أمر ينفيه الواقع، إذ إن للحكومة الانتقالية الحالية سنداً شعبياً كبيراً، وظهر ذلك من خلال الحشود التي تدافعت من أقاليم السودان المختلفة لدعم التحول الديمقراطي، بالتالي لا يستطيع أي طرف من النظام المحلول أن يتحرك لمواجهة هذه الحشود التي تسند هذه الحكومة.
النقابات
وأشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، إلى أن "الاحتجاجات السلمية لها أشكال مختلفة من ضمنها التظاهرات والاعتصامات والمسيرات والمواكب وغيرها، وهي شكل من أشكال الحرية والديمقراطية، لكن المطلوب أن يتم تقنينها بصورة مقبولة لا تؤثر على حركة البلاد السياسية والاقتصادية، وحياة الناس بشكل عام. فما يحدث الآن من احتجاجات يتم في ظل غياب النقابات المهنية التي تم حلها بعد سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في 11 أبريل (نيسان) 2019، ولم يتم استبدالها بنقابات أخرى معترف بها بسبب تعقيدات قانونية، وغيرها".
ولفت صديق إلى أن "عدم تقنين النقابات يجعل هذه الاحتياجات مطية لأغراض سياسية من قبل جهات عدة، بالتالي يصعب ضبطها لعدم وجود قانون واضح للاحتجاجات في البلاد، بحيث يكون وقت خروجها وخط سيرها ومدتها محددة، حتى لا تتسبب في أي نوع من أنواع الضرر سواء على الدولة أو المواطن، فالمشكلة أنه في كثير من الأحيان تتحول الحرية إلى فوضى لعدم فهم معنى الديمقراطية، حيث لا يعي كثيرون من الناس أن مثل هذه الممارسات المخلة تضر بالبلاد، فالاحتجاج يجب أن يحمل رسالة مطلبية سلمية تقدم للمسؤولين المعنيين في الأمر بصورة حضارية".
خسائر فادحة
وحمل أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم الحكومة الانتقالية مسؤولية اندلاع كثير من الاحتجاجات المطلبية سواء كانت مناطقية أو قطاعية مهنية أو طلابية وغيرها، لأنها، أي الحكومة، لا تتدخل أو تستجيب لبحث مطالب وقضايا المحتجين إلا بعد حدوث ضغوط مؤثرة على الوضع الاقتصادي في البلاد، كما حدث في احتجاجات شرق السودان التي تبناها المجلس الأعلى لنظارات وعمد البجا، حيث بدأت الدولة تتفاوض معهم بشأن مطالبهم بعد إغلاقهم خطي استيراد وتصدير البترول، وكذلك إغلاق خط سير بورتسودان الخرطوم، ما أحدث خسائر فادحة للاقتصاد السوداني، فضلاً عن الفجوة التي حدثت في السلع الاستراتيجية ولا سيما المحروقات والدقيق.
وأشار صديق إلى أن المطلوب في ظل تصاعد موجة الاحتجاجات المطلبية، أن تكون العلاقة بين الحكومة والمواطن على مستوى من المسؤولية والتفاني من أجل الوطن، بحيث تقوم الحكومة بتوضيح رأيها في أي مطالب بشكل واضح، من دون مماطلة، وأن تكون لغة الحوار والتفاوض هي السائدة، بمعنى أن تظهر الدولة جديتها في التعامل والتعاطي مع قضايا المواطنين المطلبية والاعتراف بحقوقهم العادلة، كما على المواطنين الابتعاد عن استخدام سلاح لي الذراع.
دعم دولي
وكانت دول الترويكا (أميركا، بريطانيا، والنرويج) أعلنت في بيان مشترك، الجمعة، الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، دعمها الجهود التي تبذلها الحكومة الانتقالية في السودان بهدف احتواء الاحتجاجات المتواصلة في شرق البلاد منذ فترة طويلة، وأشار البيان المنشور على موقع الخارجية الأميركية، إلى أن الدول الثلاث تنضم إلى دعوة الحكومة السودانية التي يديرها مدنيون لرفع الحصار عن الموانئ والبنى التحتية في مجال النقل، شرق السودان.
وحضّ البيان القادة السياسيين في شرق السودان على القبول بمقترح حكومتهم ومعالجة معاناتهم عبر حوار سياسي بناء من دون الانخراط في خطوات لا تخدم إلا الإضرار باقتصاد البلاد، كما دعا البيان جميع أعضاء الحكومة الانتقالية إلى تكثيف مساعيهم الرامية إلى حل المشكلة القائمة، معرباً عن اعتراف دول الترويكا بالتحديات التنموية التي يواجهها سكان شرق السودان.
وأشار البيان إلى استعداد واشنطن ولندن وأوسلو لمواصلة العمل بالشراكة مع حكومة السودان الانتقالية لاحتواء هذه التحديات، لافتاً إلى أن هذه الاحتجاجات تشكل شأناً داخلياً، كما حثت دول الترويكا المجتمع الدولي على دعم جهود الحكومة الرامية إلى حل مشكلة الشرق ورفع الحصار عن الموانئ.
ويعيش السودان منذ 21 أغسطس (آب) 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً وتنتهي بإجراء انتخابات عامة مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من المكوّن العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للسلطة التنفيذية الحاكمة في البلاد.