واصلت أسعار النفط صعودها مع تصاعد التوترات بين إيران والولايات المتحدة في ظل توقعات بمواصلة "أوبك" كبح الإمدادات في الوقت ذاته، وتدرس المنظمة تأجيل موعد انعقاد اجتماعها المقرر في فيينا من الـ25 و26 من يونيو (حزيران) إلى الثالث والرابع من يوليو (تموز)، حسب مصادر لوكالة "رويترز".
يشار إلى أن المنتجين في "أوبك بلاس" خفَّضوا الإنتاج بـ1.2 مليون برميل يومياً منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، والاجتماع المقبل لتحديد ما إذا كان الاتفاق سيمدد أم سيعدل، ورغم وصول النفط إلى أعلى مستوى، فإن المكاسب التي حققها خيّمت عليها مخاوف استمرار الحرب التجارية، التي قد تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وبلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت72.18 دولار للبرميل، مرتفعة 21 سنتاً أو 0.3 بالمئة، مقارنة مع سعر الإغلاق السابق. وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 31 سنتاً أو 0.5 بالمئة إلى 63.41 دولار للبرميل.
في هذا الصدد يشير جاسبر لاولر، رئيس الأبحاث لدى كابيتال جروب للسمسرة في العقود الآجلة بلندن، إلى أن "تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، إضافة إلى مؤشرات على أن أوبك ستواصل تخفيضها الإنتاج، يقودان النفط إلى الارتفاع".
وفي ظل هذا التوتر هدد الرئيس دونالد ترمب إيران بأنها "ستواجه قوة هائلة إن هي هاجمت مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
يأتي هذا بعد هجوم صاروخي على العاصمة العراقية بغداد، وهو ما تشك واشنطن في وقوف جماعة مسلحة على صلة بإيران وراءه، وتطل التوترات في ظل سوق تعاني من شح بالفعل في الوقت، الذي تكبح فيه منظمة أوبك وروسيا ومنتجون آخرون الإمدادات منذ بداية العام لدعم الأسعار.
المخزونات النفطية تميل إلى الارتفاع
بدوره يؤكد د. عبد السميع بهبهاني، رئيس شركة آسكا للاستشارات البترولية، أنه "يمكن استخلاص عدة معطيات من تصريحات وزراء أوبك وحلفائها (أوبك بلس)، إذ أكد الاجتماع أهمية استقرار سوق النفط، وقد أسهم وزير الطاقة السعودي خالد الفالح في التعبير عن موقف السعودية، وذلك بعد اجتماع لجنة مراقبة الإنتاج والالتزام بقرار الخفض، إذ أشار الوزير السعودي إلى أن مقياس (أوبك بلس) في تقدير قرارها في نهاية يونيو (حزيران) المقبل هو العرض والطلب والمخزون العالمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير الخبير بهبهاني إلى "أنه بمراجعة العرض والمخزون العالمي سنجد أن مؤشراته تميل إلى الارتفاع، بل إنه فاق معدل الخمس سنوات، خصوصاً بعد وقف الاستثناءات في بداية مايو (أيار) الحالي بمراقبة حركة الناقلات، التي تشير إلى ذلك أيضاً".
وأوضح أنه "بالعودة إلى المخزون كانت الفرضية أن ينخفض الإنتاج العالمي، بعد تطبيق العقوبات على فنزويلا، وإيران واضطرابات ليبيا، إضافة إلى تكدس النفط الروسي الملوث ومنعه عن مصاف أوروبا، كلها مؤشرات من المفترض أن تكبح ارتفاع المعروض، إلا أنه في حقيقة الأمر إن فنزويلا وإيران ما زال إنتاجهما يفوق المليوني برميل في الأسواق "الرمادية"، ويؤشر على ذلك حركة الناقلات "غير المعرفة"، وعودة ليبيا إلى إنتاج 800 ألف برميل يومياً. من هنا نرى تصريح "التزام دول أوبك وصل إلى 168%" لا معنى له، لأن التدفقات النفطية مستمرة، والفائض يزداد.
وقال بهبهاني، "نظرياً يمكن القول إن الطلب العالمي على نفط أوبك بالذات في ازدياد، وله مؤشرات على ذلك، في وقت تستمر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي أدت إلى انخفاض الواردات الصينية من النفط الأميركي من 1.6 مليون برميل يومياً إلى 60 ألف برميل، مع توقف النفط الروسي عن أوروبا مؤقتاً، مما جعلها تبحث عن مصادر أخرى، إضافة إلى استعداد المصافي لكميات أكبر بعد إقرار قانون وقود الناقلات الخالي من الكبريت (IMO) لوقود الناقلات، ورفض تركيا رسمياً قرار الحظر على النفط الإيراني، وغيرها من أسباب تجعل من نفط أوبك مطلوباً، وخير مؤشر لذلك ارتفاع سعر النفوط الخفيفة للكويت والسعودية".
أمَّا على "الجانب الجيوسياسي فهو المؤثر الأقوى حالياً، فبعد هدوء طبول الحرب في الخليج عاد ضجيج الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين يظهر مرة أخرى، فحرب الضرائب والصراع الإلكتروني ومنع بعض المنتجات الإلكترونية من دخول الولايات المتحدة قد تشعر الأسواق بكساد تجاري مقبل بين أكبر اقتصادين في العالم".
ويشير عبد السميع إلى أن "المتضرر الأكبر سيكون الولايات المتحدة لزيادة فرص التكيف مع هذه الحرب وتبعاتها المالية في الصين، وهي أكبر من مساحتها في الولايات المتحدة، لذا فإن شروط الولايات المتحدة في مفاوضاتها مع الصين ستكون أكثر مرونة في الجولة المقبلة، وستكون نتائج المفاوضات مغرية لقفزة اقتصادية عالمية ستنعكس إيجاباً على الطلب العالمي للنفط".
وحول تذبذب أسعار النفط يوضح الخبير بالقول "إن هبوط الأسعار سيكون في صالح القوتين، لذا أرى أن المشهد الجيوسياسي من الحرب التجارية، سيضغط على قرار أوبك وحلفائها في اجتماع يونيو (حزيران) المقبل، إن لم يحصل تغيير في موعد الاجتماع، وستبقى أسعار برنت تحوم حول 70 دولاراً مع دخول موسم الطلب في الربع الثالث والرابع، ثم تنخفض مع نهاية الربع الرابع لتصل إلى أقل من 60 دولاراً لتكدس فائض المخزون النفطي المتضخم مرة أخرى".
خسائر روسيا من النفط الملوث
على صعيد متصل أظهرت حسابات وكالة "رويترز" أن "روسيا عانت نقصاً، قيمته مليار دولار في إيرادات التصدير في أول أسبوعين من مايو (أيار)، بعد اكتشاف النفط الملوث، الذي عطّل التدفقات عبر خط أنابيب ممتد إلى أوروبا".
وقال اقتصاديون، "إن التكلفة النهائية للتلوث قد تكون أعلى بعدة أضعاف، لكن يبدو من المستبعد في هذه المرحلة أن يضر ذلك بآفاق النمو الهشة بالفعل في البلاد، أو أن يزعزع الروبل".
وتعطلت تدفقات صادرات الخام منذ أبريل (نيسان) عندما تم اكتشاف مستويات عالية من الكلوريد العضوي في النفط، الذي يضخ عبر خط أنابيب دروغبا الروسي، الذي يخدم ألمانيا وبعض دول شرق أوروبا، وليس هناك تقدير روسي رسمي لتأثير التكلفة، وفي منتصف مايو (أيار)، قدّر وزير الطاقة ألكسندر نوفاك إجمالي الأضرار الناتجة عن النفط الملوث.
وبنت "رويترز" تقديرها البالغ مليار دولار على أرقام صادرات من مصادر مطلعة على بيانات والمتوسط الشهري لصادرات النفط عبر دروغبا من العام الماضي، مع التعديل وفق التغيرات في أسعار النفط العالمية.
وقالت المصادر إنه "بالمقارنة مع متوسط مستويات أبريل (نيسان)، فإن منظومة خطوط أنابيب روسيا خفضت إمدادات النفط بنسبة ستة بالمئة بين الأول والسادس عشر من مايو (أيار)".
وذكر محللون "أنه ينبغي لروسيا أن تكون قادرة على تعويض النقص عبر بيع النفط الملوث بخصم، وجني مزيد من الإيرادات من صادرات نفطية أخرى، وذلك بفضل الزيادة التي شهدتها أسعار النفط في الآونة الأخيرة".
وقال مصدر بالسوق المالية قريب من البنك المركزي، "على افتراض رقم المليار دولار، فإنه لن يكون هناك تأثير يذكر في الوقت الحالي على سوق العملة، والبنوك في روسيا، في ضوء حجم احتياطيات النقد الأجنبي".
وأشار مصدر آخر قريب من الحكومة إلى "أن التأثير في السوق شبه منعدم".