حض رئيس المجلس الأوروبي السابق دونالد تاسك البولنديين على التظاهر احتجاجاً على حكم المحكمة الدستورية العليا الذي يهدد بنقض الاتفاقيات الأساسية لعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. وكان رئيس الوزراء، ماتيوش مورافيسكي، طلب من المحكمة العليا الفصل في تلك البنود المتعلقة بالقوانين الأوروبية.
لكن رئيس الوزراء ورئيس حزبه الحاكم، "القانون والعدالة"، ياروسلاف كيزنسكي، يصران على أنهما لا يريدان خروج بولندا من الاتحاد الأوروبي. مع ذلك، فإن اثنين من المقربين من رئيس الحزب يروجان بشدة للمقولات التي تطالب بمواجهة الاتحاد الأوروبي والتصدي لبروكسل (عاصمة الاتحاد الأوروبي).
وفي فيديو بثه على "تويتر"، قال دونالد تاسك، إن "العملية التي خطط لها ياروسلاف كيزنسكي لإخراج بولندا من الاتحاد الأوروبي (بوليكسيت) قد انطلقت بقوة. وإذا بقينا خاملين لا نفعل شيئاً لن يكون هناك ما يوقفه عن تحقيق ما يريده".
نقض دستوري
وكان الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية البولندية، بطلب من رئيس الوزراء، قضى بأن بعض بنود الاتفاقيات الأساسية للعضوية في الاتحاد الأوروبي ليست دستورية. وتلك البنود تتعلق أساساً بدور المحاكم الأوروبية واللجوء إلى القانون الأوروبي في الخلافات القضائية بين الدول الأعضاء.
ويعد الحكم، الذي لم ينشر بعد، ولا يعتبر نافذاً إلا بعد نشر الحكومة البولندية له، نقضاً للأساسيات القانونية والدستورية لعضوية بولندا في الاتحاد الأوروبي. وحذر وزير خارجية لوكسمبورغ جين إسيلبورن من أن الحكم هو "لعب بالنار" من جانب وارسو. أما وزير شؤون أوروبا في الحكومة الفرنسية كليمون بون فقال، إن الحكم بمثابة هدم لما وقعت عليه بولندا حين انضمت إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، واعتبر الحكم "خروجاً بالأمر الواقع".
وقال بون، خلال مقابلة تلفزيونية مع محطة "بي أف أم تي في"، "حين توقع عقداً مع الغير ثم تأتي وتقول إن القواعد التي تضعها حين تريد وكيفما تريد تجبّ ما وقعت عليه يصبح العقد لاغياً".
تهديد القضاء
يذكر أن المحكمة الدستورية التي أصدرت القرار المثير للجدل كانت من أول أهداف حكومة مورافيسكي القومية المحافظة. إذ كانت حكومة حزب "القانون والعدالة" تريد إلغاء المحكمة، وهو ما يتناقض مع القوانين الأوروبية للدول الأعضاء في الاتحاد. ولجأت الحكومة إلى تعيين قضاة المحكمة من الموالين لحزبها، حتى أن أحد أعضاء المحكمة الدستورية وضعه غير قانوني تماماً، كما قضت محكمة العدل الأوروبية.
ومنذ نحو 6 سنوات، يتصاعد الخلاف بين بولندا وبروكسل بسبب ما تسميه الحكومة البولندية "إصلاح القضاء"، وتعتبره السلطات الأوروبية إهداراً لاستقلالية القضاء. ووصل الأمر خلال السنوات الست إلى احتمال فرض عقوبات من بروكسل على وارسو، إلا أن دعم المجر لحليفتها بولندا حال دون ذلك.
وتقول الحكومة البولندية إنها "تعمل على إصلاح القضاء"، لكن بروكسل ترى أن إجراءات الحكومة في وارسو لمنع اللجوء إلى القوانين الأوروبية ينسف أسس عضوية بولندا في الاتحاد. ولا يريد الحزب الحاكم، الذي يترأسه كيزنسكي، أن يطعن القضاة البولنديون في زملائهم الموالين للسلطة مستغلين القوانين والمحاكم الأوروبية.
ويقول باتريك دايكوفيتس، من مركز "بنغهام لحكم القانون"، في مقابلة مع "بي بي سي"، "من الناحية العملية، فإن هذا الحكم يوفر أرضية للخروج القانوني من الاتحاد الأوروبي. ذلك لأنه سيعمق الخلاف في مشكلة التعاون القضائي بين المحاكم البولندية والمحاكم الأوروبية، وخصوصاً مسألة الاعتراف المتبادل بالأحكام القضائية الصادرة من محاكم الجانبين".
حتى رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، صرحت معلقة على قرار المحكمة الدستورية البولندية بالقول إن "الأولوية المهمة جداً بالنسبة إلينا هي ضمان حماية حقوق المواطنين البولنديين، وأن يتمتع المواطنون البولنديون بفوائد ميزات عضوية الاتحاد الأوروبي".
البولنديون و"بوليكست"
كتب رئيس الوزراء البولندي، ماتيوش مورافيسكي، على "فيسبوك"، إن "دخول بولندا ودول وسط أوروبا في الاتحاد الأوروبي كان أحد أهم أحداث العقود الماضية، بالنسبة إلينا وإلى الاتحاد الأوروبي أيضاً. وكان الجميع كاسباً من ذلك... لذا، أقول بوضوح إن مكان بولندا هو ضمن أسرة الدول الأوروبية وسيظل كذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما رئيس حزب "القانون والعدالة" الحاكم، ياروسلاف كزانسكي، فاعتبر القول بأن حزبه وحكومته يريدان الخروج من الاتحاد الأوروبي "كلام فارغ". في الوقت نفسه، فإن اثنين من أقرب معاوني كزانسكي يروجان منذ فترة للشعارات المناوئة للاتحاد الأوروبي، بالضبط كما كان قادة حزب المحافظين في بريطانيا يفعلون قبل استفتاء عام 2016 الذي صوت فيه البريطانيون لمصلحة "بريكست".
تنقل صحيفة "فاينانشيال تايمز" عن مسؤول في إحدى دول الاتحاد الأوروبي مقارنته بين تصرف رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، ديفيد كاميرون، حين أراد إعادة التفاوض على بنود عضوية الاتحاد الأوروبي، وما تفعله حكومة رئيس الوزراء البولندي الآن. وأضاف المسؤول، "جاء كاميرون إلى الاتحاد الأوروبي وهو يحمل مسدساً يصوبه إلى رأسه ويهدد بأنه إذا لم يحصل على ما يريده سيطلق الرصاص على رأسه... الوضع مماثل تماماً، فالبولنديون يهددون بإطلاق الرصاص على أقدامهم، بل وربما على رؤوسهم".
ما تطلبه بولندا
معضلة الحزب الحاكم في بولندا، أنه لا يريد خسارة أصوات الناخبين البولنديين، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن 80 في المئة من البولنديين لا يريدون "بوليكست"، أي خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي. وكان دخول بولندا الاتحاد عام 2004، في إطار توسيع الاتحاد ليضم دول أوروبا التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق، جلب لها مئات المليارات من الأموال الأوروبية التي كانت بحاجة إليها لدعم اقتصادها.
وما زالت بولندا، مع بقية الدول التي انضمت إلى الاتحاد في ما بعد، أكثر استفادة من أموال بروكسل. وإن كان بعضها يبقي على عضويته من أجل الحصول على الأموال، كما يقول بعض المراقبين.
ومن بين الإجراءات العقابية التي يمكن لبروكسل اتخاذها بحق بولندا إذا ما وضعت حكم المحكمة الدستورية موضع التنفيذ، هو عدم الموافقة على حزمة الدعم الاقتصادي التي طلبتها بولندا من برنامج الاتحاد الأوروبي لدعم التعافي الاقتصادي من أزمة وباء كورونا. وتبلغ حزمة الدعم التي طلبتها بولندا 66 مليار دولار. ويمكن للمفوضية الأوروبية أن تضمن الموافقة على الدعم شرط "احترام القانون وضمان الالتزام بمعايير القانون الأوروبية"، بما يجعل الموافقة على الدعم غير ممكنة.
ويذهب بعض المعلقين إلى القول إن بولندا ربما تمادت في الخلاف القانوني مع بروكسل كورقة ضغط تستخدمها لتسريع الموافقة على حزمة الدعم. وسبق للحكومة البولندية عدم نشر أحكام مماثلة، وما لم تنشر لا تعتبر نافذة.