أعاد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون فتح ملف زعيم حركة انفصال القبائل فرحات مهني، المطلوب دولياً من طرف القضاء الجزائري لاتهامه في قضايا إرهاب، كاشفاً عن رفض فرنسا تسليمه بعدم ردها على الطلب، مما يرشح لأن تكون قضيته فتيل معركة جديدة بين البلدين يصعب تهدئتها.
تبون ممتعض
وشدد الرئيس الجزائري على وجوب تسليم فرنسا فرحات مهني وقال، "هو إرهابي ولدينا أدلة حول جمعه الأموال من أجل اقتناء الأسلحة، وهذا بمباركة الدول التي وجد فيها ملاذاً وأصداء إعلامية"، مشيراً إلى أن أوامر القبض عليه يتعين معها على سلطات دولة إقامته "تطبيقها على أرض الواقع، وحتى الآن لم يقولوا شيئاً، وهو ما يعني بالنسبة إلينا الرفض".
وأضاف تبون، "نحن حالياً بصدد استنفاد كل الأشكال القانونية والقضائية. نحترم قرارات البلدان الأخرى والشرعية الدولية التي يتعين أن تُحترم أيضاً من قبل الأطراف الأخرى". ووجه الرئيس الجزائري حديثه إلى الدول التي ترفض تسليم المبحوث عنهم، "أنت تريد طرد من يزعجونك، لكنك تغض الطرف عمن يعملون مع المخابرات. الأمور لا تسير على هذا النحو"، مشدداً على أن التهم الموجهة إلى فرحات "تتصل بأفعال إجرامية وحقائق تمس الوحدة الوطنية".
وفتحت تصريحات الرئيس تبون جبهة جديدة قد تكون مناسبة لتسوية توتر العلاقات بين الجزائر وفرنسا، كما من شأنها رفع درجة الخصام إلى مستويات خطرة، وهو ما دفع بعض المراقبين إلى الحديث عن إمكان "عقد صفقة" بين العاصمتين، تعيد العلاقات إلى أحسن مما كانت عليه سابقاً.
إقناع العدالة الفرنسية
وفي السياق، يقول الحقوقي سليمان شرقي إن "عدم تسليم فرحات كان منتظراً. الأمر ليس بسيطاً". موضحاً أنه " ليس مهاجراً غير شرعي، وليس مقيماً عادياً هناك، كما أن تسليمه ليس قراراً سياسياً تتخذه الحكومة أو إدارياً يخص الجهات الأمنية، بل تتطلب الخطوة ملفاً قضائياً جزائرياً مؤسساً لإقناع العدالة الفرنسية بتسليمه، فهو شخصية معروفة بماضيها السياسي مهما اختلفنا حوله، وإن صح ما يروج عنه بحيازته الجنسية الفرنسية فإن ذلك يجعل من تسليمه قضية مستحيلة".
ويضيف شرقي في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "المسألة ليست متعلقة بالأدلة التي تدين المطلوب تسليمه فقط، بل بالاتفاق المبرم بين البلدين بشأن تسليم المطلوبين قضائياً، الذي يستثني المواطنين الحاصلين على جنسية بلد الإقامة، إذ يعفيهم من التسليم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبرم اتفاق بين البلدين صودق عليها منذ خمسة أشهر، يستثني من التسليم المتابعين بالجرائم التي قد تكيف "على أنها سياسية" كما هو الحال في فرحات مهني.
ولا يعتقد شرقي "أن تتورط الحكومة الفرنسية في تحدي قضائها الإداري من أجل أي مصلحة مهما بلغت، وهذا الشد بين الدولتين قد يكون مقصوداً لأغراض انتخابية".
وأصدر القضاء الجزائري منذ أسابيع مذكرة توقيف دولية بحق فرحات مهني، زعيم "حركة استقلال القبائل" المعروفة اختصاراً بـ "الماك" المصنفة كمنظمة إرهابية في الجزائر، على خلفية الحرائق التي أتلفت مساحات شاسعة من هذه المنطقة الجبلية منتصف أغسطس (آب) الماضي، على الرغم من نفي مهني أي تورط له أو لحركته، الذي دعا السلطات الجزائرية إلى تقديم الأدلة التي تدينه.
وقال زعيم "الماك" عبر حسابه على "فيسبوك"، "على أي أساس أصدرت الجزائر مذكرة توقيف في حقي؟ هذا أمر جنوني. نحن مناضلون سياسيون سلميون. لا نطالب إلا بحق العيش كباقي شعوب العالم".
وأضاف أنه طلب من منظمة "محامون بلا حدود" أن يدافعوا عن حقوقه، و"إذا وجدوا أدنى دليل يثبت تورطي في مقتل الشاب جمال بن إسماعيل أو في إشعال الحرائق في منطقة القبائل، فأنا مستعد أن أسلم نفسي للسلطات الجزائرية"، وكشف أنه حصل على حق الإقامة في فرنسا كـ "لاجئ سياسي"، في إشارة إلى أنه "تحت حماية القانون الدولي".
تعقيدات قانونية
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالقادر عبدالعالي تسليم رئيس حركة "الماك"، لأن هذا "يتطلب إجراءات قانونية وقضائية لم تنضج ظروفها بعد"، مشدداً على أن وضعيته كلاجئ سياسي إذا ما ثبت أنها ممنوحة له تدخل الأمر "ضمن تعقيدات القانون الدولي والاتفاقات الدولية والأوروبية".
وعن إمكان تسليم فرحات ضمن صفقة قال عبدالعالي، "غير ممكن لأنه سيثير مشكلة قانونية داخلية، لا سيما إذا كان يتمتع بوضعية إقامة قانونية، وأي مسؤول فرنسي يتخذ قراراً مثل هذا فقد انتحر سياسياً".
ويضيف عبدالعالي، "يمكن تسليمه فقط إذا كانت الأدلة مثبتة وتدخل ضمن خانة الإرهاب والجريمة، ووفق شروط تتعلق أيضاً بوضعيته داخل التراب الفرنسي، وذلك بموجب اتفاق تسليم المجرمين الموقع بين البلدين في 2019. أما حالياً فالأمر متعلق بالقرارات القضائية داخل فرنسا، ورد الفعل الرسمي الفرنسي الذي ينبغي أن يكون رداً على الطلب الجزائري".
ردود فرنسية
وأحدثت تصريحات الرئيس تبون ردود فعل فرنسية صنفت في سياق استمرار التراشق بين البلدين، إذ علق وزير الداخلية جيرالد دارمانان على موضوع جزائريين تستعد باريس لإبعادهم من ترابها وكان تبون قد تطرق إليه، أن الأمر يتعلق بنحو 7730 قرار ترحيل، في حين أن الرئيس الجزائري أشار إلى قائمة من 94 اسماً.
وقال تبون إن "موسى دارمانان تفوه بكذبة كبيرة"، مستعملاً الاسم الأوسط للوزير وهو اسم جده الجزائري الذي حارب إلى جانب فرنسا في الحرب العالمية الثانية. وأضاف أنه لم يكن هناك يوماً 7 آلاف جزائري تريد فرنسا ترحيلهم.
وفي سياق العلاقات الجزائرية أنهى الرئيس تبون مهمات السفير الجزائري بالمغرب عبدالحميد عبداوي، وفق ما جاء في الجريدة الرسمية التي ذكرت أن القرار اتخذ في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وكانت وزارة الخارجية استدعت في يوليو (تموز) الماضي سفيرها لدى الرباط للتشاور، احتجاجاً على تصريحات سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، والتي وصفتها الجزائر بالاستفزازية.