اشترطت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "أونروا" على موظفيها وأساتذتها التزام مبادئ الحياد وتعديل المناهج التي يدرّسونها للطلاب، تحت طائلة إنهاء عقد العمل.
ضغط أوروبي وأميركي
وتحاول "أونروا" منذ فترة إدخال تعديلات على المناهج الفلسطينية، تشمل حذف "مصطلحات وطنية"، واستبدالها بمفاهيم حيادية تكون أكثر انسجاماً مع التغييرات السياسية الحاصلة في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي.
وجاءت هذه التعديلات بطلب من البرلمان الأوروبي والولايات المتحدة، التي اعتبرت أن "استمرار الدعم المالي لأونروا يتطلب إجراء تعديلات على المناهج التعليمية التي تحرّض على العنف والكراهية ولا تنسجم مع الواقع السياسي الجديد".
ويعتقد مراقبون أن "إسرائيل تقف خلف هذا الطلب، الذي جاء بعد حملة ضغوط دولية مارستها للتحريض على تعديل المناهج الفلسطينية برمّتها، تحديداً المواد الدراسية التي تعلّمها أونروا للاجئين".
إسرائيل: "مناهج فلسطين تحريضية"
لا يخفِ السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان وقوف تل أبيب وراء الدفع باتجاه تعديل المناهج الفلسطينية، إذ حاول في 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي اقتحام قاعة جلسة استماع كانت تعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة لعرض صورة تؤكد أن معلّمي "أونروا" يحرضون الطلاب الصغار ضد إسرائيل، إلا أن أفراد الأمن منعوه من عرضها.
وقال إردان "في بداية النقاش حول أونروا، منعني أفراد الأمن من إدخال أدلة قاطعة على معاداة السامية والتحريض اللذين تشجع عليهما الوكالة في مؤسساتها التعليمية. من العار أنه في جلسة استماع في قاعة الجمعية العامة أن تُقال الأكاذيب، وتُستبعد الأدلة والحقيقة". وأضاف "سأثبت أن مناهج أونروا تحتوي على مواد تحريضية وأن موظفيها غير حياديين، وأن البنى التحتية للمؤسسة الأممية تُستخدم لأغراض أخرى، وسأكافح من أجل إظهار ذلك أمام العالم".
في الواقع، بدأت تل أبيب مشوارها بالتحريض على المناهج الفلسطينية والضغط على المانحين، سواء للسلطة الفلسطينية أو لـ"أونروا"، بالطلب من المعنيين إدخال تعديلات عليها، بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
المتغيرات السياسية
وتجاوبت الولايات المتحدة والبرلمان الأوروبي مع الضغط الإسرائيلي، إذ إنه في اتفاقية "إطار العمل" الموقّعة بين واشنطن و"أونروا"، التزمت الأخيرة تعديل المناهج بما ينسجم مع مبادئ الأمم المتحدة. كذلك اشترط الأوروبيون على الوكالة الأممية ذلك لمواصلة الدعم المالي.
وتنفيذاً لذلك، ألزمت "أونروا" العاملين فيها في الأراضي الفلسطينية التقيّد بمبادئ الحيادية عند الحديث عن القضية الفلسطينية وإسرائيل، وفقاً للمتغيرات السياسية الأخيرة. وأعدّت الوكالة الأممية دراسة للمناهج الفلسطينية، أدخلت عليها نحو 55 تعديلاً، جاءت في 65 صفحة.
وبحسب طبيعة عمل "أونروا"، فإن من ضمن خدماتها توفير التعليم للاجئين في مناطق عملها الخمس (الضفة الغربية وغزة والأردن ولبنان وسوريا)، وعليها وفق القانون الدولي أن تستخدم المناهج الدراسية للدول المضيفة لها.
التزاماً بمبادئ الأمم المتحدة
وبما أن "أونروا" تعمل في الأراضي الفلسطينية، فإنها تستخدم مناهج وزارة التربية والتعليم، وفي ما يتعلق بقطاع غزة، لديها نحو 274 مدرسة لخدمة أكثر من 278 ألف طالب.
ووفقاً للمعلومات، فإن الوكالة شرعت رسمياً بإجراء تعديلات تتعلق بمبدأ الحياد المعتمّد في الأمم المتحدة، وأبلغت موظفيها المعلمين بضرورة التزام ذلك، وإجراء التعديلات المطلوبة بما ينسجم مع القرار الجديد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد المستشار الإعلامي لـ"أونروا" عدنان أبو حسنة التزام معايير وقيم الأمم المتحدة، بما أن المؤسسة تتبع للهيئة، ومن ضمنها "الحيادية وقيم العدالة الإنسانية والقانون الدولي وعدم زرع الكراهية".
استبدال القدس وحيفا بغزة وخان يونس
وقال أمين سر اتحاد موظفي "أونروا" محمد شويدح إن "وكالة اللاجئين تصنّف المواضيع التي تخص حق العودة والقضية الفلسطينية، بأنها مواضيع تمس الحيادية، ووضعت قيوداً على استخدام آيات قرآنية اعتبرتها خرقاً لهذا المبدأ، وطلبت استبدال سؤال حسابي حول المسافة التي تبعد فيها مدينة حيفا عن القدس، بالمسافة بين مدينتَي غزة وخان يونس، كون المدينتين الأوليين ليستا فلسطينيتين، وذكرهما يُعدّ اختراقاً للحيادية".
وأكد أن "أونروا أجبرت المعلمين في غزة والضفة الغربية على استخدام مبدأ الحياد، وبدأت بالفعل تغيير بعض الدروس وحذفها، ومنعت استخدام المصطلحات الوطنية"، مشيراً إلى أنها "أحالت عدداً من الموظفين غير الملتزمين بذلك إلى التحقيق بتهمة خرق الحيادية".
وبحسب شويدح، فإن "مصطلح الحياد غير محدد وفضفاض، والموظفين مستعدون للالتزام به، لكن أن يتجاوز الأمر ليصل إلى القيم الوطنية والمعتقدات السائدة، فهذا غير مقبول".
إلى حد اللحظة، اقتصرت تعديلات "أونروا" على إلزام الموظفين مبدأ الحياد أثناء العملية التعليمية، أما في المناهج، فأجرت دراسة حددت فيها المواد التي تُعدّ خرقاً للحيادية أو تغيرت بفعل الوضع السياسي، من دون أن تباشر بصناعة منهج جديد أو اعتماد التعديلات على المواد الدراسية الفلسطينية.
"أونروا" لم نقم بذلك
بحسب مراقبين، فإن هذه الخطوة تُعتبر "التفافية"، إذ تجبر المعلمين على تغيير المصطلحات من دون أن تضطر إلى تعديلها في الكتب الدراسية. وكان من بين التغييرات التي أجرتها، استخدام كلمة "يقطين" بدل "فلسطين" واستبدال خريطة فلسطين بالثوب الفلسطيني التقليدي، وكلمة "الأسير" بالأمير، والاحتلال بالبلدية، إضافة إلى اعتبار مدن القدس وحيفا ويافا وغيرها مدناً إسرائيلية. لكن المستشار الإعلامي عدنان أبو حسنة نفى تعديل المناهج التابعة للتربية والتعليم، قائلاً "ليس من صلاحيات أونروا أن تجري ذلك، وهي ملتزمة الكتب المدرسية المعتمدة للسلطة الفلسطينية، وفي حال أجرت الأخيرة أي تعديلات نكون مجبرين على اعتمادها في مدارسنا، أما إذا بقيت المناهج على حالها، فنحن نتقيّد بذلك".
واعتبرت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أن "هذه الخطوة مخالفة لاتفاقية التزام أونروا المناهج من دون تعديل". وقال الوكيل المساعد للوزارة ثروت زيد إنهم سيتخذون إجراءات عقابية ضد وكالة اللاجئين في حال قامت بذلك، معتبراً أن "هذا الإجراء يُعدّ استهدافاً وطمساً للهوية الوطنية، فيما تُعتبر المناهج رمزاً للسيادة ولن يُسمح باستهدافها".