تتجه مسألة الصحراء الغربية لأن تشهد تغييرات على عدة مستويات بما فيها نتائج المفاوضات التي سيشرف عليها المبعوث الأممي الجديد ستيفان دي ميستورا، وهي التحولات التي بدأت ملامحها تظهر مع إعلان الجزائر عدم رغبتها المشاركة في أي مشاورات بين طرفي النزاع.
قرار... ونقاشات
وقال مبعوث الجزائر الخاص المكلف بقضية الصحراء الغربية وبلدان المغرب العربي، عمار بلاني، في تصريحات إعلامية، إن "نسخة الموائد المستديرة التي دعا إليها النظام المغربي لمناقشة مشكلة الصحراء الغربية بمشاركة الجزائر عفى عليها الزمن"، مشيراً إلى أن "القيادة كانت حاضرة في مفاوضات سابقة لحل الأراضي المتنازع عليها، لكن الرباط عرضت دولة الجوار على أنها جانب من المواجهة المسلحة، رغم أن جميع قرارات مجلس الأمن تشير إلى أن المشاركين في الصراع هما المغرب وجبهة البوليساريو"، داعياً مجلس الأمن الأممي إلى تحمل مسؤولياته السياسية والأخلاقية من أجل ضمان الحق الثابت للشعب الصحراوي في تقرير المصير.
قرار الجزائر أثار نقاشات حول أسبابه وأهدافه، على الرغم من أنها شاركت في مختلف المواعيد التي تعنى بقضية الصحراء الغربية، في حين يرى مراقبون أن قرار الجزائر إنما يندرج في سياق تهيئة الظروف أمام المبعوث الأممي دي ميستورا، من أجل إيجاد حل للمسألة التي باتت عرضة للابتزاز والاستغلال، وأدخلت المنطقة مرحلة جديدة تهدد استقرار شعوب دولها بعد أن بلغ التوتر بين الجارين الجزائر والمغرب نقطة اللارجوع مع قطع العلاقات الدبلوماسية واستدعاء السفراء ومنع عبور الطائرات المغربية المجال الجوي الجزائري.
التفرغ لمواجهة المؤامرات؟
وفي السياق، يعتقد الحقوقي المغربي، محمد عدنان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن إعلان الجزائر عدم رغبتها بالمشاركة في أي موائد مستديرة حول وضع الصحراء الغربية، إنما يأتي للتأكيد أنها ليست طرفاً في النزاع، وهو ما لن يعرقل نجاح مفاوضات حل الأزمة بين المغرب و"البوليساريو"، وقال إن الخطوة بمثابة ضغط على النظام المغربي، كما أنها دفعة قوية لتفعيل دور الأمم المتحدة من أجل تطبيق قراراتها تجاه القضية الصحراوية بشكل واقعي بعيداً عن التنديد، مشدداً أن الجزائر لجأت إلى هذا الموقف من أجل التفرغ لمواجهة المؤامرات التي تحاك ضدها في الخارج، وتحاول أن تكون لها أرضية لزعزعة الاستقرار، وتجنب ضغوط دبلوماسية محتملة.
ويتابع عدنان، أن الجزائر تطمح إلى "حل نهائي وتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية وتقرير مصير الصحراويين، وكم من مائدة مستديرة ولقاءات عقدت من دون إحراز تقدم ملموس وبالتالي فهي باتت عقيمة عن إيجاد حل منصف ينهي الأزمة"، موضحاً: "في اعتقادي القرار لا يعرقل بقدر ما هو يساهم في الحل، على اعتبار أن المشاركة في تلك الموائد يعطي لموقف الطرف المغربي قوة في الملف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الجزائر وموريتانيا
وبرر المسؤول الجزائري موقف بلاده، إلى "الاستخدام المخزي للجانب المغربي لمشاركة الجزائر في موائد مستديرة سابقة لتقديم بلدنا بشكل خطأ على أنه طرف في نزاع إقليمي، بينما تحدد جميع قرارات مجلس الأمن بالاسم وصراحة طرفي النزاع وهما المغرب وجبهة البوليساريو"، مشدداً أن الجزائر مثل موريتانيا لهما صفة واضحة هي أنهما بلدان جاران ملاحظان بحسب منظمة الأمم المتحدة، وأبرز أن "الرغبة الوهمية في فرض ما يسمى أطروحة الحكم الذاتي محكوم عليها بالفشل، وسيتحمل المغرب المسؤولية الكاملة عن تدهور الوضع في المنطقة لأنه لم يحترم حتى التزام الملك الراحل الحسن الثاني، الذي دعم حلاً عادلاً ونهائياً للنزاع في الصحراء الغربية، من خلال استفتاء تقرير المصير".
وتوجهت الأنظار بعد قرار الجزائر، إلى نواكشوط العاصمة الموريتانية التي تترقب موقف حول مسألة المشاركة من عدمها، في مباحثات قضية الصحراء الغربية التي سيطلقها قريباً، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الجديد، وبين مسايرة قرار الجزائر والاستمرار في حضور لقاءات "المغرب - البوليساريو"، ينذر موقف موريتانيا كما خطوة الجزائر ببداية عهد جديد من أزمة الصحراء الغربية.
ليست طرفاً في النزاع
إلى ذلك، يعتبر الإعلامي المهتم بالشأن السياسي، أيوب أمزيان، أن الجزائر ترفض المشاركة في موائد مستديرة حول الوضع في الصحراء الغربية، لأنها ليست طرفاً في النزاع، والقضية تخص المغرب وجبهة "البوليساريو" المحددين من طرف الأمم المتحدة، وقال إن دعوة السفير المغربي لدى الأمم المتحدة، إلى مشاركة الجزائر في مائدة مستديرة حول الصحراء الغربية، الهدف منها توريط الجزائر وتوظيفها كطرف في الأزمة، وهذا عكس الواقع وقرارات مجلس الأمن، مضيفاً أن قرار الجزائر يستهدف إبقاء القضية محصورة بين طرفي النزاع فقط وتحت إشراف الأمم المتحدة، وهو ما من شأنه أن يساهم في حل القضية.
الصحراويون... وحقوق الإنسان
من جهة أخرى، أوضح التقرير الأخير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الذي ناقش أوضاع حقوق الإنسان في الصحراء الغربية، وفي مخيمات اللاجئين الصحراويين التي تديرها الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو" بالقرب من تندوف في الجزائر، أنه فيما يتعلق بالصحراء الغربية، تركزت التحقيقات على حق الأشخاص في التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات ضمن جهود تحديد المصير للشعب الصحراوي وفي سياق حقوقهم الإنسانية، وقد خلصت إلى أن السلطات المغربية تقمع هذا الحق عبر القوانين التي تُجرم المس بـ"وحدة الأراضي"، وعبر الاعتقالات التعسفية والمحاكمات غير العادلة، والقيود على الحق في تكوين الجمعيات والتجمع، وعنف ومضايقات الشرطة التي تمر دون عقاب.
أما بخصوص مخيمات اللاجئين، فأشار تقرير "هيومن رايتس ووتش" إلى أنه في الوقت الحالي تقوم "البوليساريو" بتهميش من يتحدون قيادتها أو توجهها السياسي العام بشكل مباشر، لكنها لا تقوم بحبسهم، كما تسمح للسكان بانتقاد الإدارة اليومية لشؤون المخيم، وأبرز أنه يمكن للسكان مغادرة المخيمات إذا أرادوا ذلك بالعبور من موريتانيا، إلا أن الخوف والضغوط الاجتماعية يدفعان من يعتزمون الانتقال للسكنى بالصحراء الغربية إلى عدم الكشف عن مقصدهم هذا قبل مغادرة المخيمات.