طفرات جينية مختلفة تجعل حاملها صاحب تجربة متفردة، وليست شائعة، وبالطبع ينعكس هذا الوضع على حياته بصور مختلفة، ومن بين الطفرات الجينية ما يطلق عليه "lipoid protinosis" وهي طفرة نادرة تحمل اسم الشيخوخة المبكرة ويحملها 500 شخص فقط حول العالم.
تجعل هذه الطفرة حاملها يظهر بملامح كبار السن منذ سن الطفولة ليعكس مظهره عمراً، وحقيقته عمراً آخر، وهي بالطبع تجربة غير مألوفة يواجه بها حاملها المجتمع.
وفي مصر، توجد حالة تحمل هذه الطفرة، وهي منار سعيد، (25 عاماً)، والتي تخرجت في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وتستكمل دراساتها العليا حالياً في جامعة عين شمس، ودرست ثلاث لغات هي "الهندية، والألمانية، والإنجليزية"، وتبنت مبادرات عدة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة والأشخاص المختلفين بشكل عام، واختيرت ضمن 40 سيدة مؤثرة في الوطن العربي، وكرّمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الوطني السابع للشباب كنموذج للتحدي والإصرار.
الشيخوخة المبكرة
وعن تجربتها قالت منار سعيد لـ"اندبندنت عربية " إن "الشيخوخة المبكرة هي طفرة جينية تؤثر على الشكل الخارجي وعلى بعض أجهزة الجسم، وبدأت تظهر لدي منذ سن الطفولة، وطوال فترة دراستي في المدرسة، كنت أرغب في الانعزال التام، وكان عندي ما يشبه "الفوبيا" من الناس بسبب تعرضي لمضايقات متعددة، ولكن مع مرحلة الجامعة، تغير تفكيري تماماً، وأدركت شيئاً أعتبره نقطة تحول في حياتي، وهو أنني لا بد من أن أتقبل نفسي حتى أطلب من العالم أن يتقبلني، ولا بد من أن أتكيف مع وضعي ولا أجعله عائقاً عن التعامل مع الناس، وتكوين صداقات، والقيام بدور في المجتمع، وكانت هذه نقطة البداية، حيث بدأت أشارك في الأنشطة الجامعية وأسعى لأن يكون لي دور مؤثر في محيطي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضافت سعيد، "يعاني بعض الناس من كونهم مختلفين نتيجة طفرات جينية أو أمراض أو لكونهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن هذا لا يمنعهم من العطاء، ويمكن أن يكونوا مميزين في مجالات مختلفة، ولكن أحياناً لا يعطيهم المجتمع مثل هذه الفرصة ".
القاتل الخفي
وعانت منار خلال فترة من حياتها من التنمر وعدم التقبل من بعض الناس ما كان له أثر سلبي عليها لتتخذ قراراً بأن تواجه العالم وتتحول من شخص منعزل لا يستطيع المواجهة إلى متحدث تحفيزي يروي تجربة ملهمة تحمل الأمل والإصرار، وتعطي دافعاً لكل من هو مختلف، كما قررت أن تستثمر تجربتها لدعم فكرة تقبل الآخر، ونشر ثقافة الاختلاف والوعي بالضرر الكبير للكلمات القاسية التي قد يطلقها الناس من دون مراعاة شعور الشخص ووقعها عليه، ليصدر كتابها "التنمر... القاتل الخفي"، ليلقي الضوء على هذا الموضوع ويظهر الجوانب السلبية من خلال شخص ذي تجربة حقيقية.
وتابعت منار، "عملت على أن تخرج تجربتي الشخصية من الإطار الخاص للسعي نحو مواجهة المشكلة بشكل عام، فصدر كتابي، لأنه فعلاً، يمكن أن يكون قاتلاً، وهناك من أقدموا بالفعل على الانتحار جراء الكلمات القاسية التي لا يدرك الناس مدى تأثيرها على الشخص، فهي بالفعل يمكن أن تدفعه لإنهاء حياته، وعملت في الكتاب على مدى عام ونصف العام، وواجهتني صعوبة كبيرة في قلة المراجع العربية التي تناقش هذه القضية، فلا بد من أن تكون من أولوياتنا، وحاولت في الكتاب أن أقدم تجربة متكاملة لتأثير التنمر وكيفية مواجهته والتركيز على أثره القاتل في حياة بعض الناس"، وأضافت، "بجانب الكتاب، حرصت على تقديم بعض الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية بفكرة تقبل الاختلاف، واستيعاب فكرة أن هناك فروقاً فردية بين الناس، وليس هناك مقياس أوحد للجمال، فالله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وكل شخص له جماله، وليس هناك معيار واحد للأشياء، كما يتعامل بعض الناس، وجمال الإنسان في الأساس ينبع من داخله".
مسؤولية ورسالة
وأطلقت منار على نفسها لقب وزيرة السعادة في إطار رحلتها لدعم الأشخاص المختلفين، وكُرمت من جهات متعددة لتبنيها مبادرات عدة لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام، "حمّلني كل تكريم حصلت عليه مسؤولية كبيرة، فالأمر تجاوز التجربة الشخصية ليصبح رسالة أتبناها وشيئاً ذا قيمة، وكان هذا دافعاً كبيراً للاستمرار في الطريق الذي بدأته لنشر ثقافة تقبل الاختلاف التي أتمنى أن يكون هناك حرص على غرسها في الأطفال منذ الصغر، لأن معظم المشكلات يعاني منها الأطفال في عمر مبكر، وتؤثر عليهم طوال حياتهم".