بدأ "حزب الله" و"حركة أمل" تباعاً، الجمعة، 15 أكتوبر (تشرين الأول)، بتشييع سبعة قتلى غالبيتهم من عناصرهما، سقطوا خلال المواجهات التي جرت الخميس (14 أكتوبر) في منطقة شكلت خط تماسٍ خلال سنوات الحرب الأهلية الأليمة في لبنان، بينما نفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ما ذكره أحد الإعلاميين عن زيارة قام بها المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت، القاضي طارق بيطار إلى الرئيس ميشال عون لإعلامه برغبته في التنحي عن التحقيق. وأكد مكتب الإعلام أن هذا الخبر "مختلق، ولا أساس له من الصحة، لا سيما أن الرئيس عون لم يلتقِ القاضي بيطار مطلقاً".
نفى مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية ما ذكره الإعلامي سيمون ابو فاضل عن زيارة قام بها القاضي طارق بيطار الى الرئيس عون لإعلامه برغبته في التنحي عن التحقيق في جريمة المرفأ. وأكد مكتب الإعلام ان هذا الخبر مختلق ولا اساس له من الصحة لاسيما وان الرئيس عون لم يلتق القاضي بيطار مطلقاً
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 15, 2021
لملمة الجراح
في غضون ذلك، كان أهالي مناطق الطيونة والشياح وعين الرمانة، يلملمون جراحهم ويتفقدون الأضرار التي لحقت بمنازلهم وممتلكاتهم، غداة الاشتباكات العنيفة التي أتت على وقع توتر سياسي مرتبط بمسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. ولم تخلُ مواكب تشييع القتلى من إطلاق الرصاص في الهواء وإطلاق المواقف الاتهامية، فقال رئيس الهيئة التنفيذية في "حركة أمل"، مصطفى الفوعاني، خلال الصلاة على جثمان حسن مشيك (أحد قتلى الاشتباكات) في بلدته الزعارير، غرب مدينة بعلبك، إن "ما حصل بالأمس جريمة غدر موصوفة وكمين محكم، والمدبرون والمنفذون مفترض أن يكونوا شركاء في الوطن، ولكن هؤلاء ما زالوا يعيشون الماضي، وغدرهم ومكرهم أقوى من انتمائهم لوطنهم. وأكثر ما يحزننا اليوم أننا قتلنا بقصد فاعل أراد إعادة عقارب الساعة إلى توقيت الحرب، فقط لأننا خرجنا سلميين نعترض على استنسابية قاضٍ ظالم آخر يريد هدم القضاء وتفجير البلد لأجل تحقيق أهواء سياسية ولتصفية حسابات".
في المقابل، اعتبر عضو تكتل "الجمهورية القوية"، التابع لـ"حزب القوات اللبنانية"، النائب بيار بو عاصي، أنه "لا تحية لمن سقط وهو يحمل السلاح ويطلق النار ويعرض حياة الناس للخطر، كونه سقط عن غير وجه حق"، لكنه وجه "تحية إجلال لأي ضحية سقطت وهي تتظاهر بشكل سلمي أو آمنة في منزلها"، مضيفاً أن "أي إنسان يحمل السلاح ويعرض الناس للخطر، على القوى الأمنية أن تحيده ولو استدعى الأمر أن تقتله، بالتالي يكون ذلك نتيجة تصرفه هو".
بعثة الاتحاد الأوروبي
من جهة أخرى، دانت بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان في بيان، حوادث الطيونة التي جرت "خلال تظاهرة ضد القاضي الذي يقود التحقيق في انفجار مرفأ بيروت" طارق بيطار. وأعربت البعثة عن تعازيها لأسر الضحايا، ودعت إلى ممارسة "أقصى درجات ضبط النفس لتجنب مزيد من الخسائر في الأرواح التي لا طائل منها".
وحضت بعثة الاتحاد الأوروبي كل الأطراف والقادة على "التصرف بهدوء ومسؤولية لمنع تصاعد العنف في هذه اللحظة الحرجة بالنسبة إلى لبنان. ويجب أن تكمن الأولوية في المعالجة البناءة والعاجلة لكل الأزمات التي يتحملها لبنان وشعبه منذ وقت طويل جداً".
وجددت "تأكيد ضرورة استكمال التحقيق في انفجار المرفأ في أقرب وقت ممكن. ويجب أن يكون التحقيق غير منحاز وذات صدقية وشفافاً ومستقلاً. ويجب السماح بمواصلة التحقيق دون أي تدخل في الإجراءات القانونية ويتعين في النهاية محاسبة المسؤولين عن الانفجار".
غداة العنف
وشهدت بيروت، الخميس، واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات في تصعيد خطير ينذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة يفترض أن تركز نشاطها على وضع خطة لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي المتحكمة بها منذ أكثر من سنتين.
وسيطر منذ مساء الخميس هدوء على منطقة الاشتباكات وسط انتشار كثيف للجيش اللبناني، ونصبه حواجز تفتيش للسيارات والآليات العابرة. وانهمك سكان بتفقد الأضرار التي طالت ممتلكاتهم، فيما عمل آخرون على إزالة الزجاج المتناثر في الشارع.
وكانت مستديرة الطيونة، الواقعة على بعد عشرات الأمتار من قصر العدل، حيث مكتب المحقق العدلي طارق بيطار، تحولت، الخميس، إلى ساحة حرب شهدت إطلاق رصاص كثيف وقذائف ثقيلة وانتشار قناصة على أسطح ابنية، على الرغم من وجود وحدات الجيش وتنفيذها انتشاراً سريعاً في المنطقة، التي تعد من خطوط التماس السابقة خلال الحرب الأهلية (1975-1990).
وأسفرت الاشتباكات التي لم تتضح ملابساتها حتى الآن عن مقتل سبعة أشخاص، بينهم شاب توفي، الجمعة، متأثراً بإصابته، بحسب وزارة الصحة اللبنانية. وبين القتلى أيضاً أم لخمسة أولاد، أصيبت بطلق ناري في رأسها أثناء وجودها في منزلها. وأصيب كذلك 32 شخصاً آخرين بجروح.
ونعت "حركة أمل"، وهي من أبرز الأحزاب التي شاركت في الحرب الأهلية، ويتزعمها رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري، ثلاثة من عناصرها، كما دعا "حزب الله"، القوة العسكرية والسياسية الأبرز في البلاد، بعد الظهر لتشييع عنصرين، إضافة إلى المرأة في الضاحية الجنوبية لبيروت.
موقف الجيش
بعد انتهاء الاشتباكات، أعلن الجيش أنه "أثناء توجه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة - بدارو"، بعد أن كان أعلن في وقت سابق عن تعرض محتجين لرشقات نارية أثناء توجههم إلى قصر العدل.
وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي بدوره أن "الإشكال بدأ باطلاق النار من خلال القنص"، الذي طبع مرحلة الحرب الأهلية، التي أنهكت جيلاً كاملاً من اللبنانيين، خصوصاً سكان مناطق خطوط التماس.
واتهم "حزب الله" وحركة أمل "مجموعات من حزب القوات اللبنانية"، أبرز الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية، ويعد اليوم معارضاً شرساً للحزب، بـ"الاعتداء المسلح" على مناصريهما.
واعتبر حزب القوات اتهامه "مرفوضاً جملة وتفصيلاً"، متهماً عناصر من الحزبين الشيعيين بـ"الدخول إلى الأحياء الآمنة".
وبالإضافة إلى ذكريات الحرب الأهلية، أعادت الاشتباكات إلى الأذهان ما حصل في مايو (أيار) 2008 حين تطورت أزمة سياسية في لبنان إلى معارك في الشارع بين "حزب الله" والأكثرية النيابية في ذلك الحين بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. وسيطر خلالها الحزب لأيام عدة على القسم الأكبر من الشطر الغربي لبيروت. وتوصلت الأطراف السياسية لاحقاً إلى تسوية خلال لقاء في العاصمة القطرية الدوحة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع إعلان الحكومة، الجمعة، يوم حداد رسمي قبل عطلة نهاية الأسبوع التي يعقبها، الاثنين، إغلاق لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، لن يكون بمقدور بيطار تحديد مواعيد لاستجواب ثلاثة وزراء سابقين هم نواب حاليون قبل الثلاثاء المقبل.
مصير الحكومة
ويرفض "الثنائي الشيعي" (حزب الله وحركة أمل)، وفق مصادر سياسية، أن تعقد الحكومة أي جلسة ما لم تكن مخصصة للبحث في الموقف من المحقق العدلي في انفجار المرفأ الذي أودى بحياة نحو 215 شخصاً وإصابة 6500 آخرين.
وتعد هذه أول أزمة سياسية تواجهها حكومة ميقاتي منذ تشكيلها في 10 سبتمبر (أيلول) الماضي، في وقت يفترض فيه أن تنكب على إيجاد حلول للانهيار الاقتصادي المستمر في البلاد منذ أكثر من عامين. ويقع على عاتقها استئناف مفاوضات مع صندوق النقد الدولي كما التحضير للانتخابات النيابية المزمع عقدها في مايو المقبل.
وتنتقد قوى سياسية عدة مسار التحقيق العدلي، لكن "الثنائي الشيعي" يشكل رأس حربة هذا الموقف الرافض لعمل القاضي بيطار في قضية انفجار عزته السلطات إلى تخزين كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم بلا تدابير وقائية. وتبين أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة.
وظهر الخلاف داخل الحكومة، الثلاثاء، مع إصرار نواب "الثنائي الشيعي" على تغيير المحقق العدلي مهددين باللجوء إلى الشارع. وجاء ذلك بعد إصداره مذكرة توقيف غيابية في حق وزير المالية السابق، النائب الحالي عن حركة أمل علي حسن خليل.
ومنذ ادعائه على رئيس الحكومة السابق حسان دياب ونواب ووزراء سابقين، من بينهم نائبان عن حركة أمل، ومسؤولون أمنيون، يخشى كثيرون أن تؤدي الضغوط السياسية إلى عزل بيطار على غرار سلفه فادي صوان الذي نحي في فبراير (شباط) الماضي، بعد ادعائه على مسؤولين سياسيين.