تواجه الحكومة العراقية الجديدة المرجح تشكيلها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، سلسلة من التحديات على كل المستويات، التي شكّلتها الظروف الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا سيما بعد 2003.
ويعدّ التحدي الاقتصادي الأبرز للحكومة، كون العراق يعتمد على الاستيراد الخارجي بشكل كبير جداً مع توقف المئات من المعامل الصناعية منذ 2003، إضافة إلى عدم استقرار أسعار النفط، وتعطل كثير من المشاريع الاقتصادية بسبب الأزمة المالية والظروف الأمنية التي شهدتها البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية، وكذلك تفشي الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة العراقية، الذي أخّر إنجاز عدد من المشاريع التنموية والنهوض بالبلاد اقتصادياً.
كما أشار مصطفى الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية، (تصريف الأعمال) إلى أن "التحديات المقبلة كثيرة، وعلى رأسها الاقتصاد"، مؤكداً "بدأنا بالعمل ونتطلع إلى استكمال هذه الجهود في الحكومة المقبلة، وبالتعاون والتكاتف والعمل الجاد نستطيع اجتياز جميع التحديات".
برنامج إنمائي
وفي هذا الشأن، يقول المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي مظهر محمد صالح، "سيتعايش الاقتصاد بقوة مع دورة الأصول النفطية، إذ سيتعاظم الطلب العالمي على المحروقات مع ارتفاع معدلات النمو في الاقتصاد العالمي ودخول الوباء الذي تمثله جائحة كورونا دورة الخمول وبشكل معكوس ستنمو أسواق الطاقة. وبناء على ما تقدم، فإن العراق سيتعدى إنتاجه من النفط الخام ستة ملايين برميل تعززه عوائد عالية بلا شك".
ويضيف صالح في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "مثل هذا التغيّر الكبير في تدفقات العراق المالية يتطلب بلا شك برنامجاً إنمائياً واسعاً، قوامه خطة تنمية رأس المال البشري، وأساسه إشاعة التعليم الإلزامي، وبرنامج فاعل بمسارين في تنمية رأس المال المادي، ويتمثل بشقين، الأول: إعادة تشكيل البنية التحتية للعراق بشكليها الاستراتيجي العابر للمحافظات، لا سيما الموانئ وشبكات السكك الحديد والنقل البري والاقتصاد الرقمي. والآخر، يتلخص في أولوية تنمية البنية التحتية الخدمية للمناطق والمدن والقصبات بتوافر الاستثمار الحكومي في الرباعية الخدمية الأساسية التي تمثلها: مياه الشرب والصرف الصحي والكهرباء وتعبيد الطرق، وهي من مهمات الدولة المباشرة في رصد التخصيصات المناسبة في الموازنة الاستثمارية، التي ينبغي توصيفها تفصيلاً في خطة خمسية رصينة للإعمار في البنية التحتية المادية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير مستشار رئيس الوزراء العراقي إلى المسار الإنمائي الثاني، الذي "ينصرف إلى دور الدولة في تنمية مؤسسات السوق بشقّيها الإنتاجي والخدمي الذي يقتضي تطوير البنية التحتية القانونية والنظامية التي تنهض بمؤسسات السوق بإشاعة الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص والدخول في نظام السوق الاجتماعي الذي يتطلب إشاعة نظام ميسر لتسجيل الشركات الذي يرتبط بأمرين محفزين: الأول، توفير التمويل الإنمائي الميسر عبر صندوق تنمية وطني حكومي أو مدعوم حكومياً، وذلك بمنح القروض للشركات الناشئة والناجحة حتى إن كانت صغيرة على أن تحصل الشركات الناجحة على إعفاءات ضريبية، كلما ازدادت القيمة المضافة للنشاط وتزايدت نسب التشغيل، والثاني، إعادة تنظيم سوق العمل باتجاه حصر قوة العمل وتوصيف مهاراتها وجغرافية اشتغالها وذلك باستحداث رقم وطني ونظام رقمي متقدم لمعرفة العاملين في القطاع الخاص، على أن يتم إعداده بالتعاون بين وزارتي التخطيط والعمل والشؤون الاجتماعية لرسم خريطة سوق العمل العراقية، وبما يمكّن من معرفة دوال العرض والطلب واستقرار سوق العمل من خلال التعرف إلى مستويات التشغيل ونسب البطالة الفعلية، لا سيما مستويات البطالة خارج الكسر الطبيعي المقبول والمعتمد للبطالة والمقدر بنحو ثلاثة في المئة".
ويشير صالح إلى "توليد مناخ من التجانس في سوق العمل نفسه بين العاملين في القطاع الخاص وفي الدولة، ما يقتضي توافر مرونة عالية في الانتقال بين الوظائف بين القطاعين وبحسب الحاجة، على أن يوجد صندوق تقاعد وطني مشترك وموحد للعاملين في الدولة والقطاع الخاص على حد سواء دونما تمييز، فضلاً عن توفير الحدود المقبولة لتجانس الأجور والرواتب بحسب المهارات للعاملين في الدولة".
أولويات الحكومة والبرلمان
يعتقد الباحث في الشأن الاقتصادي والسياسي نبيل جبار العلي بأن تحديات الاقتصاد العراقي ستكون أبرز أولويات الحكومة والبرلمان المقبلين، خصوصاً بعد زوال خطر الإرهاب وتحسّن الوضع الأمني الذي كان يشغل المرتبة الأولى في أولويات السلطات منذ 2003.
ويقول العلي في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، "الإصلاحات الاقتصادية بقطاعاتها المختلفة باتت من الضروريات، خصوصاً أن حراك أكتوبر (تشرين الأول) 2019 كانت أسباب اندلاعه الأساسية هي تنفيذ مطالب اقتصادية وخدمية، وأن إجراء انتخابات مبكرة هي لمعالجة هذا الخلل الواضح في القصور الحكومي عن معالجة المشكلات الاقتصادية، ومنها ازدياد نسبة البطالة والفقر والتقصير في أداء واجبات الحكومة في توفير الخدمات الأساسية، ومنها الكهرباء والماء وتوفير المدارس والمستشفيات وغيرها".
ويضيف، "من المفترض أن يتناغم كل من الحكومة والبرلمان المقبلين من أجل إجراء مجموعة كبيرة من الإصلاحات الاقتصادية عبر سن تشريعات وقوانين متعلقة بذلك، وعلى رأسها قانون النفط والغاز الذي ينظم العلاقة بين كردستان وحكومة بغداد حول الإيرادات للموارد الطبيعية، وقوانين أخرى تخص الشراكة بين القطاع العام والخاص، ومراجعة للسياسة النقدية التي بدت مرتبكة، وأضرت بالفرد العراقي خلال عام 2021، وتقنين الإنفاق الحالي للحكومات، وتوجيه الفائض من الإيراد نحو الموازنات الاستثمارية، وإعادة رسم سلم الرواتب الحكومية بما يتلاءم مع تحقيق العدالة الاجتماعية الاقتصادية لموظفي الدولة".
القضاء على الفساد
بدوره، يرى الباحث الاقتصادي إيفان شاكر أن الحكومات العراقية المتعاقبة خلال 18 عاماً "شُكّلت بأجندات خارجية وكانت محاصصة"، وطيلة 18 عاماً "كانت في الأساس متهمة بالفساد"، لافتاً إلى أنه حتى الآن "الطبقة السياسية ذاتها تحكم البلاد"، ولذلك "لا أتصور بأن تشكل أي حكومة وطنية في ظل وجود هذه الطبقة المتهمة بالفساد أساساً".
ويقول، "من الصعب أن تكون أولوية الحكومة المقبلة مواجهة التحديات الاقتصادية، لأن هذه الطبقة السياسية المتنفذة والمسيطرة على جميع مفاصل الدولة لا تملك أي فكر اقتصادي، وطيلة 18 عاماً لم يشهد العراق أي شخصية حكومية مميزة ذات فكر اقتصادي عالٍ، بالعكس كل الذين تقلّدوا مناصب الدولة المتعلقة بالاقتصاد لم يكونوا أهل اختصاص وكفاءة بسبب المحاصصة".
ويتوقع شاكر في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، بأن "تمضي بمنهاج حكومات المحاصصة ذاته، لذلك ستكون عرضة للفساد، لكن في حال شُكّلت حكومة وطنية، حينها من الممكن مواجهة التحديات الاقتصادية والقضاء على الفساد، لكن هذا الأمر مستبعد تماماً في ظل وجود هذه الطبقة السياسية".