يروج المغني جاستن بيبر لسجائر قنب (حشيش) مسبقة اللف مُطلقاً عليها اسم "بيتشيز" (دراق)، الاسم المستل من أغنية في أحد ألبوماته. والنجم يفعل ذلك بالتعاون مع شركة "بالمز بارتنرز"، المتمركزة في لوس أنجليس، والمتخصصة في بيع علب تحوي سبع لفائف قنب بسعر 32 دولاراً أميركياً (24 جنيهاً استرلينياً)، في كاليفورنيا ونيفادا. وعن ذلك يقول، "أنا معجب بـ(شركة) بالمز وبعملها المتمثل بإتاحة القنب والمساعدة في رفع الوصمة (السيئة) عنه، خصوصاً بالنسبة للأشخاص الذين يجدونه مفيداً لصحتهم النفسية".
وبيبر هو واحد من ائتلاف غريب لأشخاص يسعون إلى تشريع مادة القنب (الماريجوانا)، نظراً لمزاياها المفيدة للصحة، أو لأنهم يعتقدون أن تجريم تداولها [حظر استخدامها أو الاتجار بها] قد فشل، وأثبت عدم فاعليته. وتزعم إعلانات على الإنترنت في الولايات المتحدة تروج لمزايا القنب في الترويح عن النفس، بأنه مضاد للاكتئاب. وبحسب تقارير، فإن شركة "أمازون"، أكبر شركة لخدمات التوصيل في العالم، تقوم بحشد التأييد في واشنطن لتشريع الماريجوانا على مستوى فيدرالي.
أما في بريطانيا، فقد كتب الزعيم السابق لحزب المحافظين، ويليام هيغ، ضمن مقالة رأي في صحيفة داعياً إلى الانتقال "من اعتبار استخدام المخدرات مسألة جرمية، إلى اعتباره مسألة صحية، وهو الأمر الذي سيحقق تحولاً ثقافياً أساسياً" كما قال. وأثنى هيغ على البرتغال التي أعادت النظر في تهمة الجنحة التي كانت تنطبق على من يحمل أو يشتري المخدرات للاستهلاك الشخصي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والواقع، فإن مسألة تشريع مادة القنب وإتاحتها للتبادل التجاري كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في أمكنة عديدة، كالأوروغواي وكندا، وفي 10 ولايات على الأقل في الولايات المتحدة الأميركية، لكن المفارقة هنا تتمثل في أن التحول باتجاه التسامح مع القنب، من ناحية ضآلة أذاه إلى حد ما، تتزامن اليوم مع خلاصة بحثية يقدمها العلماء تثبت العلاقة بين القنب وبين الذهان (التعبير الألطف من كلمتي "جنون" أو "خبل"، اللتين تحملان نفس المعنى). والعلاقة السببية [بين القنب والذهان] باتا مثبتين اليوم، شأن العلاقة بين تدخين السجائر وبين سرطان الرئة.
في السياق ذاته، ذكرت مقالة للسير روبن موراي من "معهد الطب العقلي وعلم النفس وعلوم الأعصاب" في جامعة "كينغز كوليدج لندن" و"مركز واين هول الوطني للأبحاث المتعلقة بتناول المخدرات بين الشباب" بجامعة "كوينزلاند"، أن "عدداً كبيراً من الدراسات المستقبلية (التي تنظر بالظواهر المحتملة قبل حدوثها)، أظهر أن استخدام القنب يحمل مخاطر متزايدة للإصابة لاحقاً بذهان [اختلال عقلي] مثل الفصام".
وأشارت هذه الدراسات إلى دراسة أخرى أظهرت أنه على الرغم من اعتبار البرتغال رائدة في التعامل مع المخدرات وجبهها، فإن نسبة إصابات الاختلالات العقلية الذهانية التي تقتضي الدخول إلى المستشفى، ازدادت بمعدل 29 مرة منذ إلغاء التجريم [حظر المخدرات] قبل 15 سنة. كما أن دراسة أخرى احتسبت ولاحظت أن بين الـ30 في المئة والـ50 في المئة من إصابات الذهان الجديدة في لندن وأمستردام، كان يمكن أن لا تحصل لو أن الفرد الذي تعرض لها لا يدخن القنب ذا الفاعلية الكبيرة.
أما معايناتي وملاحظاتي الشخصية فتؤكد التالي: قال لي الأطباء في مستشفيات الأمراض العقلية إنهم تقريباً ما عادوا يتكبدون عناء سؤال المرضى إن كانوا قد تناولوا القنب، بل هم ببساطة يفترضون أنهم تناولوه. والأحوال هذه شهدت تردياً مع الزيادة الجامحة بنسبة الـ"تي أتش سي" THC، المادة ذات التأثير النفساني التي يحويها القنب، والمؤدية إلى "الانتشاء". هذه المادة كانت في الماضي بمعدل 3 في المئة، وقد ارتفعت إلى معدلي 10 و15 في المئة في كل من أوروبا وأميركا الشمالية، غير أن نسبة هذه المادة في كولورادو، الولاية الأولى التي شرعت استخدام القنب لدواعي التعافي والترويح عن النفس، قد تبلغ الـ70 في المئة. كما أن الأشخاص الذين يتناولون القنب يومياً، خصوصاً إن كانوا في أعمار شابة، يواجهون خطراً متزايداً في التعرض لانهيار نفسي.
وهنا نسأل، إن كان القنب قد بلغ سلفاً "لحظة التبغ"، حيث إن الضرر الذي يسببه بات مثبتاً علمياً (كحال التبغ)، لماذا يريد مشاهير أمثال جاستن بيبر رفع الوصمة عنه وإقناع المستهلكين بأنه سيحسن صحتهم النفسية؟
في السياق التاريخي، إن جزءاً من الحماسة للقنب يتصل بارتباطه القديم بأسلوب الحياة البوهيمية وبـ"الستينيات المتأرجحة" [ثورة تحرر ثقافي واجتماعي في المملكة المتحدة]. إلا أن الضغوط التجارية اليوم هي ما بات أكثر أهمية في حملات حشد التأييد بغية تشريعه. فأصحاب المصالح والشركات يرون إمكانية لجني المال منه: المبيعات المشروعة المتوقعة للقنب قد تبلغ 66.3 مليار دولار أميركي مع حلول سنة 2025، وفق ما يشير أحد التقارير. وهذه الأرباح الكبيرة ستمول حملات الإعلان وتحشيد التأييد، التي بدورها ستبيض صفحة هذا المخدر وتسعى للتشكيك بالضرر الذي يسببه أو إلى حرف الانتباه عن الضرر المذكور.
وكان قطاع صناعة السجائر قد قام بالأمر ذاته قبل قرن من الزمن، فقام بتمويل خبراء "مستقلين" سعوا إلى طمس أو تكذيب الأدلة التي تشير إلى تسبب التدخين بالسرطان. كما أغويت الحكومات بعائدات ضرائب مرتفعة تجنيها من مبيعات التبغ، فأحجمت عن القيام بأي شيء لتقليصها.
كذلك قام نجوم من هوليوود، أمثال جون واين وكلارك غايبل وسبنسير ترايسي، بسعادة غامرة – ومربحة – بتمجيد السجائر، إلى حد يحاكي ما يحصل اليوم بالنسبة للقنب، إذ إن الشركات (المهتمة بمادة القنب) الساعية لأن تحذو حذو شركات التبغ في عز مرحلة ربحها، شكلت تحالف أمر واقع مع ليبراليين وتقدميين خائفين من الفوضى العارمة الناتجة من السياسات الحكومية تجاه المخدرات، حيث تسببت تلك السياسات في إطار ما يطلق عليه "الحرب على المخدرات" في الولايات المتحدة، بزيادة [معدلات] البؤس أكثر مما قد تسببه النزاعات العسكرية، خصوصاً في أوساط السود الاجتماعية على ما يبدو جلياً.
بيد أن تضخيم ردة الفعل تجاه فشل الحكومة، واستثارة إيحاءات تأخذنا في الاتجاه المعاكس، لهما المخاطر ذاتها. فأولئك الذين يؤيدون تسامحاً أكبر تجاه المخدرات هم دائماً تقريباً يفكرون بالقنب باعتباره أقل سفالة من الهيروين والكوكايين. غير أنني التقيت أطباء نفسيين ذوي خبرة طويلة في التعامل مع ضحايا المخدرات بمختلف أنواعها، وهم يرون أن القنب أخطر من أي مخدرات أخرى، لأنه قادر على إيذاء أعداد أكبر من الناس.
ومن ناحية الأرقام، فإن نحو 3 ملايين شخص في إنجلترا وويلز يتناولون مخدرات غير مشروعة، و2.5 مليون شخص منهم يستهلكون القنب، و10 في المئة من هؤلاء استهلكوه يومياً بين 2017 و2018، وفق مراجعة لتقرير عن المخدرات قامت بها دايم كارول بلاك. وقد جرى إنتاج كميات كبيرة من هذا القنب في المملكة المتحدة، وأحياناً على يد جماعات فيتنامية للجريمة المنظمة تعتمد العمالة الاسترقاقية [العبودية]. كما أن معظم العنف الذي تستدعيه المخدرات يقع بين العصابات المتحكمة بأسواق الهيروين والكوكايين، هذه الأسواق التي تبلغ قيمتها في السنة الواحدة نحو 5 مليارات جنيه استرليني. بالتالي، فإن نزع التجريم عن المخدرات، تحديداً القنب، لن يؤثر على خريطة النفوذ وحصة السوق في هذه المعركة، إذ إن خطوط الإمداد شديدة الاختلاف بين أسواق المخدرات المختلفة، حيث تتولى عصابات تركية وباكستانية بيع وتوزيع الهيروين القادم من أفغانستان، فيما تتحكم عصابات ألبانية بالكوكايين القادم من أميركا اللاتينية.
من هنا، يمكن القول إن قانون القنب لن يؤثر سلباً [ويلحق الضرر بها] في جماعات الجريمة المنظمة، لكنه سيجعل المخدرات أكثر توفراً على نطاق واسع. وحسبان مؤيدي القانون أن الحكومة ستتشدد في ضبط وتنظيم نوعية المخدرات ومبيعاتها، ليس سوى من بنات فكرة ساذجة. فالسلطات التي لا تستطيع التحكم بالمخدرات حين تكون ممنوعة، ستكون أقل قدرة في التحكم حين تغدو المخدرات مسموحة. إلا أن التشريع – كذلك رفع التجريم المحدود حتى – سيبعث برسالة عامة مفادها أن تناول القنب يمثل أمراً حميداً ولا يلحق بالمرء أذى كبيراً، بالتالي فإن الأثر الرادع لعدم مشروعيته السابقة سيتبدد، وسيغدو القنب مثل الكحول والتبغ.
وما إن يغدو القنب متوفراً تجارياً، فإن جميع الوسائل الإقناعية التي سبق استخدامها من قبل شركات إنتاج التبغ ستفعل ثانيةً، كما يحصل في الولايات المتحدة من دون توقف. وسيقوم مشاهير أمثال جاستن بيبر "بمحو الوصمة" عن المخدر ومنحه بريقاً يناسب حياة الشباب والموضة. في الماضي، كان ضحايا شركات التبغ يلفظون ما في رئتي كل منهم [يستنفدونها] من دون أن ينتبه إليهم أحد في المجتمع العريض. الآن جاء دور ضحايا القنب كي يختفوا ويتبدد أثرهم في مستشفيات الأمراض العقلية، من دون أن يلاحظ ذلك كثيرون.
© The Independent