يتحسس لاجئون سوريون بكثير من التفاؤل طريقهم الجديد باتجاه أوروبا، فعلى الرغم من أن الهجرة الأوسع عام 2015 كانت بفعل الحرب واقتتال أهلي دام قرابة عقد من الزمن ما زالت فصوله مستمرة ومستعرة، فإنها اليوم تأتي هرباً من نتائج النزاع الوخيمة والتداعيات الاقتصادية التي يعيشها الناس.
ويختار المهاجرون الجدد طريقاً جديداً أكثر يسراً بعد تضييق يمارسه حرس الحدود التركي على السوريين ليعبروا حدودهم الإقليمية ذهاباً إلى تركيا عبر زوارق صيد صغيرة، وصولاً إلى الجزيرة اليونانية، ومنها إلى أوروبا، لكن بأي حال فإن الطريق البيلاروسي هذه الأيام سهل العبور، ويلاقي الكثير من الإقبال.
الحياة في الجنة الأوروبية
ويتدفق المهاجرون بالمئات إلى ألمانيا في مسعى لتحقيق حلم الوصول للقارة الأوروبية والتخلص من حياة الحصار والحرب التي يعيشونها، فيما أعلنت الهيئة الاتحادية للهجرة وشؤون اللاجئين بألمانيا يوم 17 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي ارتفاع أعداد طلبات اللجوء هذا العام، حيث تلقت مئة ألف و278 طلباً للحصول على حق اللجوء حتى نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
وبهذا العدد الكبير من الوافدين الجدد تكون الزيادة بنسبة 35,2 في المئة عن العام الماضي، على الرغم من أن العدد في عام 2020 في المجمل كان متأثراً بتفشي فيروس كورونا وإغلاق الحدود وتوقف حركة الطيران، كما اتسمت طلبات اللجوء، وفق البيانات الألمانية، بالتراجع بين عامي 2016 و2020، وحدد تقرير الهيئة في السياق ذاته إلى أن جنسيات المهاجرين تنحدر بمعظمها من سوريا وأفغانستان والعراق.
لا يخلو الأمر من النصب والاحتيال
وتعج وسائل التواصل الاجتماعي بإعلانات الهجرة إلى أوروبا عن طريق بيلاروس، مروراً بليتوانيا، حيث يقدم المهربون عروضاً سخية للحصول على تأشيرات السفر وإقامات في فنادق، وغيرها من الخدمات، وبسبب الطلب الواسع ارتفعت تأشيرة السفر التي تصل إلى ما يقارب 100 دولار، وللطلاب بـ40 دولاراً إلى أثمان مضاعفة.
وفي حين يظفر المهاجر السوري إلى تلك البلاد بالعبور بعد وصوله إلى بيلاروس إلى ليتوانيا (يبلغ طول الحدود 680 كيلومتراً)، يفلح في المقابل مهربون في صيد زبائن واستغلال حاجتهم وحلمهم بالهجرة، واستنزاف أموالهم.
سوريون ودعوات مزيفة
ما حدث أخيراً من وصول 400 سوري إلى مطار مينسك، حيث علقوا بعد ما حصل المهربون على أموال منهم، ورميهم بقاعات المطار البيلاروسي، قبل شهر تقريباً، يعد من أكثر المواقف التي كشفت عما يحدث من مجريات هجرة غير شرعية لا تتوقف، وبعد تحري "اندبندنت عربية" من مصدر على اطلاع بالقضية أكد أن مشكلة المهاجرين العالقين قد حُسمت وساعدتهم السلطات من كلا الجانبين البيلاروسي والسوري. وأردف: "لقد دخل نحو 700 من جنسيات مختلفة منهم 400 سوري، والباقي من العراقيين والأفغان، وغيرهم، وكل يوم يصل المزيد، بالتالي لا يمكن حصر العدد. لقد علمنا بالنسبة للسوريين أنه تم حصر منح السمات في السفارة البيلاروسية بدمشق، ولسنا متأكدين بعد من ذلك".
ويعزو سبب وجود سوريين عالقين في المطار لعدم استكمال الأوراق اللازمة للحصول على سمات الدخول، لافتاً النظر "إلى وصول جزء منهم بناءً على دعوات وهمية أو مزورة، بالإضافة إلى أن السلطات الرسمية المتخصصة تواصلت مع سلطات المطار للمساعدة والحصول على الموافقة لإرسال وتوزيع الطعام والمياه للمواطنين العالقين من قبل بعض أبناء الجالية".
بيلاروس والعلاقة المتوترة مع أوروبا
إزاء ذلك، تتكرر تلك الحالات يوماً بعد يوم في ظل استمرار تدفق المهاجرين الجدد، وفي وقت يعزو فيه الناشط في شؤون الهجرة، تيسير المشرف، سبب اختيار هذا الطريق الجديد من التهريب لعدة عوامل سياسية مساعدة، وهي العلاقة المتوترة بين بيلاروس وأوروبا، حيث فتحت العاصمة مينسك ذراعيها للاجئين، ولوّحت بالهجرة الشرعية كورقة بالضغط على الاتحاد الأوروبي.
ويأتي هذا الدعم البيلاروسي الجديد للمهاجرين عقب فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية على 166 شخصية و15 كياناً لأسباب تتعلق بانتهاك حقوق الإنسان، وإغلاق الاتحاد الأوروبي مجاله الجوي ومطاراته أمام شركات الطيران البيلاروسية بعد أن أجبرت السلطات البيلاروسية طائرة ركاب إيرلندية على الهبوط في مطار مينسك، واعتقلت المعارض البيلاروسي رومان بروتاسفيتش، ومنذ ذلك الحين ارتفع عدد المهاجرين ليصل إلى 2500 مهاجر هذا العام.
غضب أوروبي من استغلال المهاجرين
من جهة ثانية، بث وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، جملة من الإجراءات الأمنية المشددة على حدود بلاده مع بولندا لضبط آلية العمل الأمني على الحدود، والحفاظ عليه من الانهيار، كما حدث في عام 2015 من تدفق موجة من المهاجرين.
واتهم وزير الخارجية الليتواني، غابرليوس لاندسبيرجيس، "جلب مينسك المهاجرين عبر مكاتب سياحية مملوكة لبيلاروس من بغداد أو إسطنبول وإرسالهم لبلادنا، ومن ثم أوروبا"، في حين يروي المشرف في حديثه لـ"اندبندنت عربية" عن حالات احتيال لمجموعات التهريب، حيث يحصلون على آلاف الدولارات من الحالمين بحياة أفضل للوصول إلى أوروبا، ولكنهم بعد قبضهم كامل المبلغ أو جزءاً منه يرمونهم في المطارات ويفقدون الاتصال بهم.
وأعلن في وقت سابق الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، "لن نوقف أحداً، فالناس في طريقهم من مناطق الحرب إلى أوروبا الدافئة والمريحة"، وفي المقابل أعلنت ليتوانيا حالة الطوارئ بعد تدفق مئات المهاجرين عبر الحدود البيلاروسية بشكل شبه يومي، واحتجزت شرطة الحدود الليتوانية أكثر من 1500 مهاجر عبر الحدود مقارنة بـ80 مهاجراً فقط في العام الماضي.
ويتحدث المتخصص القانوني والناشط في شؤون الهجرة، تيسير المشرف، عن وصول سوريين إلى ألمانيا طالبين حق اللجوء، وقد أنفق كل منهم بين 4000 و5000 دولار، "الطريق خطير جداً، ويزداد خطورة مع دخول فصل الشتاء في بلاد شديدة البرودة، وتعرض الكثيرون بحسب ما رواه لي بعض من وصل، للسرقة، والنصب والاحتيال، وآخرون من ملاحقة رجال الجيش الذين ينتشرون على طول الحدود".