تبذل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن جهوداً مضاعفة لتخفيف الضغط الشديد على سلاسل التوريد، والتي تسببت في تترك أرفف المتاجر فارغة مع تأخيرات طويلة في الشحن، لكن المحور الرئيس الذي تتحرك فيه إدارة بايدن هو سباق مدته 90 يوماً، تم الإعلان عنه قبل أيام، ويهدف إلى فك ازدحام الموانئ عن طريق نقل ميناء لوس أنجليس، أحد أكثر الموانئ ازدحاماً على هذا الكوكب. وتدخل الرئيس الأميركي جو بايدن ليعلن أن عدداً كبيراً من الشركات تعهدت بزيادة كمية البضائع التي سيتم شحنها خلال الأيام المقبلة.
ووفق تقرير لشبكة "سي أن أن"، فقد وصفت مصادر بقطاع الصناعة، هذه الجهود بـ"الخطوة المهمة التي من شأنها أن تساعد على إنهاء الأزمة التي تواجهها سلاسل التوريد، لكن بالتأكيد فإن الأزمة لن تنتهي، إذ تحوم أزمة سلاسل التوريد بشكل ينذر بالسوء فوق الاقتصاد الأميركي في موسم التسوق والعطلات المقبل.
ويرى كبير الاقتصاديين في "موديز أناليتكس"، تيم يو، أن "البيت الأبيض يفعل الشيء الصحيح، لكنني لن أصفها بأنها تغيير في قواعد اللعبة. إنها خطوة في الاتجاه الصحيح. يجب أن يمهد الانتقال إلى التشغيل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، الطريق لزيادة تدفق الحاويات بنسبة 10 في المئة". ويرى أنه "في حالة عدم اتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة، فمن المرجح أن يزداد الوضع سوءاً".
ما دور الشركات الخاصة في الأزمة؟
وقال جيف فريمان، الرئيس التنفيذي لاتحاد العلامات التجارية للمستهلكين، وهي مجموعة تجارية تمثل "كوكا كولا"، إن "الانتقال إلى عمليات 24/7 محل تقدير ومرحب به". ووصف هذا الإجراء بأنه "ثمار متدلية وخطوة تالية واضحة نسبياً". وأشار إلى أن هذا لن يحل مشكلة نقص الشاحنات والسائقين لإخراج البضائع من الموانئ.
أضاف: "نحن أمام قضية واحدة... هناك الكثير الذي يمكن للحكومة الفيدرالية أن تفعله بمفردها، لكن يتم التحكم في جزء كبير من النظام من قبل الشركات الخاصة، بما فيها شركات النقل بالشاحنات والمستودعات ومشغلو الموانئ والسكك الحديدية. التحدي الأكبر هو الحجم الهائل لكابوس سلسلة التوريد هذا أنه يتجاوز بكثير الازدحام المروري لسفن الحاويات المتوقفة خارج موانئ لوس أنجليس ولونغ بيتش، ويتضمن نقصاً عالمياً في سائقي الشاحنات ورقائق الكمبيوتر والمكونات الأخرى، بالإضافة إلى مئات الآلاف من البحارة العالقين في البحر بسبب البلدان التي لديها قواعد فيروس كورونا مختلفة وقواعد أخرى".
تابع: "ناهيك بالازدحام في الموانئ الأخرى، بما فيها سافانا، حيث يقال إن هناك 80 ألف حاوية مذهلة مكدسة، على الرغم من أن الميناء يعمل بالفعل على مدار الساعة". وقال تيم يو: "هذا الوضع ليس في الولايات المتحدة الأميركية فقط. أميركا لن تصلح كل شيء بنفسها. هذه قضية عالمية".
لهذا السبب، وعلى الرغم من التحركات التي أعلنها البيت الأبيض خلال الأيام الماضية، فإن المحلل الاقتصادي في وكالة "موديز" اعتبر أن الإدارة الأميركية متلزمة بالدعوة التي أطلقتها في وقت سابق من هذا الأسبوع، حين أعلنت أن أزمة سلسلة التوريد العالمية ستزداد سوءاً قبل أن تتحسن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأزمة مستمرة حتى عام 2022
وكشف التقرير عن أن غالبية المسؤولين الماليين الذين تم استطلاع آرائهم من قبل جامعة ديوك في وقت سابق من هذا الخريف، يتوقعون أن تستمر مشاكل سلسلة التوريد حتى عام 2022، فيما يتوقع 10 في المئة منهم فقط زوال هذه الصعوبات هذا العام.
وعلى الرغم من ذلك، فإن البعض الآخر أكثر تفاؤلاً، إذ يرى جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لشركة "جي بي مورغان تيشز"، أن "هناك فرصة جيدة جداً. بعد عام من الآن لن نتحدث عن سلاسل التوريد على الإطلاق". وربما يكون هذا خبراً رائعاً بالنظر إلى الآثار المضاعفة الكبيرة لأزمة سلسلة التوريد الآن، ولكن قد يؤدي النقص ومشاكل الشحن إلى رفع الأسعار بوتيرة تنذر بالخطر. فقد ارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 5.4 في المئة خلال شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي أسرع قفزة في 12 شهراً منذ عام 2008، فيما ارتفعت أسعار السيارات الجديدة بأسرع وتيرة منذ عام 1980، وهو انعكاس لنقص رقائق الكمبيوتر في جميع أنحاء العالم، والذي أجبر شركات "فورد" و"جنرال موتورز" و"جي أم" والشركات المصنعة الأخرى على خفض الإنتاج.
تقادم البنية التحتية ونقص سائقي الشاحنات
في الوقت الذي تسعى فيه الشركات الأميركية جاهدةً إلى إخماد الحرائق التي سببتها هذه المشاكل اللوجيستية، فقد حذرت شركة "نايك"، من نقص الحاويات ونقص العمال ومشاكل أخرى ستؤثر على إنتاج وتسليم الأحذية الرياضية وغيرها من السلع في جميع أنحاء العالم. وكل هذا يعني أن المتسوقين في موسم الأعياد هذا يجب أن يستعدوا لارتفاع الأسعار وخيارات أقل وأوقات شحن أطول.
وعلى الرغم من أن أزمة سلسلة التوريد كانت مدفوعة إلى حد كبير بسبب التداعيات الخطيرة التي خلفتها جائحة فيروس كورونا المستجد، فإن الوباء كشف فقط عن نقاط الضعف التي كانت تتفاقم تحت السطح لسنوات أو حتى عقود. ويشمل ذلك النقص المزمن في الاستثمار في البنية التحتية، وهي قضية سيتم معالجتها (بمرور الوقت) من خلال مشروع قانون البنية التحتية من الحزبين.
ويظل النقص في سائقي الشاحنات الحلقة الأضعف في سلاسل التوريد العالمية. إنه السبب نفسه في نفاد الوقود في محطات الوقود في المملكة المتحدة أخيراً، وساعد على المساهمة في نقص البنزين في الولايات المتحدة في وقت سابق من هذا العام. وترى وكالة "موديز"، أنه "إذا استمر النقص في سائقي الشاحنات، فقد يعود الازدحام في الموانئ بشكل كبير".
هل يتدخل الحرس الوطني؟
وفي الوقت نفسه، حث مسؤولو الإدارة الأميركية خلال اجتماع يوم الأربعاء الماضي، على النظر في مناهج جديدة، بما في ذلك استخدام التأشيرات المؤقتة لملء الوظائف الشاغرة و"الاستخدام المستهدف" للحرس الوطني لمعالجة الاختناقات أينما تكون، بما في ذلك إزالة البضائع من السفن أو إخراج البضائع من أحواض بناء السفن. وأضافت "موديز": "بينما لم نصل الآن إلى مرحلة تتطلب تنفيذها، نشعر أنه من المهم وضع كل شيء على الطاولة".
إنها خطوة تم اتخاذها سابقاً خلال ذروة كورونا، بما في ذلك توزيع اللقاحات ومساعدة المستشفيات وقيادة الشاحنات المدرسية. وفي بريطانيا، تم نشر الجيش لتوصيل الوقود لإنهاء أيام النقص. تابعت الوكالة: "من المرجح أن كل ما نتحدث عنه في صناعة السلع الاستهلاكية المعبأة يشير إلى أن الضغط سيزداد في الأشهر المقبلة، وليس هناك ما يشير إلى أن البيت الأبيض يفكر بشكل جدي في استخدام أفراد الحرس الوطني في أزمة سلسلة التوريد".
ووفق بيان حديث، أعلن مسؤولون في البيت الأبيض، أن الإدارة الأميركية تواصل التقييم والمراقبة، وأكدت أن "جميع الخيارات مطروحة. المسؤولون سيقيمون الأفكار التي نوقشت مع أصحاب المصلحة في القطاع الخاص، لكن لا توجد حلول سهلة".
ولم يرفض عاملون في سلسلة التوريد فكرة استخدام الحرس الوطني. ويرى دوغلاس كينت، نائب الرئيس التنفيذي للاستراتيجية والتحالفات في رابطة إدارة سلسلة التوريد، أنه "يجب على أي شخص أن يرحب بالتفكير خارج الصندوق في هذه المرحلة، لأنها كارثة حقاً".
وأوضح أن "نهج الإسعافات الأولية، مثل نشر الحرس الوطني، لن يحل المشاكل طويلة المدى، بما في ذلك نقص العمال. أزمة سلسلة التوريد هذه تتكون وتتفاقم منذ سنوات، ولا ينبغي لأحد أن يتوقع أن تختفي بين عشية وضحاها".