كُشف أخيراً أنّ الوزراء لم يتحرّكوا قيد أنملة لالتزام التوصيات الرسمية التي صدرت في مجال مكافحة صعود التطرّف في بريطانيا.
على امتداد ثلاث سنوات، أصدرت لجنة مكافحة التطرّف- التي أسستها تيريزا ماي في أعقاب الهجوم على قاعة الحفلات، مانشستر أرينا- عدة تنبهات إلى وجوب بذل المزيد من الجهد من أجل التصدّي للمخاطر المستجدة التي تواجهها المملكة المتحدة، بما فيها سدّ الثغرات القانونية التي سمحت للشخصيات التي ألهمت الإرهابيين بالإفلات [من العقاب].
ولكن الوزراء لم يرسلوا أي ردّ رسمي على أيّ من التقارير التي أطلقتها الهيئة منذ عام 2019، فيما لم تُتّخذّ أي من الإجراءات المُقترحة، على الرغم من التحذيرات بأنّ التهديدات الأمنية سوف تتفاقم وتسوء إلى أن تحسّن الحكومة تعاملها مع الموضوع.
ويأتي ذلك فيما تحقّق شرطة مكافحة الإرهاب في مقتل النائب المحافظ السير ديفيد أميس الذي طُعن حتى الموت أثناء عقده اجتماعاً للناخبين في دائرته الانتخابية في حرم كنيسة يوم الجمعة. وتشير التقارير إلى أنّ الشرطة تحقق في احتمال تحوّل علي حربي علي، الشاب الذي اعتُقل على خلفية عملية الاغتيال ويبلغ من العمر 25 سنة، إلى "التطرف الشخصي" منفرداً [ذاتياً] خلال فترة الإغلاق.
وأشارت فيغين موري، والدة الشاب مارتين هيت الذي قُتل في هجوم مانشستر، إلى تقرير التحقيق في هجوم قاعة مانشستر الذي حذّر من أنّ "عدم اتّخاذ أي تصرّف ليس خياراً" في ما يعني خطر التطرّف، وأن المزيد من الأذى قد يلحق بأشخاص آخرين في حال عدم التصرّف [المبادرة إلى خطوات رادعة].
وقالت لـ"اندبندنت": "ما زال التطرّف العنيف يهدّد المجتمعات المحلية، وبعد الهجمات على مانشستر أرينا وفي لندن وريدينغ، على سبيل العدّ لا الحصر، توافرت فرص كثيرة لتعلّم الدروس وتقرير ما يجب فعله".
"من المقلق أن يشعر عناصر الشرطة وغيرهم من العاملين في الفئات المهنية المعنية، بالارتباك وألا يعلموا ما العمل في مواجهة التطرف العدواني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حديث له قبل وفاة السير ديفيد، قال بريندان كوكس، أرمل جو كوكس، نائبة حزب "العمّال" التي قُتلت، "نظراً لخطورة الموضوع وخبرة الأشخاص المعنيين، من المستغرب عدم تنفيذ التوصيات التي طرحتها لجنة مكافحة التطرّف- أو أقلّه الاستجابة لها. لا شيء أهمّ من حماية الشعب".
ولكن على الرغم من التحذيرات، أصبح مستقبل لجنة مكافحة التطرّف نفسها موضع شكّ بعدما فشلت الحكومة في استبدال المفوضة الأساسية وعيّنت مستشاراً للتدقيق في "هيكليتها ووظيفتها".
وفي مراجعةٍ لسنوات عملها الثلاثة نُشرت في وقت سابق من العام الحالي، ناشدت اللجنة الحكومة تطبيق توصياتها. وجاء في الوثيقة "لم يتبدّد تهديد التطرّف العدائي ولكنه يتطوّر ويزداد سوءاً".
"علينا جميعاً التعامل بجدية مع هذا التهديد على مواطنينا ومجتمعاتنا وديمقراطيتنا والتصرّف بحزم حرصاً على قدرتنا، كأمّة، أن نستجيب للنشاطات التي تسعى إلى جعل الحضّ على الكراهية والعنف أمراً طبيعياً".
في فبراير (شباط)، وجدت دراسة أجرتها لجنة مكافحة التطرّف مع الرئيس السابق لشرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة السير مارك راولي أنه يجب سنّ قوانين جديدة لمنع الجماعات العدوانية من "التحرك والإفلات من العقاب".
وقالت إن المتطرفين يستغلون ثغرات موجودة بين التشريعات الموجودة والتي تحكم جرائم الكراهية والإرهاب وإن بعض الإرهابيين مثل المسؤول عن هجوم جسر لندن، كان في المتناول اعتقالهم في وقت سابق لو وُضعت قوانين أكثر صرامة.
وقال السير مارك الذي تقاعد من منصب رئيس شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية في عام 2018 لـ"اندبندنت": "لم يصلني أي ردّ من وزارة الداخلية بشأن خططها المتعلقة بتقريرنا حول الافتقار الى إطار عمل قانوني متماسك من أجل التصدّي للتطرف العدواني".
"ما زال تعمُّد إثارة الكراهية المتعلقة بالعرق أو الدين أو تمجيد الإرهاب قانونياً في بعض الظروف. يسلّط تقريرنا الضوء على بعض الثغرات الخطيرة التي يستمر المتطرفون الحاقدون باستغلالها".
كما لحظ تقرير آخر نشرته لجنة مكافحة التطرف وجود "مستوى مقلق من الارتباك" في سلك الشرطة بشأن الطريقة المناسبة للرد على التطرف الحاقد وجبهه بسبب "غياب أي تعريف عملي واضح" وتدريب مناسب.
وانتقدت اللجنة الحكومة كذلك لاتخاذها "مقاربة مُربكة وغير فعّالة بناء على تعريف مبهم ومُلتبس للـ"تطرّف'" ورد في استراتيجية مكافحة التطرف في عام 2015.
وأشارت الهيئة إلى أنه "خلافاً لمحاولة الحكومة الفاشلة في سنّ قانون حول التطرف في عام 2015، تلقّى تقرير اللجنة وتوصياتها دعماً شعبياً واسع النطاق من عدة زعماء روحيين ورئيس شرطة مكافحة الإرهاب على مستوى الوطن".
في مارس (آذار)، قالت لجنة مكافحة التطرّف إنها تحتاج إلى صلاحيات قانونية تمكّنها من القيام بتحقيقات ونشر تقييمها وإنشاء مركز للأبحاث.
وفي رسالة بعثتها إلى سارة خان، المفوّضة الرئيسية السابقة [المشرفة الرئيسية السابقة على هيئة] للجنة مكافحة الإرهاب، في مارس الماضي، لم تتعهّد وزيرة الداخلية بتطبيق أي توصية من التوصيات.
وقالت بريتي باتيل إن تقرير لجنة مكافحة التطرف الرائد الذي صدر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ودعا إلى تحرّك حكومي كبير من ضمنه وضع تعريف رسمي للتطرف الحاقد، أسهم في "تفكيرنا في سبل مكافحته".
وقالت إنه يجب درس تقرير التحرك والإفلات من العقاب بـ"دقّة إلى حد بعيد"، ولكن لم يُنشر أي ردّ كامل على توصياته ولم يُعلن عن أي تحرّك في هذا المجال.
ولم يحلّ أي أحد مكان السيدة خان بعد انتهاء ولايتها في مارس فيما توشك ولاية المفوض الرئيسي "المؤقت" روبين سيمكوكس على الانتهاء في نهاية الشهر الجاري.
وفي يونيو (حزيران) أعلن أن "اهتمامه الأول" هو إسداء المشورة للحكومة "بشأن الهيكلية والوظيفة المستقبلية للجنة مكافحة التطرف" والحكومة لا تطلب حالياً أي مفوض رئيسي جديد.
وقال كونود مارتين، وزير الأمن عن حزب "العمّال" في حكومة الظل "رأينا مرة تلو الأخرى عواقب الكراهية والتطرف العنيف على مجتمعاتنا المحلية وشوارعنا".
"حان الوقت الآن لمضاعفة جهودنا من أجل التصدي للإرهاب والتطرف عبر النظر بجدية إلى توصيات الخبراء والإصغاء إلى الناجين والضحايا ودعم الذين يعملون بجدّ من أجل التصدي لهذا الخطر المتزايد".
من جهته، علّق الناطق باسم وزارة الداخلية بقوله "ما زالت الحكومة ملتزمة بضمان استمرارية عمل لجنة مكافحة التطرف".
"وقد عُيّن المفوض الرئيسي المؤقت حرصاً على استمرارية عملها الحيوي من أجل التصدي للتطرف وتقديم المشورة بشأن هيكلية اللجنة الدائمة ووظائفها".
"سوف نحدد عمّا قريب الاتجاه المستقبلي للجنة، بما في ذلك إطلاق عملية توظيف شخص في منصب المفوّض الرئيسي".
© The Independent