في مرفأ بورتسودان، عشرات سفن الحاويات ومئات الشاحنات المحملة بالبضائع والمواد الغذائية والأدوية متوقفة في انتظار الإفراج عنها، فمنذ شهر، يغلق محتجون الطرق التي تربط ميناء البلاد الرئيس بالخرطوم وبقية المناطق، معطلين كل إمدادات السودان. وكانوا أغلقوا لفترة مطار بورتسودان وكل أرصفة المرفأ.
يقول مصطفى عبد القادر، وهو سائق شاحنة ينتظر خارج الميناء على أمل فتح الطريق، "أنا محتجز هنا منذ 24 يوماً، وأسرتي تعتمد على دخلي في معيشتها".
ويضيف، "خلال هذه المدة، كان في إمكاني أن أنقل ست شحنات، وأحصل على دخل قدره 120 ألف جنيه سوداني (300 دولار أميركي)، لكن الآن أكافح لشراء طعامي".
تعقيد الوضع الاقتصادي
غير أن المحتجين لا يريدون التراجع. فمنذ 17 سبتمبر (أيلول)، يطالبون بإلغاء اتفاق وقعته حكومة عبد الله حمدوك مع مجموعات متمردة من أنحاء مختلفة في السودان في 2020 في جوبا. وتضمن هذا الاتفاق شقاً خاصاً بشرق السودان يقول المحتجون، إن من وقعوا عليه لا يمثلون الإقليم.
ويقول المحلل الاقتصادي محمد الناير لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الحكومة "فشلت في مخاطبة الأزمة في شرق السودان"، مؤكداً أن الإغلاق "يؤدي إلى خسارة تتراوح بين 50 و60 مليون دولار يومياً".
ويضيف "مثل حكومة البشير، الحكومة الانتقالية لم تخطط لبناء مخزون استراتيجي لتغطية احتياجات البلاد"، ما أدى إلى تعقيد الوضع الاقتصادي في واحد من أفقر بلدان العالم، بحسب الأمم المتحدة.
وحكم عمر البشير السودان لثلاثة عقود بقبضة من حديد، وفرضت خلال حكمه عقوبات دولية على السودان الذي اتهم بدعم الإرهاب وإيواء منظمات متطرفة، ما أسهم في تدهور الوضع الاقتصادي. وعلق السودانيون آمالاً على تسلم حكومة انتقالية من مدنيين وعسكريين السلطة بعد إطاحة البشير، لكن المشاكل لم تحل.
ووفقاً لاتحاد شركات الشحن، استقبل مرفأ بورتسودان خلال سبتمبر (أيلول) فقط 27 سفينة شحن مقارنة بـ65 في أغسطس (آب).
خسائر يومية
وأكد وزير التجارة علي جدو لوكالة الصحافة الفرنسية، أن رجال أعمال السودانيين اضطروا لاستخدام موانئ أخرى لشحن بضائعهم منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، منها في مصر.
وفقد 33 ألف عامل يعملون في أعمال الشحن أو مكاتب التخليص الجمركي، مصدر دخلهم منذ إغلاق الميناء، وفق اتحاد عمال الشحن والتفريغ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير مدير ميناء الحاويات في بورتسودان أحمد محجوب إلى أن "60 في المئة من تجارة السودان، أي 1200 حاوية يومياً، تمر عبر بورتسودان، ما يعني خسائر يومية بمئات الآلاف من الدولارات".
وتشكل هذه الخسائر ضربة قوية لاقتصاد سوداني يعاني أصلاً أزمة شديدة اضطرت الحكومة معها لاتخاذ إجراءات تقشفية وضعت بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي ألغى ديوناً مستحقة على السودان مقابل رفع الدعم عن سلع أساسية، خصوصاً منها الوقود.
وبات على الأسر السودانية الآن التعامل مع نقص السلع، إضافة إلى التضخم الذي بلغ 400 في المئة وانخفاض قيمة الجنيه السوداني.
رحلة البحث عن الخبز
وتقول أشجان، ذات السبعة عشر عاماً التي تعمل بائعة شاي بينما تقف خارج مخبز شمال الخرطوم، "نقضي ساعات في البحث عن الخبز، لأن أغلب المخابز أغلقت أبوابها بسبب نقص القمح". مضيفة "لم يكن ينقصنا إلا هذا. نحن أصلاً نعاني".
وبسبب أزمة الخبز، توقفت المدارس عن تقديم وجبة الظهيرة للأطفال في بلد يعد بين الأفقر في العالم، ويعاني سوء التغذية، وفق الأمم المتحدة.
ولا تزال العديد من الأدوية غير متوافرة، رغم أن المحتجين باتوا يسمحون بعبور الحاويات التي تحمل أدوية.
وتمتد تأثيرات الإغلاق في بورتسودان في الشرق إلى أقصى غرب البلاد، إلى إقليم دارفور، حيث يتظاهر بعض السكان احتجاجاً على نقص السلع الغذائية.
كما تزيد الأزمة الوضع تعقيداً بالنسبة إلى السلطات التي تدير مرحلة انتقالية صعبة بعد 30 عاماً من حكم البشير، التي واجهت الشهر الماضي محاولة انقلاب عسكري. كما أنها غارقة في انقسامات داخلية، لا سيما بين المدنيين والعسكريين في السلطة.
حل سريع
في شرق السودان، يواصل المحتجون رفع أعلام حزب مؤتمر البجا بألوانه الخضراء والصفراء والزرقاء والحمراء، بينما يشعل محتجون أغصان الشجر وإطارات السيارات من أجل إبقاء الطرق مقطوعة. وهم مصممون على عدم فتح الميناء ما لم تتحقق مطالبهم.
ويقول عبد الله أبو شار، وهو أحد منظمي حركة الاحتجاج، "سلمنا مطالبنا للحكومة التي تبدو غير حريصة على إجراء محادثات معنا".
وحض حمدوك حرض على التهدئة، مؤكداً في كلمة إلى الأمة، الجمعة، أن "قضية شرق السودان عادلة، وتعود جذورها إلى عقود من الإهمال والتهميش".
وأضاف أنه سينظم مؤتمراً دولياً من أجل "إيجاد تمويل لمشروعات تنمية بشرق السودان".
ويؤكد الناير أنه يتعين على الحكومة "إيجاد حل سريع وإلا العواقب ستكون وخيمة على الاقتصاد".