بدأت الوفود الدولية تتقاطر على طرابلس، للمشاركة في مؤتمر استقرار ليبيا الذي تنظمه وترعاه الحكومة الموحدة، كأول مبادرة ليبية خالصة لحل الأزمة في البلاد ودعم خريطة الطريق السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وتهدف لإجراء انتخابات عامة في البلاد، نهاية ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
ومع اقتراب موعد انطلاق فعاليات المؤتمر، الذي يترقبه الشارع الليبي باهتمام كبير، تباينت التوقعات في الوسط السياسي حول النتائج الحقيقية التي يمكن أن يسفر عنها، وتأثيرها في مواقف الفرقاء في ليبيا، التي اتخذت منحنى تصعيدياً ضد بعضها البعض في الآونة الأخيرة، وإجبارها على الالتزام ببنود الاتفاقين السياسي والعسكري للخروج من المأزق الحالي.
وضع اللمسات الأخيرة
بدأت الحكومة الموحدة وضع اللمسات الأخيرة، استعداداً لانطلاق مؤتمر استقرار ليبيا، بالتنسيق مع البعثة الأممية التي تشارك في الإشراف على المؤتمر، حيث أطلعت وزير الخارجية نجلاء المنقوش، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة ماري دي كارلو، على مضامين ومسارات المبادرة واستعدادات الوزارة للمؤتمر الوزاري الدولي، الذي يعقد في طرابلس، الخميس، بحضور المبعوث الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يان كوبيش.
وقالت الوزارة، في بيان، إن "لقاء المنقوش ودي كارلو تركز حول مبادرة استقرار ليبيا، والاستعدادات للانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، المقررة في نهاية ديسمبر المقبل، وأهمية التنفيذ الكامل لمخرجات لجنة 5 + 5، وتقديم الدعم اللازم لها لإنجاز مهامها".
وأضافت الوزارة أن المنقوش "قدمت خلال هذا اللقاء لمساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، لمحة عن مضامين ومسارات مبادرة استقرار ليبيا، بجوانبها العسكرية والأمنية والاقتصادية، وأوضحت أن الهدف من المبادرة وضع الآليات المناسبة، والإجراءات العملية الخاصة بالتطبيق الفعلي، لنتائج ومخرجات مؤتمري برلين الدوليين الخاصين بليبيا، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، رقم 2570 و2571، بهدف تحقيق الاستقرار في كامل البلاد".
تحذيرات وشكوك
ورغم أن الحكومة الوطنية، ممثلة في وزيرة الخارجية، أكدت في أكثر من مناسبة أن الهدف المحوري لمؤتمر استقرار ليبيا، هو دعم خريطة الطريق السياسية وتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات في ظروف آمنة، فإن حملة واسعة من التشكيك في قدرة ورغبة الحكومة في تنظيم الحدث الانتخابي، تزامنت بشكل واضح مع اقتراب انطلاق المؤتمر المرتقب، في طرابلس.
وبدأت هذه الحملة مع تسريب نسخة، قيل إنها للبيان الختامي للمؤتمر، نشرتها وسائل إعلام ليبية، أشارت بشكل هامشي إلى الانتخابات العامة، دون تأكيد موعدها المتفق عليه سابقاً، نهاية العام الحالي.
وجاء في النسخة المسربة من البيان الختامي، "يجدد المشاركون التزامهم الدائم والقوي بسيادة ليبيا واستقلالها وسلامتها الإقليمية ووحدتها الوطنية، ورفضهم القاطع لجميع أشكال التدخلات الأجنبية في الشؤون الليبية، وإدانتهم محاولات خرق حظر السلاح وإرسال المرتزقة إلى ليبيا".
ويشيد البيان بـ"تحسن الأوضاع السياسية والأمنية والمعيشية المتمثلة في استمرار الالتزام بوقف إطلاق النار وفتح الطريق الساحلي وتوفير النقد في المصارف وتحسين الأوضاع المعيشية والصحية وتوفير اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد وإطلاق مبادرة المصالحة الوطنية والإفراج عن المحتجزين، والمضي قدماً بالعملية السياسية بإرادة وقيادة ليبية، وبرعاية الأمم المتحدة".
ويدعو المشاركون في المؤتمر "جميع الأطراف الليبية إلى مزيد من التوافق والمصالحة الوطنية لإنجاح التحول الديمقراطي، وبناء دولة مدنية تقوم على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان".
ويحث البيان الختامي المسرب، "جميع الأطراف الليبية والجهات الفاعلة الأخرى على احترام وحدة المؤسسات الرسمية الليبية التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويجدد المشاركون دعوة السلطات الليبية للاستمرار في جهود إعادة توحيد مؤسسات الدولة للقيام بواجباتها ومسؤولياتها بشكل أفضل، ويشدد المشاركون على أهمية اتخاذ التدابير اللازمة من أجل بناء الثقة وخلق بيئة مناسبة لانتخابات وطنية نزيهة، وتثقيف الناخبين لمواجهة خطاب الكراهية في الإعلام المضلل".
حملة متزامنة لدعم الانتخابات
ورغم أن وزارة الخارجية الليبية لم تؤكد أو تنفي حقيقة البيان الختامي المسرب لمؤتمر استقرار ليبيا، فإن حملة متزامنة من التشكيك في أهداف المؤتمر وخطة حكومية لتأجيل الانتخابات، أطلقتها عدة شخصيات سياسية بارزة ونشطاء ومهتمون بالشأن السياسي في ليبيا، حذرت من المساس بموعد الانتخابات وآثاره على المشهد السياسي والأمني.
وشدد عضو مجلس النواب، عبد السلام نصية، على أهمية إطلاق المبادرات التي تشجع على الاستقرار، محذراً في الوقت نفسه من "الالتفاف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية".
وقال نصية، "الحديث عن الاستقرار وإطلاق المبادرات من أجله شيء مهم ومقبول ويجب تشجيعه، لكن يجب ألا يكون الغرض من ذلك الالتفاف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفك التجميد عن الأموال الليبية من أجل العبث بها، في ظل الفوضى ومشروع اللادولة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن "وزيرة الخارجية الليبية أمام امتحان صعب ومصيري"، وتساءل "هل هي مع الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحافظة على الأموال الليبية ورفض مخطط استيطان المهجرين في ليبيا؟ أم تعمل مع مشروع الفوضى مشروع اللادولة؟ اليومين المقبلين سوف تتضح كل هذه الأمور".
من جانبه، استبعد رئيس مجموعة العمل الوطني خالد الترجمان، أن تسفر مبادرة استقرار ليبيا، التي أعلنتها وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش عن نتائج عملية، باستثناء الخروج بيانات داعمة لخروج المرتزقة، وأيضاً المسارات الاقتصادية.
ورأى أن "المبادرة لن يكون لها تأثير مباشر على أرض الواقع، كونها جاءت متأخرة، قبل وقت قصير من الانتخابات، فضلاً عن الانقسام الذي تشهده ليبيا".
وأعرب الترجمان عن اعتقاده بأن "الانتخابات قد لا تجري في موعدها المقرر في 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، لأن كل الدلائل وتصريحات المسؤولين ترجح عدم عقدها في موعدها".
وأشار إلى أنه "حتى مع صدور القوانين الخاصة بانتخاب الرئيس ومجلس النواب لم تعلن حتى الآن آليات الترشح، فضلاً عن اعتراض الجماعات الإسلامية والميليشيات المناطقية، ورفضهم الانتخابات، خشية أن يتمكن شخص قوي من حسم الانتخابات، وهو ما لا يريدونه".
شكوك لا محل لها
في المقابل، رأى عضو مجلس الدولة، بلقاسم دبرز، أن "ملتقى طرابلس سيؤسس لاستقرار دائم، والتشكيك في مضامينه وأهدافه لا محل لها".
وأضاف دبرز "الملتقى الذي ستستضيفه العاصمة طرابلس، الخميس، بشقيه الأمني والاقتصادي، سيؤسس لاستقرار دائم سيكون له أثر إيجابي على جميع المستويات".
بينما انتقدت الناشطة الطرابلسية، رحاب الغرياني، حملة التشكيك في أهداف المؤتمر ونوايا الحكومة في تأجيل الانتخابات، قائلة إنها "تهدف إلى التشويش على مساعي حل الأزمة، وتكشف عن نوايا ورغبة البعض في استمرارها، لأنهم مستفيدون من ذلك".
وتابعت، "لننتظر فقط حتى تنتهي مجريات المؤتمر لنحكم على النتائج، بدلاً من استباق النوايا السيئة، لقد سئمنا من مناكفات السياسيين التي تعرقل كل محاولات الحل، وتذهب بنا في كل مرة إلى نفق مسدود، كلنا نريد الانتخابات، لكن يجب تهيئة الظروف الملائمة لتنظيمها في بيئة آمنة".