على الرغم من أن السينما السعودية في بداية الرحلة، مقارنة بسينما دول عربية أخرى، فإنها تثبت مع كل تجربة أنها مميزة وتنافس الكبار. وفي مهرجان الجونة المصري، في دورته الخامسة، لفت الأنظار الفيلم السعودي القصير "نور شمس" (26 دقيقة) للمخرجة فايزة أمبة، وهو ثاني تجاربها السينمائية ويشارك في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة في المهرجان.
فكرة فريدة
الفيلم تميز بأنه حدوتة خاصة وتجربة مختلفة من حيث الفكرة والتنفيذ والأبطال. فهو من بطولة ممثلة تخطو أولى خطواتها نحو السينما، هي عائشة الرفاعي، وشاب يحترف الراب، هو أحمد صدام.
يتناول الفيلم قصة أم شابة تدعى شمس، تتزوج ثم يهجرها زوجها بعد فترة قصيرة، وتتحمل تربية ابنها الوحيد مكي. تنجح في تربيته حتى يصبح شاباً، ثم تعمل سائقة "أوبر". أما مكي فيصبح موظف أمن في أحد المستشفيات، وهو يحب الموسيقى ولديه طموح كبير في تغيير حياته للأفضل عن طريق الاشتراك في مسابقة لاكتشاف المواهب سيسافر الفائز فيها إلى فرنسا.
تخشى الأم من فقدان ابنها وهجره لها وتكرار التجربة القاسية التي عاشتها بعد هجران زوجها، وتحاول أن تجعله يكره السفر بشتى الطرق.
ترشيح بالصدفة
تقول الرفاعي لـ"اندبندنت عربية" إن تصوير العمل أنجز في مدينة جدة، المطلة على البحر الأحمر في غرب السعودية.
وعن ترشيحها للدور، قالت إنه تم بمحض الصدفة على الرغم من أنها عاشقة للتمثيل، إذ جاء عن طريق المخرجة التي اكتشفت موهبتها في عرض مسرحي في جدة. وخلال ستة أشهر، عملت أمبة على تدريبها حتى تكون مناسبة للدور وتجسد شخصية الأم بشكل بسيط ومقنع وغير متصنع في الوقت نفسه.
وعلى الرغم من أن فارق السن بين البطلة وصدام ليس كبيراً، فإن الأداء كان صادقاً. وتقول الرفاعي إن المخرجة حرصت على أن يكون هناك جلسات عمل مكثفة تجمعها بالبطل، حتى تزول الرهبة وتشعر بأنها أمه وهو ابنها. ومن أجل هذا، جعلتها تقوم بالطهي واستضافتهما في بيتها كأنها بروفة صغيرة، وحتى يحصل الاندماج الكامل الذي ظهر على الشاشة.
وتضيف "ذهبنا أيضاً إلى الحارة، حيث يُمثل العمل، قبل بدء التصوير بفترة، حتى نعتاد على المكان ونشعر به، كأنه بيتنا وبيئتنا فعلاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن ردود الفعل التي تلقتها مع أسرة الفيلم، عقب عرضه في مهرجان الجونة، تقول الرفاعي "سعدت جداً بهذا النجاح الكبير والتجاوب والحفاوة، وأعرف أن مصر أم الفنون لذلك فهي مؤشر حقيقي للنجاح وتذوق الفن. وعرض العمل فيها واستقباله بهذا الشكل اختبار نجحنا فيه". مشيرة إلى أنها تتلقى "أثناء المهرجانات إشادات، وأجد الناس يعرفونني ويرحبون بي على الرغم من أن الفيلم قصير. وهذا النجاح أسعدنا جميعاً وفخر لنا وللسينما السعودية، التي نفخر بها وببدايتها القوية".
وبالنسبة إلى موهبتها الكوميدية الملحوظة في العمل، تقول الرفاعي "أحمد الله، وأنا بالفعل أعشق الكوميديا ولا أجد صعوبة في أدائها بالمرة، وهذا كان واضحاً أثناء التصوير فلم نتعب في هذا الجزء نهائياً، والمخرجة كانت سعيدة به".
وتشير إلى أنها تعشق الفن المصري، فهي هوليوود الشرق وعاصمة الفنون، معتبرة أن عادل إمام نجم من طراز خاص، فهو معشوق العالم العربي، بخاصة أنه مدرسة في كل شيء، سواء الكوميديا حيث يستطيع الإضحاك بشكل لم ولن يتكرر، أو في الدراما أو الأكشن أو المسرح، موضحة أنها تتمنى بالطبع أن تشارك في أعمال مصرية قريباً.
جرأة كبيرة
من جانبه، يشير الناقد أحمد النجار لـ"اندبندنت عربية" إلى أن السينما السعودية تشهد قفزات لافتة للنظر على مستوى الصورة والصوت والمضمون والتمثيل والأفكار وحتى الأبطال واختيارهم، ووصول المخرجات السعوديات إلى منطقة تتميز بالجرأة الكبيرة، وهذا في حد ذاته إنجاز مهم.
وفيلم "نور شمس" من أبرز التجارب الفنية، وهو ينافس بقوة في كل النواحي، وقد تميزت المخرجة برؤيتها المختلفة والفريدة من نوعها، على الرغم من حداثة تجربتها. كما تميز الأبطال بروح جديدة وطازجة وأداء فطري ومتقن.
وقالت الناقدة رغدة صفوت إن الفيلم يمثل خطوة للأمام للسينما السعودية، سواء على مستوى المضمون أو التنفيذ والتمثيل، وهذا ينبئ بأن هناك مستقبلاً للإنتاج السعودي سيتجاوز الحدود المحلية.
وأضافت أن "نور شمس" يسهم في تغيير الصورة النمطية عن المجتمع السعودي، ويطرح قضايا جديدة وجريئة ويواكب التغيير الكبير الذي تشهده البلاد على كل المستويات، بخاصة السماح للمرأة بالقيادة، مشيرة إلى أن الفيلم يروج لصورة عصرية للسعودية وشعبها.