الطريقة التي ظهر من خلالها كل من بوريس جونسون وبيل غيتس جنباً إلى جنب على منصة في متحف العلوم في لندن ليعلنا عن استثمار جديد بحوالى 200 مليون جنيه إسترليني (نحو 280 مليون دولار أميركي) أو 400 مليون جنيه أو حتى 800 مليون لتطوير التكنولوجيا الرفيقة بالبيئة (من دون أن تكون لأي منهما أي فكرة عن كيفية تنفيذ ذلك) كان مشهداً مهماً.
في مطلع هذه السنة، نشر بيل غيتس كتاباً عنوانه كيف يمكننا تجنب كارثة مناخية How to Avoid a Climate Disaster. لا شك أن غيتس رجل ذكي. ويشرح غيتس في كتابه كيف أنه أمضى وقتاً طويلاً مرتحلاً حول العالم، بحثاً عن الجذور المسببة للانبعاثات الكربونية، وما يتوجب القيام به لتخفيض هذه الانبعاثات بشكل كبير.
وتوصل غيتس إلى خلاصات مزعجة مفادها أن الإنسان، والمستهلكين، وحتى عبر تغيير سلوكهم- من طريق خفض استهلاكهم للحوم، أو خفض أسفارهم- لن يكون لجهودهم تلك أثر كبير يعتد به (في الحد من المشكلة). المطلوب هو مجموعة من الأفكار الجديدة، مجموعة من الأساليب الجديدة لإنجاز الأمور، (مفاهيم) صناعية جديدة مثلاً لإنتاج الصلب والإسمنت.
وربما كانت هناك خلاصات ملائمة لـ غيتس نفسه، وهو الذي يمضي وقتاً طويلاً مسافراً حول العالم، لإجراء الدراسات والبحوث اللازمة لكتابة كتابه، وتحديداً سفره جواً على متن طائرته الخاصة. وهو لطالما أشار إلى الطائرات الخاصة على أنها جزء من "سعادته التي تشعره بالذنب" [الحرج] guilty pleasure. حسناً، هو يدفع مقابل ما يلوثه من الهواء. فهو يشتري وقود طائرات خاص معروف "بأنه من مصادر متجددة"، بغض النظر عما يكون ذلك (الوقود). وهو أيضاً على حق في الأساس. فإن التقشف لن ينقذ العالم. التجديد والابتكار لا بد أن ينجحا في ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بعض الناس يعتقدون أن القليل من التقشف في هذه الأثناء، وفيما تنطلق عجلات الابتكار (لإنقاذ العالم)، هو نوع من الأمور الأساسية الواجبة، لأننا في حالة طوارئ عامة في الأساس. وبشكل يشبه إلى حد كبير أن بعض المصابين بأمراض الرئة يتجهون لمواصلة التدخين فيما هم يتلقون العلاج الكيماوي [للقضاء على المرض] والبعض يفعل ذلك من دون شك. وربما علينا تجنب الحديث عن مصيرهم في هذا السياق.
لكن لدى الآخرين من الناس "ما يسعدهم رغم أن في طيات تلك السعادة شعوراً بالذنب. بالنسبة للبعض، وهؤلاء كثر، وربما يبلغ عدد هؤلاء خمسين مليوناً في المملكة المتحدة، وحدها السعادة بامتلاك جهاز تدفئة boiler [يعمل بالغاز]. وربما هم لا يشعرون بالذنب كثيراً بسببه [جراء استخدامه]، لأنه تحديداً ليس نوعاً من الكماليات- فذلك الجهاز ضروري لبقائهم على قيد الحياة.
إلى جانب بيل غيتس جلس بوريس جونسون وهو- في حقبة قديمة من التاريخ وتحديداً عام 2011- كان ما زال منكباً على كتابة مقالات في صحيفة "ديلي تلغراف" Daily Telegraph تنكر التغيرات المناخية. وعندما يسأل جونسون عن (ذلك الموقف) لطالما كان يحب الإجابة أنه "عندما يتغير الموقف العلمي، علينا تغيير جوابنا". هو يعلم تماماً كما يعلم الدب القطبي الميتم حديثاً أن تلك الخلاصات العلمية لم تتغير.
إعلانه الكبير عندما أطلق حملة العلاقات العامة الكبيرة التي تمهد لاستضافته قمة المناخ "كوب- 26" Cop26 (في غلاسكو) عن تقديم منحة قيمتها خمسة آلاف جنيه إسترليني (حوالى سبعة آلاف دولار أميركي) لقاء استبدال الناس جهاز التدفئة الذي يعمل بالغاز بغيره يعمل عن طريق جهاز (رفيق بالبيئة) يضخ الدفئ من مصادر الهواء. وعندما أقول منحة "للناس" أقصد هنا تحديداً تسعين ألف شخص، لأن هذا العدد هو ما توفره الخطة الجديدة وقيمتها المحددة برأسمال من 450 مليون جنيه إسترليني (حوالى 630 مليون دولار أميركي) مما يجعلها وفق كثير من المعايير أقل سخاء من برامج منح أخرى تم إلغاؤها لصالح البرنامج الجديد ومن ضمنها الاستغناء عما كان يعرف بمنحة المنازل الخضراء Green Homes Grant، والذي كان وزير الخزانة ريتشي سوناك قد أعلن عنه في بداية الجائحة، والذي لن يكون منصفاً للمزاح الفعلي وصفه بالمزحة. فهو مهزلة إلى حد يجعل من البرنامج الإنجليزي الكوميدي الشهير "فولتي تاورز" Fawlty Towers يبدو وكأنه برنامج وثائقي يطرح بقالب فكاهي حميم كيفية إدارة فندق بشكل مهني.
ولكن، ربما كان عدد التسعين ألف منزل كافياً. لأنه وكما يردد الناس المضجرون، وهم مهتمون بالتفاصيل بشكل مضجر للغاية، أنه ليست هناك منازل كثيرة في المملكة المتحدة يمكننا وببساطة اقتلاع جهاز التدفئة الذي يعمل بالغاز فيها واستبداله بآخر يعمل بمضخة تدفئة heat pump. فتلك المنازل تحتاج إلى ثنايا عازلة في جدرانها، وفي أسقفها القرميدية وحتى وفي أغلب الأحيان تحت ألواح الأرضية الخشبية للطوابق السفلى، والتي يجب اقتلاعها لوضع ألواح عازلة قبل إعادة تركيبها.
لكن كل ذلك لا يشتمل عليه المبلغ (المنحة). هناك وكما هو معروف دائماً، خطر أن يكون جونسون قد أطلق إعلانه، رامياً المال تجاه المشكلة، وتناولت ذلك نشرات الأخبار بعناوينها [الطنانة]، ولكن من دون أن تكون لديه أي فكرة حقيقية عما يتوجب فعله على أرض الواقع. (طالع أيضاً [انظر إلى] مشروعه لرفع قيمة مشاركة الفرد بضريبة الضمان الاجتماعي وتحويل الأموال التي تتم جبايتها لدفع تكاليف الرعاية الاجتماعية).
في نهاية إعلانهما المشترك الصغير، أتم الرجلان مهمتهما تجاه (إنقاذ) الكوكب. من ناحيته، أعلن جونسون كيف أن الحكومة البريطانية ستساهم بــ"200 مليون جنيه إسترليني"، وأضاف "وأعتقد أن بيل (غيتس) سيساهم بــ200 مليون جنيه أيضاً".
وكان بيل (غيتس) واعياً لتصويب كلام رئيس الوزراء والإشارة إلى أن المبلغ المتفق عليه كان "400 مليون جنيه إسترليني من كل طرف".
ولكن على ما يبدو، وفي الواقع، فإن جونسون كان على حق في المرة الأولى. 200 مليون جنيه إسترليني يدفعها كل طرف، وهذا يكشف عن القصة كاملة. فلن يكون لهذه النسبة المتدنية من المال أي تأثير يذكر إلى درجة أن الرجلين كان جاهلين بحجمها [القيمة المحددة].
لكن، آه لقد قاما بواجبهما، وحان الوقت لاستئناف الحياة اليومية. بوريس توجه عائداً إلى حي ويستمينستر (حي المقرات السياسية من برلمان وحكومة في لندن)، وبيل سيسافر لمحاولة إنقاذ العالم من مكان آخر، وبسعادة ممتلئة بالشعور بالذنب في كل مرة.
© The Independent