ارتفعت العائدات المالية لتحويلات المغتربين التونسيين في الأشهر المنقضية من السنة الحالية، وحققت رقماً قياسياً مقارنة بالمداخيل المسجلة من تحويلاتهم في السنة السابقة، وقد فاقت في حجمها مداخيل قطاع السياحة الذي شهد تراجعاً متأثراً بأزمة "كوفيد-19".
وتشهد تحويلات التونسيين بالخارج نسقاً تصاعدياً منذ سنوات، وأضحت من أهم موارد البلاد من العملة الصعبة.
ويبلغ عدد التونسيين المقيمين خارج البلاد مليوناً و424 ألفاً و386 موزعين على 90 دولة، ويملك 50 في المئة منهم حسابات بنكية في تونس بالدينار التونسي أو العملة الصعبة، ونبه ملاحظون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" إلى ظرفية هذا التأثير في مخزون العملات في تونس، وتظل البلاد في حاجة إلى إصلاحات جوهرية لتحقيق الاستقرار المطلوب في احتياطي العملات.
ثلث مخزون العملات
وارتفعت عائدات التحويلات المالية للمغتربين بنسبة 37 في المئة، في شهر أغسطس (آب) 2021، مقارنة بقيمة المداخيل المحققة في الفترة نفسها من سنة 2020، وبلغت تحويلات التونسيين بالخارج 6.15 مليار دينار (2.18 مليار دولار) في الأشهر التسعة الأولى من سنة 2021، وفق البنك المركزي، وهو مستوى قياسي لم تبلغه في السابق، بل إنه تجاوز جملة التحويلات سنة 2020 بأكملها، وهي 5.8 مليار دينار (2.05 مليار دولار).
وارتفعت التحويلات من 2.8 مليار دينار (992 مليون دولار) في النصف الأول من سنة 2021 الى أربعة مليارات دينار (1.41 مليار دولار)، في شهر يوليو (تموز) 2021، وتجاوزت القيمة المالية لتحويلات التونسيين في الخارج مليار دينار (354 مليون دولار) في شهر يوليو فحسب.
وكانت قد اتخذت نسقاً تصاعدياً منذ سنة 2006 التي بلغت فيها ملياري دينار (709 ملايين دولار)، لتصل إلى 3.9 مليار دينار سنة 2016 (1.38 مليار دولار)، وتقفز سنة 2019 إلى خمسة مليارات دينار (1.77 مليار دولار).
وترتفع مساهمات المغتربين سنوياً بمعدل يبلغ خمسة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويقوم 72 في المئة من المغتربين بتحويلات مالية باتجاه تونس بمعدل 6866 ديناراً (2452 دولاراً) لكل فرد، وتمثل قيمة هذه التحويلات 32 في المئة من مخزون العملة الصعبة، وتسهم باثنين في المئة من المداخيل الجبائية للدولة، وتمثل 20 في المئة من الادخار الوطني.
تعويض خسائر القطاعات
في المقابل، لم تتجاوز مداخيل السياحة 874 مليون دينار (310 ملايين دولار) وفق البنك المركزي التونسي، حتى شهر يوليو 2021، مسجلة تراجعاً بنسبة 25.3 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، وقد بلغت 989.8 مليون دينار (351 مليون دولار) سنة 2020، التي شهدت تراجع عائداتها بنسبة 66 في المئة، بسبب انعكاسات انتشار "كوفيد-19"، بينما بلغت قيمة الصادرات التونسية 3.97 مليار دينار (1.4 مليار دولار) حتى شهر أغسطس 2021، لذلك، فإن القيمة المالية لتحويلات المغتربين التونسيين تتفوق للسنة الثانية على التوالي على مداخيل القطاع السياحي الجاذب للعملة الصعبة، ومصادر أخرى تقليدية ممولة لمخزون العملات مثل التصدير.
تحفيز الاستثمار
وذكر رياض جعيدان، رئيس حركة "صوت التونسيين"، في الخارج والنائب السابق بالبرلمان التونسي، أن عائدات المغتربين تتفوق سنوياً على قطاعات اقتصادية مهيكلة، واقترح أن تتم الاستفادة من هذه التحويلات وعدم الاكتفاء بالمدخرات، إذ يتوجب على الدولة التونسية تشجيع التونسيين المقيمين خارج البلاد على ضخ أموالهم في الاقتصاد المحلي، ويتم هذا بالتحفيز على الاستثمار.
كما يتوجب تجميع المصالح الإدارية المهتمة بشأنهم لأن تشتتها والبيروقراطية التي تتسم بها يشكلان عائقاً يحول دون الاستفادة من هذا الخزان البشري والمالي، وقد أصبح من الملح توفير امتيازات للمغتربين لتشجيعهم على ضخ مزيد من الأموال في الخزينة، فهم يشتكون من ارتفاع الرسوم على التحويلات المفروضة عليهم، واقترح جعيدان أن يضخ المغتربون أموالاً في خزينة الدولة على شكل قرض رقاعي خاص، وأن تكون مشاركة الجالية بالخارج في إثراء الخزينة بالعملة الصعبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما طالب بإعفاء التحويلات المالية من الرسوم الجمركية المتعددة، إذ تحول القوانين المهترئة والأداءات الجمركية دون رغبة المغتربين في الاستثمار، وتمنعهم من أن يتحولوا إلى فاعلين اقتصاديين في اختصاص الشركات الناشئة مثلاً.
وإذ استحسن جعيدان القانون الجديد الذي سنّ منذ ثلاثة أشهر، والذي يخوّل للتونسيين المقيمين بالخارج فتح حسابات بالعملة الصعبة، فقد طالب بتمتيعهم بنسبة فائدة لا تتجاوز ثلاثة في المئة لتحفيزهم على الاستثمار في بلدهم الأم.
ويمثل فتح الحسابات بالعملات وتحديد نسب فائدة خاصة بهم الحافز الوحيد لدفعهم إلى إقامة المشاريع في تونس، في ظل المنافسة والعروض السخية التي تقدمها بلدان أجنبية عدة في هذا الصدد.
الموجودات الصافية من العملة
واعتبر المحلل الاقتصادي، نادر حداد، أن ارتفاع القيمة المالية لتحويلات التونسيين المقيمين بالخارج وردت لاعتبارات عدة، أهمها الدوافع التضامنية للتونسيين تجاه بلدهم بعد الأزمة الصحية التي اقترنت باحتقان اجتماعي، وأزمة اقتصادية غير مسبوقة، ونقص في السيولة بالبنوك التونسية، بينما يتمثل العامل الثاني في سهولة إجراءات التحويل الجديدة، كما أضحت أقل تكلفة من عمليات التحويل الكلاسيكية في السابق.
وتؤدي الزيادة المسجلة إلى تحسين مخزون العملات والرفع من أيام التوريد، وهي 131 يوماً في الوقت الراهن، ومن غير المتوقع أن تزيد، كما بلغت الموجودات الصافية من العملة الأجنبية إلى حدود يوم 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي 21.65 مليار دينار (أقل من ثمانية مليارات دولار).
ولا يمثل التحسن المذكور في المخزون مؤشراً على تحسن الوضعية المالية للبلاد، فالتحويلات في آخر المطاف هي أموال الخواص موجهة إلى القطاع البنكي الخاص، ولن تحد من إشكاليات المالية العمومية في البلاد، كما لن توفر حلولاً لأداء الاقتصاد التونسي الضعيف، فتونس تحتاج إلى وضع مشروع إصلاح عاجل وإعادة هيكلة للاقتصاد، وإقناع الصناديق المانحة بتبنيه وإقراضها في أقرب الآجال.