في أغسطس (آب) الماضي، عندما وضع بنك إنجلترا الخطوط العريضة لخططه للتخلص من برنامج شراء السندات الحكومية، البالغ 875 مليار جنيه استرليني (1.2 تريليون دولار)، وعد بأن تكون العملية "تدريجية ويمكن التنبؤ بها"، ولكن التحول المفاجئ للبنك المركزي نحو أسعار فائدة أعلى أثار احتمالية أن يبدأ ما يسمى بـ "التشديد الكمي" ضجة كبيرة في الأوساط الاقتصادية والاستثمارية، بخاصة في أعقاب جائحة كورونا.
وفي الآونة الأخيرة، كان من المتوقع أن يظل بنك إنجلترا على حاله حتى مارس (آذار) 2022 على أقل تقدير، حيث يراهن معظم المستثمرين على أن أول ارتفاع لسعر الفائدة لن يأتي حتى الصيف. وبعد سلسلة من التحذيرات من أندرو بيلي محافظ بنك إنجلترا وزملائه بشأن ارتفاع التضخم، من المتوقع أن ترتفع الأسعار الشهر المقبل، مع زيادة ثانية تليها في ديسمبر (كانون الأول) 2021 أو فبراير (شباط) 2022.
ومن الأهمية بمكان أن يؤدي ذلك إلى رفع سعر الفائدة لدى بنك إنجلترا إلى 0.5 في المئة، وهو المستوى الذي يُخطط عنده لبدء عملية التشديد الكمي، عن طريق وقف إعادة الاستثمار في السندات المستحقة السداد التي يحتفظ بها.
والسندات التي يحتفظ بها البنك بقيمة 28 مليار جنيه استرليني (38.7 مليار دولار)، المستحقة في 7 مارس، هي أكبر عملية إعادة استثمار منذ أن بدأ في شراء السندات.
لقد تُرك المُستثمرون يتساءلون عما إذا كانت شريحة كبيرة من الطلب، التي كانوا يعتبرونها حتى وقت قريب أمراً مفروغاً منه، ستتبخر. ويقول محللون إن الرقم كبير بما يكفي لإثارة بعض التحركات الكبيرة في السوق.
مخاطر ثنائية هائلة
يقول جون رايث، رئيس استراتيجية أسعار المملكة المتحدة في بنك "يو بي أس" لـ "فايننشال تايمز"، إن "هذه التحركات لا يمكن التنبؤ بها، وتدريجاً تخلق مخاطر ثنائية هائلة".
كان المستثمرون حتى الآن يفترضون أن التشديد الكمي سيبدأ خلال فترة هدوء نسبي لسداد السندات التي تقدر قيمتها بـ 9 مليارات جنيه استرليني (12.4 مليار دولار) فقط، التي من المقرر أن تستحق خلال 18 شهراً بعد استرداد مارس.
وبحسب بيلي، قد تكون فرصة تقليص ميزانيته العمومية بمقدار 28 مليار جنيه استرليني (38.7 مليار دولار) دفعة واحدة جزءاً من جاذبية تحرك الأسعار المبكر.
وجادل محافظ بنك إنجلترا مراراً وتكراراً، على مدار العام الماضي، بأن تقليص حيازاته من السندات سيؤدي إلى إفساح المجال أمام "التقدم الكبير والسريع" مع جولة أخرى من التيسير الكمي في الوقت المناسب للأزمة التالية.
وكتب جيمي سيرل، الخبير الاستراتيجي لأسعار الفائدة في "سيتي غروب"، في مذكرة حديثة إلى العملاء، أن "توقيت السداد لشهر مارس يجب أن يجعل من المغري تقديم زيادات في الأسعار لبضعة أشهر فقط، لا سيما بالنظر إلى أن محافظ البنك كان يتحدث عن الحاجة إلى تفكيك التسهيل الكمي منذ عام 2020".
عدم اليقين
تكمن المشكلة في عدم اليقين الذي يتم ضخه في الأسواق، في وقت بدأ المستثمرون بالفعل في التشكيك في حكمة خطط بنك إنجلترا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وهزت تصريحات بيلي غير المجدولة، يوم الأحد الماضي، والتي مفادها أن بنك إنجلترا "سيتعين عليه التحرك" للحد من الضغوط التضخمية، أسواق أسعار الفائدة صباح يوم الاثنين، مما أدى إلى عمليات بيع كبيرة في السندات الحكومية قصيرة الأجل.
وفي الوقت نفسه، فإن رد الفعل الأكثر صمتاً في الديون طويلة الأجل، وفشل الجنيه الاسترليني في جني الكثير من الفوائد من احتمال ارتفاع تكاليف الاقتراض، وهو علامة على القلق المتزايد في الأسواق من أن الارتفاع السريع في أسعار الفائدة قد يمثل "خطأ في السياسة" قد ينتهي به الأمر بسرعة إلى التراجع.
يجادل العديد من المستثمرين والاقتصاديين بأن ارتفاع أسعار الفائدة يؤدي إلى اختناق الانتعاش الاقتصادي في المملكة المتحدة، ولن يفعل الكثير لمكافحة الانفجار التضخمي الذي ينتج إلى حد كبير من اختناقات العرض وارتفاع عالمي في أسعار الطاقة.
لقد ظهرت تداعيات التحول القوي لبنك إنجلترا خارج المملكة المتحدة، وساعد اجتماع البنك في سبتمبر (أيلول)، عندما أثار للمرة الأولى إمكانية رفع سعر الفائدة، في إطلاق عمليات بيع سندات عالمية وسط تكهنات بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يختار أيضاً تشديداً مبكراً.
رفع الفائدة
وقال ثيو تشابساليس، رئيس شركة "نات ويست" لاستراتيجية أسعار الفائدة في المملكة المتحدة، "ربما تكون الأسواق قد قامت بتسعير عودة أسعار الفائدة إلى 0.5 في المئة قبل مارس المقبل، لكنها بالكاد بدأت تتصارع مع عواقب إنهاء إعادة الاستثمار في التيسير الكمي، وبمجرد أن تفعل ذلك، قد تكون هناك تقلبات أكبر في السوق، مع قرار رفع الفائدة على الأرجح بقيمة 20 نقطة أساس لأعلى أو لأسفل للسندات الحكومية المقومة بالاسترليني".
وبغض النظر عن النتيجة، فإن صداع بنك إنجلترا البالغ 28 مليار جنيه استرليني (38.7 مليار دولار)، يؤكد أن عملية قلب ناقلة التيسير الكمي لن تكون سلسة على الإطلاق.
ويقول رايث "هناك بالفعل الكثير من الأشخاص في الأسواق خُدعوا من منعطف فرملة اليد لبنك إنجلترا. لكن تفعيل عملية الخلاص في مارس، يجعل المخاطر أكبر بكثير. لا يحب المصرفيون المركزيون مفاجأة الأسواق أبداً، لكن بطريقة أو بأخرى ستكون هذه مفاجأة كبيرة".