في الوقت الذي يستمر فيه اعتصام الرافضين نتائج الانتخابات العراقية أمام مدخل المنطقة الخضراء في بغداد، تشهد المناطق المحيطة، تشديد الإجراءات الأمنية والتفتيش اليدوي في أماكن تجمع المتظاهرين، كما انتشرت القطعات العسكرية للعمل على حماية المتظاهرين السلميين.
وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي "نعمل على حماية المتظاهرين وفق السياقات الدستورية والقانونية والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة"، مؤكداً أن التظاهر السلمي حق دستوري، وأن الاعتراض على نتائج الانتخابات يجب أن يكون ضمن الإجراءات القانونية.
وسبق أن أفرزت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة أرقاماً غير متوقعة لبعض الكتل من حيث عدد المقاعد التي حصلت عليها، مما دفع أصحاب المقاعد القليلة إلى الاعتراض على النتائج وتقديم الطعون إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي عملت بدورها على رد أغلب الطعون واعتبرتها غير قانونية.
النتائج تعثرت في الوصول
إعلان المفوضية النتائج، لم يكن موفقاً، حسب رأي سربست مصطفى، الرئيس الأسبق لمفوضية الانتخابات، بسبب عدم اكتمال النتائج التي بلغت نسبتها 94 في المئة، وكان المفروض أن تضيف المفوضية نتائج 3681 محطة التي تشكل نسبة الـ6 في المئة الباقية، حيث أُجريت عليها عمليات العد والفرز اليدوي، وكانت نتائجها مطابقة للنتائج الإلكترونية بنسبة مئة في المئة، ولأسباب فنية تعثرت في الوصول.
إعلان ونشر النتائج غير المصادق عليها يفتح المجال أمام الأحزاب والمرشحين السياسيين لتقديم الطعون للهيئة القضائية للانتخابات، بشكل مباشر أو عن طريق المفوضية. كما أن رفض النتائج من قبل الخاسرين والتظاهر والاعتصام وعدم انتظار البت في طعونهم، يفتح المجال لأكثر من احتمال، أولها المضي قدماً باستخدام الطرق القانونية والاعتراف غير العلني بالنتائج لتشكيل حكومة ائتلافية ترضي الجميع مثل كل الحكومات السابقة، أو التوجه إلى العد والفرز اليدوي الكلي أو الجزئي لتغيير النتائج جزئياً، أو عدم مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية وإعادة إجراء الانتخابات في شهر مايو (أيار) أو يونيو (حزيران) من العام المقبل.
ويقول الرئيس الأسبق لمفوضية الانتخابات "لم يُسجل في يومي الانتخابات الخاصة والعامة أي عوائق تذكر، وكانت الاستعدادات التي أجرتها المفوضية لتنظيم انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2021 جيدة بشهادة جميع المراقبين المحليين والدوليين إضافة إلى الأحزاب السياسية والحكومة العراقية".
بيان المتظاهرين
وسبق للجنة التحضيرية للتظاهرات الرافضة الانتخابات أن قدمت طلباتها في بيان أعلنته يوم الأربعاء 20 أكتوبر الحالي، تناولت فيه "أهمية تقديم رئيس وأعضاء مجلس المفوضين إلى القضاء لمحاكمتهم بسبب مخالفاتهم القانونية، واختيار رئيس مفوضية مستقل وأعضاء مستقلين قبل إجراء انتخابات مقبلة، وإجراء مراجعة شاملة للكادر الإداري للمفوضية للتأكد من عدم انتمائهم إلى جهات سياسية متنفذة ولضمان عدم التلاعب بنتائج الانتخابات". بالإضافة إلى المطالبة بالعد والفرز اليدوي كبديل عن الإلكتروني في الانتخابات المقبلة، إذا ثبُت إمكانية تزوير الفرز الإلكتروني على مستوى العالم المتطور، وأخيراً، المطالبة بإعادة النظر بقانون الانتخابات الأخير، لأنه أثبت عدم قدرته على عكس إرادة الجماهير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
النظر في الطعون
وبدأت المفوضية في 20 أكتوبر مرحلة النظر في الطعون بعد انتهاء المدة القانونية لتقديمها، إذ أعلنت المفوضية في وقت سابق في الـ16 من الشهر نفسه عن اكتمال احتساب نتائج الاقتراع العام.
وفي حديثه للصحافة، صرح القاضي جليل عدنان خلف، رئيس مجلس المفوضين، أنهم "تسلموا الطعون البالغ عددها ما يقارب 1400 طعن، وستقوم المفوضية بالنظر في الطعون المقدمة من المعترضين على النتائج وفق القانون، وفقاً للمادة ٣٨ (أولاً) من قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020، وإذا ثبت صحة الطعون بالأدلة، ستفتح المحطات المطعون بها وفقاً للمادة ٣٨ (أولاً) من قانون الانتخابات رقم (9) لسنة 2020، وبحضور ممثلي المرشحين المتنافسين، كما سيتم فرز أصوات تلك المحطات وعدها يدوياً، وعلى ضوء ذلك سيصدر قرار أولي قابل للطعن أمام الهيئة القضائية للانتخابات في مجلس القضاء الأعلى، وستستمر المفوضية في تدقيق الطعون بالآلية نفسها والإجراءات خلال الأيام المقبلة لحين الانتهاء منها جميعاً".
التفرد بالسلطة
وفي السياق، يبين عبد الرحمن الجبوري، رئيس أكاديمية التطوير السياسي والحكم الرشيد، أن التظاهرات الحالية لا علاقة لها بنتائج الانتخابات، وتأججت من أجل الفوز بتقاسم السلطة، وعدم انفراد قائمة واحدة بها، كما أن "كتلة الفتح" قلقة جداً من انفراد "الكتلة الصدرية" بالسلطة والدولة، ويبين أن زيادة عدد المقاعد أم عدم زيادتها لا أهمية له في عملية تولي الحكومة لأن الحكومة تأتي بالتفاهمات، و"كتلة الفتح" تعتقد أن "الكتلة الصدرية" لا تريد هذه التفاهمات.
إعادة العد والفرز اليدوي
وعن أهم المطالب التي ينادي بها المعتصمون، أوضح عضو ائتلاف كتلة "الفتح"، الشيخ أبو ضياء البصري، أن "مطالب المعتصمين واضحة وبسيطة، وتتجسد في إعادة العد والفرز اليدوي لكل العملية الانتخابية، وتصحيح مسار المفوضية التي تجر البلاد إلى الفوضى بإصرارها على عدم الفرز اليدوي، وحتى لو حدث تزوير فسيحدث بنسبة بسيطة لا تتجاوز الخمسة في المئة، والمطالب الأربعة الأخرى ليست بقدر المطلب الأول الذي يُعد الأهم ولا يمكننا التراجع عنه، وإذا لم يحدث، فنقول لكل حادث حديث".
ويقول البصري إن طول أو قصر مدة الاعتصام يتحدد بمدى قناعة قيادات الإطار التنسيقي "بأطرافه المتعددة" بمستوى تمثيل كتلهم في البرلمان المقبل، وهذا يعتمد على جديّة المفوضية وشركائنا الآخرين في التعامل مع مطالب إعادة العد والفرز اليدوي لأصوات الناخبين.
وأوضح عضو تحالف الفتح، أبو ميثاق المساري، "بعد أن رفض الخاسرون في الانتخابات النتائج ولجأوا إلى التظاهر والاعتصام قبل البت في طعونهم، أصبح الوضع مفتوحاً على جميع الاحتمالات، فإما المضي قدماً باتجاه السبل القانونية والاعتراف غير العلني بالنتائج لتشكيل حكومة ائتلافية ترضي الجميع، مثل الحكومات السابقة، أو التوجه للعد والفرز اليدوي الكلي أو الجزئي لتغيير النتائج جزئياً، والوصول إلى النتيجة الأولى، أو عدم مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج النهائية وتحويل شكل الحكومة وإعادة إجراء الانتخابات في شهر مايو أو يونيو من العام المقبل. وإلغاء العد والفرز الإلكتروني. وبهذا نعود إلى ممارسة حالات الغش والتزوير".
مكاسب جديدة
وتدرك معظم الكتل أن هذه التظاهرات لن ترفع من نسبة المقاعد إلى المستوى الذي كانت تتطلع إلى الحصول عليه. ويوضح المحلل السياسي، سلمان العرجي، "أن التظاهر هو أسلوب للضغط على الكتل الكبيرة من أجل تحقيق مكاسب داخل السلطة التنفيذية وللفوز بمناصب ضمن التشكيلة الحكومية، وأعتقد أن أسلوب التظاهر مع أسلوب المفاوضات الذي تمارسه هذه الكتل هو أسلوب سياسي جديد يمكِّن الكتل من تحقيق مكاسب جديدة لم تستطع تحقيقها في صناديق الاقتراع".
ثقافة التفرد بالسلطة
ويحمل المحلل السياسي والمحامي، مقداد الحسيني، من قاطع الانتخابات إعطاء المشروعية لأن تتكرر الشخصيات نفسها في الدخول إلى مجلس النواب، ولكن بلباس آخر، ويستطرد "ثقافة التفرد بالسلطة حرمت الخاسرين من إمكانية تقبل الخسارة، إذ ليس من السهل التخلي عن السلطة وقبول الهزيمة مهما كان الثمن".
ويضيف "السياسة لعبة مصالح، والعراق بوتقة صراع على المصالح، ومن المتوقع إدامة هذه الصراعات وتغذيتها من بعض الدول لضمان إبقاء الوضع على ما هو عليه، وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات وتسوية الخلافات".