انتهى مؤتمر استقرار ليبيا الذي تصدّرت أخباره المشهد السياسي المحلي طيلة الأسبوع الماضي، واستأنفت الأطراف المحلية سباقها مع الزمن للإيفاء بالاستحقاقات التي شدد عليها وحث على تنفيذها، يتقدمها ملف انسحاب القوات الأجنبية وإجراء الانتخابات نهاية العام الحالي.
وتزامن المؤتمر الذي شهد مشاركة دولية واسعة، مع إعلان الأمم المتحدة وصول فريق المراقبين الدوليين لوقف إطلاق النار وتنفيذ اتفاق انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا، ما عُدّ دعماً لاستدامة السلام العسكري وتهيئة لظروف إتمام عملية الانتقال السياسي، بشكل آمن وسلس.
وصول المراقبين الدوليين
في المقابل، كشفت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة روزماري ديكارلو، عن وصول المجموعة الأولى من المراقبين الدوليين لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار إلى ليبيا.
وقالت في تغريدة على "تويتر" إن "وصول فريق المراقبين الدوليين يأتي تماشياً مع طلب السلطات الليبية والتفويض الصادر عن مجلس الأمن"، مشيرةً إلى أن "آلية مراقبة وقف إطلاق النار ستكون بإدارة ليبية". وأثنت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة على اللجنة العسكرية المشتركة، معتبرة "إقرار اللجنة خطة للانسحاب التدريجي والمتوازن والمتسلسل والمتزامن لجميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية، إنجازاً مهماً".
وتزور ديكارلو البلاد منذ يوم الاثنين، وحضرت المؤتمر الدولي لدعم استقرار ليبيا الذي عقد في طرابلس، الخميس الماضي.
وكانت "اللجنة العسكرية المشتركة 5+5" أرسلت خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عقب اجتماعات عدة مع أطراف دولية، خلال الفترة الماضية، أبرزها اجتماع جنيف في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، طلبت فيه تسريع إرسال فريق المراقبة الدولية لاتفاق وقف إطلاق النار، لتسهيل تنفيذ آلية خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد.
البداية بفريق صغير
من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن "المنظمة بدأت بإرسال فريق صغير من مراقبيها إلى ليبيا لدعم آلية مراقبة وقف إطلاق النار".
وأعرب خلال مؤتمر صحافي عقده في نيويورك، عن "أمله في أن يقدم المجتمع الدولي دعماً قوياً لتنفيذ خطة سحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية".
وأكد أن "الأمم المتحدة بصدد نشر المزيد من المراقبين بشكل تدريجي، بعد وصول أول فوج لدعم آلية مراقبة وقف إطلاق النار".
وكان غوتيريش أعلن في رسالة موجهة إلى رئيس مجلس الأمن بتاريخ 6 أغسطس (آب) الماضي، موافقة المنظمة الدولية على نشر فريق أولي يتألف من 10 مراقبين سيعملون مع اللجنة العسكرية المشتركة، لرصد تنفيذ الأطراف أحكاماً محددة من اتفاق وقف إطلاق النار، في مقدمتها التزام استدامة عملية السلام وتأمين انسحاب الأطراف العسكرية الأجنبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبيّن غوتيريش أن "مقر الوجود المبدئي لهذا الفريق سيكون في العاصمة طرابلس، إلى حين الانتهاء من ترتيبات الدعم الأمني واللوجيستي، وغيرها من الترتيبات المتقدمة من البعثة في سرت، حيث سيتم نشر 60 مراقباً على الأكثر في المدينة".
الاستفادة من دروس الآخرين
وتُعتبر مسألة إرسال فريق دولي لمراقبة وقف إطلاق النار من المسائل العزيزة لإجماع الأطراف الليبية، ولذلك لم تجد اعتراضاً من أي طرف محلي، وأعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في البلاد عن ترحيبها بوصول المجموعة الأولى من بعثة المراقبين الدوليين، لدعم آلية مراقبة وقف إطلاق النار، نظراً إلى أن ذلك يشكّل "تطوراً مهماً في سبيل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد".
في الأثناء، دعت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش إلى الاستفادة من تجارب دول أخرى بالنسبة إلى عمليات إجلاء القوات الأجنبية، قائلة "يجب أن نستفيد من الدروس في أفغانستان والدول الأخرى، فالخروج الفوري من دون خطة واضحة ووضع توازن على الأرض، ربما يؤديان إلى عواقب سلبية".
ولفتت إلى أن "الإصرار على خروج جميع المرتزقة سيكون عقبة أمام الانتخابات، لأن خروج المرتزقة ملف معقد، ولن يتم في يوم واحد"، مؤكدة أن حكومتها تسعى إلى "انسحاب تدريجي متزامن للمرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد".
واعتبرت في مقابلة تلفزيونية أن "انسحاب 20 في المئة من المرتزقة قبل الانتخابات سيكون عامل ثقة بين مختلف الأطراف"، مشددة على أن "الحكومة المنتخبة الجديدة ستواصل بعد ذلك مسار سحب المرتزقة والقوات الأجنبية، بناءً على ما توصلت إليه اللجنة العسكرية المشتركة"، التي أشادت بدورها في تحقيق الاستقرار في ليبيا.
وبيّنت المنقوش الصعاب التي تواجه عملها وعمل الوزارة التي تديرها، بسبب طبيعة المهمة الشاقة الملقاة على عاتقها، بقولها "مهمتي تفكيك الاشتباك الدولي حول ليبيا، وهذا الأمر ليس سهلاً في ظل التنافس الدولي والإقليمي، الذي كان محتدماً في الفترة السابقة".
وفنّدت الوزيرة كل ما يشاع حول رغبة الحكومة بتأجيل الانتخابات عن موعدها المحدد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، مؤكدة "وجوب التركيز على المسار الأمني لإجرائها وأن الحكومة تسعى إلى وضع خطة أمنية لتأمينها".
توجه إلى المصالحة مع الشرق
في سياق آخر، تحركت الحكومة الموحدة لحل الخلاف مع ممثليها في بنغازي، التي شكّلت تهديداً خطيراً لمشروع التسوية السياسية وتوحيد المؤسسات، في الفترة الأخيرة، بسبب اعتراضات في الشرق الليبي، على ما اعتُبر "تهميشاً ممنهجاً من الحكومة لإقليم برقة".
ولتجاوز هذه الإشكالات، أصدر رئيس مجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، قراراً يقضي بـ"تشكيل فريق حكومي لمهمة عمل رسمية في بنغازي".
وبحسب القرار، يترأس نائب رئيس مجلس الوزراء رمضان أبو جناح فريق العمل الذي يضم كلاً من وزير الحكم المحلي ووزير المالية ووزير الإسكان والتعمير ووزير المواصلات.
وسيبقى الفريق في بنغازي لمدة أسبوع حيث "سيزور القطاعات العامة التابعة للحكومة، ويلتقي نائب رئيس مجلس الوزراء حسين القطراني، لمناقشة واستقصاء موقفه الأخير من حكومة الوحدة الوطنية، وحثه على ضرورة عودته إلى مباشرة مهمات عمله، والابتعاد عن كل ما يسبب في تأجيج الموقف في ليبيا، نحو إعادة مشهد الانقسام المؤسساتي"، وفق ما جاء في قرار الدبيبة.
الحاجة لتوضيح صريح
في المقابل، يرى الناشط السياسي أحمد الشهيبي أن "الخلافات الحكومية الأخيرة تسببت في تراجع حالة التفاؤل في الأشهر الماضية تجاه أداء الحكومة، وأصبحنا ننظر إليها بأنها تحتاج إلى مصالحة في ما بينها، وهذا الأمر ينعكس سلباً على كل تطلعات الشارع الليبي".
ودعا إلى "خروج الحكومة للتوضيح بكل شفافية وتجرد ما هو الأمر الذي اختلفت عليه في ما بينها، وإيضاح ما إذا كان الاختلاف حول حقوق مشروعة أو غير ذلك، فالشعب يحتاج إلى توضيح صريح بعيداً من الجلسات الودية والعاطفية، فالسياسة لا تُبنى على العواطف، وكلنا نأمل في أن تركز الحكومة على أهم استحقاقاتها وتنجح في جعل يوم 24 ديسمبر المقبل، عرساً انتخابياً لكل الليبيين".