وضع إعلان رئيس مجلس السيادة السوداني، القائد العام للقوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، أمس، حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلسي الوزراء والسيادة وتعطيل بعض البنود من الوثيقة الدستورية الموقعة بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019، السودانيين أمام تساؤلات وتأويلات عديدة عما هي حقيقة هذا الإجراء، وأهدافه، وهل كان متوقعاً، وما مدى قبوله، وما رأي القوى السياسية في هذا الإعلان، وكيفية التعامل معه؟
التمسك بالوثيقة
يقول رئيس حزب الأمة القومي السوداني المكلف فضل الله برمة ناصر، "سنظل كقوى سياسية متمسكين بالوثيقة الدستورية والمواثيق المتعلقة بالشراكة، واتفاقية السلام الموقعة في جوبا، وهذا هو المخرج الوحيد لما يحدث في المشهد السوداني، حتى انتهاء الفترة الانتقالية بانتخابات عامة، لكن لا مجال للانقلابات في البلاد لأنها ترجعنا إلى الصفر، فما قام به رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان انقلاب واضح، ولا يجب أن يجرب الشعب السوداني تجربة ديكتاتورية رابعة، فصحيح هناك أزمات وضيق معيشي، إلا أن الحكومة قدمت معالجات وحلولاً في الشأن الاقتصادي من شأنها أن تحدث تعافياً كبيراً في الفترة المقبلة، حيث بدأت معدلات التضخم تنخفض للمرة الأولى منذ سنوات".
وأضاف، "نحن نؤمن بالمسيرة الجماعية لحل مشاكل السودان، ونعتقد أن الشارع هو من يحدد من يحكمه، وقادر على فرض إرادته ولا يتنازل عن استحقاقاته التي حققها من خلال ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وفي نفس الوقت نرى أنه في حالة رجوع البرهان إلى صوابه وتصحيح موقفه وما قام به من تجاوز صريح للشراكة، فإننا كقوى سياسية لسنا ضد الحوار الهادف باعتباره المخرج الأساس للبلاد، معتمدين في ذلك على الثوابت المتمثلة في اتفاقنا السابق مع المكون العسكري (الوثيقة الدستورية) حتى نجنب بلادنا مخاطر التشرذم والعنف".
ولفت رئيس حزب الأمة القومي، إلى "أن شؤون الحكم لا بد أن تراعي اتجاهات الشارع والرأي العام العالمي، ولا تتم بالمزاج أو القرارات الفردية كما يحدث في الأنظمة الشمولية، بينما تأتي بالتوافق، وقد أسست الثورة السودانية لهذا المنهج، ونحن متمسكون بالثورة ومبادئها وكل ما يتعلق بمسألة التحول الديمقراطي، الذي أصبح مطلب الجميع، لكن إلغاء الوثيقة وإعلان الطوارئ لن يحل مشكلة البلاد، بل يعرضها لكثير من الأزمات، ومهما يكن فإن اختلاف الرأي في قضايا الوطن لا يؤدي إلى مثل هذا العمل المرفوض".
عصيان مدني
في السياق أوضح عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي السوداني كمال كرار، بقوله "سنتبع كل الوسائل السلمية المتاحة للوقوف ضد هذا الانقلاب، فضلاً عن التصعيد المتواصل بإعلان عصيان مدني شامل، كما أن هناك ترتيباً لإيجاد قيادة موحدة للتصدي لهذا العمل الإجرامي، ونحن كحزب شيوعي ليس لدينا حساسية بتأجيل خلافاتنا السياسية مع بعض المكونات الوطنية، لكن نعتقد أن هذه المواجهة مع المكون العسكري مهمة الآن من أجل إطاحته، خصوصاً أن الشعب السوداني بكل فئاته بدأ فوراً من أجل استعادة ثورته من اللجنة الأمنية لنظام البشير التي قامت بهذه المؤامرة المكشوفة". مشدداً على "أن الرهان على الشارع كبير لحسم هذه المعركة، فقد سبق أن عزل أول رئيس للمجلس العسكري بعد إطاحة البشير في موكب مشهود طالب بتنحيه، بالتالي فهو حارس أمين للثورة ولن يسمح بإجهاضها".
وأضاف كرار، "يبدو أن العسكريين لم يعوا درس إسقاط البشير، فالمواكب الجماهيرية الهادرة ستستمر لإطاحة الانقلابيين، وحينها سيدفع (البرهان) الثمن غالياً، وهذا الانقلاب تكرر كثيراً أوله فض اعتصام القيادة العامة للجيش، ثم إحداث الانفلات الأمني، فافتعال أزمة الشرق، وصولاً إلى اعتصام القصر الجمهوري، وفي نظري هذا الانقلاب بمثابة انتحار سياسي وعسكري، وسيكون مصيره الفشل خلال أيام معدودة". موضحاً، "أن الانقلاب كان بالفعل متوقعاً من خلال الإرهاصات التي أشارت إلى عدم تسليم البرهان رئاسة مجلس السيادة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وقوله إن الجيش وصي على الشعب السوداني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعرب عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي، عن تفاؤله "بأن المشهد السياسي سيتجه إلى الأمام بنسبة مئة في المئة، ولن تكون هناك مساومات أو خيانة للثورة وشهدائها، وأن السيناريو المتوقع هو هزيمة الانقلابيين، وإعلان حكومة مدنية ثورية، وإخراج العسكر من المشهد السياسي". لافتاً إلى "أن الأدوات التي ستستخدم لمواجهة هذا الانقلاب تتمثل في الانتفاضة والإضراب والعصيان، حيث أصبح الشعب السوداني لا يخشى السلاح بعدما جرب كل أشكال العنف أيام نظام البشير، لكنه لا يتوقع حدوث عنف عند المواجهات السلمية للتعبير عن رفض ما اتخذه البرهان من طوارئ، فالملايين التي ستخرج ضد الانقلاب أقوى من أي سلاح".
الأمر الواقع
من جهته، وصف عضو مكتب سياسي في حزب المؤتمر السوداني، طلب حجب اسمه، ما حدث في البلاد بأنه "انقلاب بواسطة مجموعة من العسكريين والمدنيين الذين هم امتداد لنظام الرئيس السابق عمر البشير، ويريدون وضع الشارع السوداني والمجتمع الدولي أمام الأمر الواقع، وهو سيناريو أعد له بعدة طرق هدفه الوصول بالبلاد إلى مرحلة الاختناق الاقتصادي والانسداد السياسي، لحدوث تضجر وسط المواطنين وتحميل حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مسؤولية ما يجري، وإظهارها على أنها ضعيفة وفاشلة ولا بديل لإخراج السودان من أزماته ومشكلاته المتتالية إلا بإعلان حالة الطوارئ، والقيام بتشكيل حكومة كفاءات".
وأضاف، "ليس من المعقول أن يكون ما حدث في شرق السودان بإغلاق خطي تصدير واستيراد البترول، وطريق بورتسودان والخرطوم، ثم اعتصام القصر الجمهوري بواسطة مجموعة من الحركات المسلحة وبعض المكونات الصورية وحشد من مواطنين غير معروف انتماءاتهم وهم يحملون لافتات لعدة جهات قبلية ونقابية وجهوية وغيرها، جاء عفوياً، فهذا عمل منظم ومرتب له بشكل دقيق وفق خطة محكمة لها أبعاد وأهداف معلومة هي إبعاد قوى الحرية والتغيير من المشهد السياسي".
وزاد، "نعول على الشارع لإفشال هذا الانقلاب وأي مخططات أخرى، وثقتنا فيه كبيرة، وندعو أنصار التحول الديمقراطي إلى ممارسة حقوقهم المشروعة بالوقوف والتعبير عن رفضه هذا الانقلاب، ونحن في حزب المؤتمر السوداني نرى ما حدث أنه ليس حلاً للمشكلة السودانية، بل وضع البلاد أمام طريق صعب قد يقودها إلى مفترق طرق، فحل الأزمات مهما كانت صعوبتها يكون عبر الحوار، والرجوع إلى الوثيقة الدستورية التي تعتبر الفيصل والحاكم الفعلي في الشراكة التي تعاهد عليها المكونان العسكري والمدني".
ونوه عضو المكتب السياسي، إلى "أنه من الصعب تمرير أجندة خفية على الشارع السوداني الذي يعد من معلمي الشعوب الأخرى في الوعي والثورات، وما يدل على ذلك خروجه في الصباح الباكر للدفاع عن الوطن والتحول الديمقراطي من دون دعاوى من الأحزاب، حيث سطر ملاحم بطولية لاسترداد حقه من قلة تريد الانفراد بالسلطة من أجل مواصلة الفساد والعودة بالبلاد إلى عهد الظلام والإرهاب من جديد". مؤكداً "أنهم كقوى سياسية سيعملون جنباً إلى جنب مع الشارع باستخدام كل الأدوات التي جربت في ثورة ديسمبر وثورتي أكتوبر (تشرين الأول) 1964 وأبريل (نيسان) 1985 بإعلان الإضراب والعصيان المدني، ومواصلة واتباع كل الطرق السلمية للتعبير لمواجهة الاستبداد وما يحاك من مؤامرة واضحة، وبالتأكيد سيتم استرداد الثورة من المختطفين، ولن تعود البلاد إلى الوراء مهما كلف الأمر من ثمن".
تطورات الأزمة
وعاش السودان، قبل إعلان حالة الطوارئ أزمة سياسية حادة منذ أكثر من شهر إثر خلافات بين الشقين المدني والعسكري في الحكومة الانتقالية، إضافة إلى خلافات فيما بين المكون المدني للحكومة، حيث انفصلت مجموعة عن قوى الحرية والتغيير ووقعت ميثاقاً سمته أيضاً "ميثاق التوافق الوطني".
وعلى إثر تلك الخلافات السياسية انتظمت، منذ أكثر من أسبوعين مجموعة منشقة من قوى الحرية والتغيير تضم حركتي العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم الذي يتولى حالياً وزارة المالية، وحركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي الحاكم الحالي لإقليم دارفور، إضافة إلى عناصر وتنظيمات وأحزاب كانت موالية لنظام المؤتمر الوطني الذي أطاحته ثورة شعبية في أبريل 2019، اعتصاماً أمام القصر الجمهوري في الخرطوم مطالبة بتسليم السلطة للقوات المسلحة، وحل حكومة حمدوك، على أن يتم تشكيل حكومة جديدة من الكفاءات السودانية. كما سبق هذا الاعتصام نشوب أزمة شرق السودان التي تطالب بإلغاء مسار الشرق في اتفاقية السلام في جوبا التي وقعت بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة في الثالث من أكتوبر 2020، باعتباره لا يعبر عن جميع أهل الإقليم، فضلاً عن إفصاحهم بوجود تظلمات تنموية وتهميش لإقليمهم رغم أنه يضم أكبر موانئ البلاد، إضافة إلى الكميات الكبيرة من المعادن.