ما زالت الكتلة الموالية لإيران تعاني من الصدمة التي تلقتها على أيدي الناخبين العراقيين المشاركين في الانتخابات التشريعية المبكرة، مع قلة نسبتهم مقارنة مع الرفض الشعبي الواسع. وعلى رأس هؤلاء المصدومين زعيم تحالف "فتح" هادي العامري، الذي صرح في حينها بلهجة حادة "لا نقبل بهذه النتائج المفبركة مهما كان الثمن، وسندافع عن أصوات مرشحينا وناخبينا بكل قوة". إذ حصل تحالفه المكون من "حركة بدر" و"صادقون" التابعة إلى "عصائب أهل الحق" لصاحبها قيس الخزعلي، وحركة "حقوق" لحسن مؤنس، التابعة إلى "كتائب حزب الله"، وعدد آخر من الأحزاب على 14 مقعداً، بعدما كان حاصلاً على 48 مقعداً في انتخابات عام 2018.
وكذلك فصائل "الحشد الشعبي"، إذ انبرى المسؤول الأمني لـ"كتائب حزب الله" أبو علي العسكري في آخر تصريحاته واصفاً نتائج الانتخابات بأنها "مؤامرة دولية". إذ لم يحصل فصيله المنضوي في كتلة "حقوق" على أي مقعد في مجلس النواب.
أما عمار الحكيم وحيدر العبادي في تحالف "قوى الدولة" فقد منيا بخسارة مريرة، إذ حصل على خمسة مقاعد فقط، اثنان للحكيم وثلاثة للعبادي، في حين كان مجموع مقاعدهما في الانتخابات السابقة 61 مقعداً.
وتحت شعار الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية، الذي يضم "ائتلاف دولة القانون" و"تحالف الفتح" و"تحالف قوى الدولة" و"تحالف النصر"، اجتمعت مرة ثانية يوم الأحد المصادف 23 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وأصدرت بياناً طالبت فيه، باسم "القوى الوطنية المعترضة على نتائج الانتخابات" بالنظر بجدية في جميع الطعون المقدمة لها وإجراء العد والفرز اليدوي الشامل، ودعت رئيس الجمهورية "برهم صالح إلى التدخل باعتباره حامياً للدستور لمنع اتجاه الأحداث نحو ما هو أخطر".
ولتفادي الصبغة الطائفية لهذا الإطار التنسيقي، فقد اجتمع رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي مع إياد علاوي وغيره، لإعطاء انطباع أن الاعتراض على نتائج الانتخابات من منطلق وطني وليس طائفياً، لكن هذه الحركات السقيمة لن تنطلي على الشعب، إذ إن تاريخ الموالين لإيران واضح ومعروف.
وما زال مقتدى الصدر خارج الإطار التنسيقي، وفي بيانه الصادر يوم الاثنين الماضي، حذر دول الجوار من عواقب التدخل في الشؤون الداخلية، وقال إن "التعامل مع دول الجوار سيكون من خلال فتح حوار عالي المستوى لمنع التدخلات مطلقاً، وإذا كانت هناك استجابة فهذا مرحب به، وإلا سيتم اللجوء إلى الطرق الدبلوماسية الدولية لمنع ذلك".
وذكرت وكالة "رويترز" نقلاً عن قائد أحد الفصائل المسلحة الموالية لإيران من دون ذكر اسمه، قوله "سنستخدم الأطر القانونية في الوقت الحالي، وإذا لم تنجح، فسنضطر إلى النزول إلى الشوارع والقيام بالشيء نفسه الذي حدث لنا أثناء الاحتجاجات، إحراق مباني الحزب". وتناولت شبكات التواصل الاجتماعي شريطاً مصوراً يظهر مجموعة ولائية تحرق مقر مفوضية الانتخابات المركزي. وفي الوقت الذي يواصل فيه عناصر الحشد وأتباعهم اعتصامهم قبالة إحدى بوابات المنطقة الخضراء لليوم الثامن على التوالي، انتهت مهلة 72 ساعة التي منحتها اللجنة التنظيمية للاعتصام لمفوضية الانتخابات لاستعادة ما وصفته بالأصوات المسروقة.
وقالت مفوضية الانتخابات، إنها باشرت بأولى مراحل عملية العد والفرز اليدوي في 70 محطة في محافظة نينوى، وكذلك في بقية المحافظات العراقية وفقاً لجدول زمني.
وكانت نتائج الانتخابات العامة هزيمة مذلة وصدمة قوية للكتلة الولائية بجناحيها السياسي والمسلح، وكذلك صدمة موجعة للنظام الإيراني نفسه الداعم لها منذ توافقه مع المحتل الأميركي في غزو العراق عام 2003. ما دفع إيران إلى التحرك السريع عبر رئيس فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، داخل العراق وخارجه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إن طهران، كما واشنطن، تدرك المشكلة العويصة التي خلقتها في التفسير القانوني لقيام الكتلة الأكبر داخل قبة البرلمان في بغداد، فالدستور العراقي تحت الاحتلال الأميركي لسنة 2005 منح أحقية تشكيل الحكومة للكتلة النيابية الأكثر عدداً، إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 76 منه على ما يلي "يُكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً تشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية". ومع ذلك، ما زالت الآراء منقسمة حول مفهوم "الكتلة النيابية الأكثر عدداً"، إذ هل المقصود منها الفائز في الانتخابات أم التي تتشكل داخل مجلس النواب من تحالفين أو أكثر بعد إعلان النتائج؟
المحكمة الاتحادية العليا فسرت هذا المفهوم بقرارها الصادر بالعدد (25/اتحادية/2010) بأن "تعبير الكتلة النيابية الأكثر عدداً يعني، إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، دخلت الانتخابات باسم ورقم معينين وحازت على العدد الأكثر من المقاعد، وإما الكتلة التي تجمعت من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية التي دخلت الانتخابات بأسماء وأرقام مختلفة، ثم تكتلت في كتلة واحدة ذات كيان واحد في مجلس النواب".
وفق التفسير القانوني أعلاه، فقد خسر إياد علاوي فوزه بالانتخابات التي حقق فيها 91 مقعداً، وفاز بها الخاسر نوري المالكي الحاصل على 89 مقعداً. وكان الإصرار الإيراني الذي رضخت له إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وراء هذا التحوير للنص القانوني، من أجل بقاء منصب رئيس السلطة التنفيذية في العراق في أيدي الموالين لإيران.
ومع هذا، فإن تشريع قانون جديد للانتخابات رقم 9 لسنة 2020 منع في المادة 45 منه انتقال النائب أو الحزب إلى إئتلاف أو حزب أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة. وهذا يعني، أن التيار الصدري الحاصل على الأكثرية يحق له التكليف بتشكيل الحكومة. ولكن تحرك قاآني في بغداد وفي أنقرة باجتماعه مع محمد الحلبوسي وخميس الخنجر لضمهما إلى تحالف المالكي، يعني أيضاً أن إيران ستتلاعب في تحوير النص القانوني، أو في أقل تقدير ستعرقل تشكيل الحكومة من مقتدى الصدر، وذلك بإعادة لعبة مرشح الشيعة التوافقي، كما جرى مع حيدر العبادي عام 2014، ومع عادل عبد المهدي عام 2018، ومع مصطفى الكاظمي في 2020، إذ إن منصب رئيس الوزراء هو رأس السلطة التنفيذية، الذي من خلاله تتحكم إيران بالعراق، والإدارات الأميركية المتعاقبة راضية عن هذا الوضع.
ترى هل ستتجاوز إيران ومواليها صدمة الانتخابات، أم هي سحابة صيف؟ وهل بمقدور الصدر تنفيذ ما جاء في ختام بيانه الأخير؟ إذ يؤكد عدم السماح بتدخل أي دولة في موضوع الانتخابات العراقية ونتائجها وما يترتب عليها من تحالفات وتشكيل للحكومة العراقية المقبلة. ومهما كان الأمر، فإن صدمة الموالين لإيران ما زالت مستمرة.