أثار تقرير منظمة الأغذية العالمية بشأن تصاعد مستويات الفقر في العراق ودخوله ضمن سبع دول هي الأكثر مجاعة في العالم تساؤلات كثيرة عن حقيقة هذه المعلومات على أرض الواقع، والأسباب التي أدت إلى هذا الانحدار الكبير.
ووضعت المنظمة العراق ضمن سبع دول تُعدّ الأكثر جوعاً، مما أثار انتقاد وزارة التخطيط التي وصفت التقرير بأنه "بعيد من الواقع".
ووفق التقرير الأممي، فإن 35 في المئة من سكان تلك الدول السبع، بينها الصومال ومدغشقر والكونغو وكوريا الشمالية، "يعانون الجوع الشديد".
وجاء التقرير الدولي قبيل يوم من إعلان وزارة النفط العراقية تحقيق إيرادات إضافية بلغت 16 مليار دولار، تُعدّ فائضاً مالياً جيداً خارج موازنة 2021.
معلومات مغلوطة
ووصفت وزارة التخطيط العراقية المعلومات التي تحدث عنها التقرير الدولي بـ"المغلوطة وليس لها أثر في أرض الواقع"، مؤكدة أن البلاد "لم يكُن فيها جوع حتى في أسوأ ظروف كورونا".
وقالت الوزارة في بيان، "العراق لم يواجه أزمة غذائية يمكن أن تسبب تهديداً بالجوع للفئات الهشة في المجتمع حتى خلال ذروة انتشار الجائحة، التي شهد فيها الكثير من البلدان أزمات غذائية، بسبب الإجراءات الحكومية التي أسهمت في توفير المواد الغذائية، سواء المنتجة محلياً أو المستوردة، إضافة إلى التكافل الاجتماعي"، مشيرة إلى أن "الحكومة اتخذت جملة من الإجراءات، تضمّنت دعم شبكة الحماية الاجتماعية وتأمين مواد البطاقة التموينية وتوزيع منحة مالية طارئة للمتضررين من الجائحة، بهدف مساعدتهم في مواجهة الظروف الطارئة".
واتبعت الحكومة العراقية منذ أعوام نظاماً خاصاً بالرعاية الاجتماعية لمساعدة الفئات الأكثر حاجة للدعم ككبار السن والمطلقات والأرامل والعاطلين من العمل، وبموجب هذا النظام تم شمول أكثر من 1.6 مليون عراقي يتلقّون دعماً مادياً ما بين 70 دولاراً إلى 170 دولاراً شهرياً.
وتابعت الوزارة، "الحديث عن وجود ثلث العراقيين جائعين كلام ينافي الواقع، لأن نسبة الهشاشة الغذائية في البلاد تبلغ أقل من 2 في المئة من مجموع السكان، وهذه النسبة ارتفعت بعد موجات النزوح عام 2014"، لافتة إلى أن "الفقر ازداد عام 2020 إلى 31 في المئة، وهذا لا يعني أن هذه النسبة تمثل السكان الجائعين مطلقاً، إنما هذا يدخل في إطار ما يُعرف بـ’الفقر متعدد الأبعاد‘، الذي يشمل الصحة والتعليم والسكن، والدخل، إذ ارتفعت النسبة نتيجة جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية".
وأدى قرار الحكومة العراقية بخفض قيمة الدينار أمام الدولار الأميركي نهاية العام الماضي إلى الإضرار بالشرائح الفقيرة، بعد ارتفاع معدلات أسعار مختلف المواد المستوردة في السوق المحلية.
وفي مارس (آذار) الماضي، أعلنت وزارة التخطيط العراقية انخفاض نسبة الفقر في البلاد إلى 25 في المئة من مجموع السكان، بعد أن كانت 31.7 في المئة عام 2020.
العراق مؤمن غذائياً
وبيّنت الوزارة أن "إجمالي نسبة الأسر التي تستلم الحصة التموينية يبلغ 95 في المئة من مجموع الشعب العراقي"، موضحة أن "المؤشرات التي نعتمدها، مستخرجة من المسوح الإحصائية التي ينفذها الجهاز المركزي للإحصاء وفقاً للمعايير العالمية المعتمدة من قبل الأمم المتحدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفتت إلى أن "المؤشرات التي تحدث عنها التقرير المنسوب إلى برنامج الأغذية العالمي غير واقعية، ولا تستند إلى المؤشرات التي تعتمدها وزارة التخطيط"، رافضة مقارنة الوضع الغذائي والمعيشي للشعب العراقي مع بلدان تعاني أصلاً مجاعة حادة.
ونجحت الإجراءات التي اتخذتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ فرض العقوبات الدولية على البلاد عام 1990 في منع حصول مجاعة، على الرغم من ارتفاع معدلات الفقر خلال الفترة الماضية، من خلال الإبقاء على نظام الحصة التموينية للفرد العراقي، التي أُلغيت أخيراً بحق بعض الشرائح من ذوي الدخل العالي.
"التخطيط" هي السبب
في هذا الشأن يرى أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي أن منظمة الأغذية العالمية استندت إلى تقارير وزارة التخطيط بشأن نسبة الفقر في العراق "التي لم تحدد نوعه".
وأوضح، "هناك خلل في تقارير وزارة التخطيط التي تعلنها عن نسب الفقر في البلاد، إذ لم تحدد نوعه: هل فقر مدقع أو مطلق أو فقر الدخل أو أنه فقر القدرة. هذا الأمر ولّد لبساً لدى المنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع، لأنها تستند في تقاريرها إلى التقارير الحكومية المحلية".
وأضاف المرسومي، "المعروف في أدبيات التنمية أن الفقر المدقع هو تسلّم الفرد دخلاً لا يكفي لشراء المواد الغذائية الأساسية، بالتالي يعاني الجوع"، مشيراً إلى أن نسبة الفقر المدقع "أقل من نسبة المطلق المتعدد الأبعاد، الذي يدخل فيه التعليم والصحة والإسكان والترفيه، وهذا ما تعنيه وزارة التخطيط في تقاريرها".
وتابع، "الفقر المتعدد الأبعاد، الذي تحدده وزارة التخطيط، يعني امتلاك الشخص أقل من 120 ألف دينار بحدود (82 دولاراً) وما تجاوز هذا الخط، فإنه تعدّى خط الفقر المتعدد الأبعاد"، مستبعداً أن يشهد العراق نسباً عالية من الفقر المدقع في ظل تمويل حكومي للاستيرادات الغذائية وفي ظل الواردات النفطية الكبيرة وبرنامج مدعوم للبطاقة التموينية يغطي غالبية السكان، فضلاً عن منح الحكومة 1.6 مليون عراقي مبالغ للرعاية الاجتماعية تستطيع أن تخفف من مستوى الفقر والجوع.
واتُبع نظام البطاقة التموينية في تسعينيات القرن الماضي في ظل الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عام 1990 إثر غزوه الكويت، وجرى توزيع عدد من المواد الغذائية الأساسية على الشعب العراقي، وما زال هذا النظام معمولاً به حتى الآن.
وأشار أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة إلى أن التقارير الدولية تعتمد على المسوحات الداخلية، التي تقررها المؤسسات الوطنية، وهي تستعين بها في وضع التقارير، معتبراً أن ما ذكرته وزارة التخطيط عن نسبة اثنين في المئة لمستوى الجوع في البلاد هي نسبة قريبة من الواقع على الرغم من أن الوزارة بحاجة إلى مزيد من الدراسات لظاهرة الفقر في العراق، وأن تحدد الدخل اللازم للفقر المدقع.
تقرير غير واقعي
من جهته، اعتبر المتخصص في الشأن الاقتصادي حسن الشيخ أن تقرير منظمة الأغذية العالمية "لا يستند إلى الواقع، وسيزيد من مخاوف العراقيين".
وأضاف، "العراق في تسعينيات القرن الماضي وفي ظل الحصار الاقتصادي لم يشهد نسباً عالية في المجاعة كالأرقام المعلنة من قبل المنظمة. فالبلاد لن تمر بمجاعة في ظل زيادة أسعار النفط وتوقعات زيادة الانتعاش الاقتصادي، لا سيما بعد التوجه إلى استثمار الغاز".
وتابع، "وزارة العمل لو وزّعت إعانات على السكان العاطلين بقيمة تصل ما بين 8 إلى 10 مليارات دولار وبواقع 250 دولاراً للفرد الواحد للعاطلين من العمل، سيعني خفض نسب الفقر وتحريك السوق"، مؤكداً أن نسبة الفقر "تُقاس على معدل دخل الفرد، وأن العراق في وضع أفضل من عدد من الدول المجاورة".