بدأت صياغة أسلوب التصميم الإسكندنافي في أوائل القرن العشرين شمال أوروبا في الدول الإسكندنافية، وبدرجة جيدة في فنلندا وأيسلندا أيضاً، واستمد عناصره المميزة من المناخ الخاص بهذه البلدان مع الاعتماد على الطبيعة وموادها، فهو يمزج بين البساطة ووضوح الوظيفة، ويقدم حلاً مدروساً لمحبي الحياة البسيطة.
وكانت قد شهدت السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية تكاتف دول إسكندنافيا معاً، ظهر هذا التعاون بشكل خاص وواضح في مجال التصميم، من خلال سلسلة من المؤتمرات في المدن الإسكندنافية، وفي هذا الوقت كانت حركة التصميم تتشكل تدريجياً إلى أن تبلورت في منتصف الخمسينيات، ككيان مستقل ومعروف في جميع أنحاء العالم، وترك تأثيره في كل شيء من المعمار والتصميم الداخلي إلى تصميم المنتجات.
شعبية كبيرة
ويكمن سر الشعبية الكبيرة لهذا الطراز بكونه يجمع بين الخطوط الواضحة واللمسة الجمالية البسيطة مع الحرفية التقليدية والعناصر المتعددة الوظائف، حيث يوفر مساحة كبيرة للتعبير عن الذات، ويساعد في إنشاء تصميمات داخلية مشرقة ومتجددة الهواء، ويتناسب مع مساحات المعيشة الحديثة التي تتطلب منتجات عملية وقابلة للتكيف والصمود أمام اختبارات الزمن.
وهو مقبول ومرغوب عند الكثيرين لمميزاته البسيطة والمريحة والأنيقة في الوقت ذاته، حيث تُسهل هذه الأناقة البسيطة إنشاء مساحة منظمة وعصرية، كما يمكن لبعض العناصر المختارة جيداً جنباً إلى جنب مع الأثاث عالي الجودة والإضاءة أن تحدث فرقاً كبيراً في المظهر العام.
عملي وغير متكلف
وهو طراز عملي وبسيط ويهدف إلى الراحة والاتساع، بعيداً عن الزخرفة والمبالغة والأجواء المعتمة والتكلف وكثرة الأثاث، مما يمنح المساحة بأكملها شعوراً دافئاً، ومضموناً يوصف بأنه hygge باللغة الدنماركية، فالجدران البيضاء والأرضيات الخشبية والأثاث الحديث والديكور البسيط (المينيماليست) كلها سمات مميزة للأسلوب الإسكندنافي.
واللون الأبيض العاكس للضوء يُعد خياراً مثالياً في جدران المساحات الداخلية الخاصة بهذا الطراز، وهو يحقق بشكل أو بآخر شرط التوازن في معادلة الاتساع والدفء وقوة الإضاءة، فبوجود المواد السميكة والألوان الداكنة يأتي اللون الأبيض ليحقق انطباع الاتساع ويزيد الإحساس بالإنارة.
التصميم يتبع الوظيفة
يتلخص التصميم الإسكندنافي بعناصره الرئيسية الثلاثة (الوظيفة، البساطة، الحرفية)، مع حضور قوي للمواد الطبيعية كاللمسات الخشبية بخاصة الأخشاب باهتة اللون مثل خشب الزان والصنوبر، والنباتات المعلقة والمساحات الخضراء المورقة، وكذلك المواد التي تضفي إحساساً بالدفء ولا تتأثر ببرودة المحيط كالصوف والكتان والمنسوجات الطبيعية والفرو والجلود، إضافة إلى الزجاج والمعادن.
فقد جاء هذا النهج الجديد في التصميم على هيئة مزيج خاص من الجمال والبساطة وقوة التطبيق العملي، وكان عنصر الوظيفة مؤثراً في هذا الطراز، كما في حركة الباوهاوس، حيث أثرت المناخات القاسية في شمال أوروبا (بخاصة خلال فصل الشتاء) في الإسكندنافيين لفترة طويلة، مما دفعهم إلى تقديم المنفعة والبساطة على الزخرفة والتزيين، فالتصميم يتبع الوظيفة بقوة وبشكل حاسم في هذا الأسلوب.
تعدد الاستخدامات
نحن أمام طراز تصميم داخلي مرن ومتعدد الاستخدامات versatile style، فهو يوفر مساحة كبيرة للتعبير عن الذات، وفي الوقت نفسه يساعد في إنشاء تصميمات داخلية مشعة ومشرقة ومجددة للهواء، كما يناسب أيضاً مساحات المعيشة العصرية التي تستلزم منتجات عملية وقابلة للتكيف والصمود أمام اختبار الزمن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتميل الغرف المصممة على الطراز الإسكندنافي إلى تشديد اللون الأبيض أو أي لون فاتح محايد على الجدران لتأكيد حضور الضوء، مزوداً بألوان فاتحة ومحايدة مع بعض التدرجات الخافتة والداكنة، التي تذكر بالمناظر الطبيعية في بلدان الشمال الأوروبي، إضافة إلى مساحات متجددة الهواء ومفتوحة بحرية لاستقبال الضوء.
تقدير الطبيعة
ينعكس تقدير الإسكندنافيين العميق للطبيعة بشكل واضح في هذا الأسلوب، فتميل الأرضيات الخشبية إلى البقاء مكشوفة بدرجة لون طبيعي وأقرب إلى الباهت وجدران بيضاء مع النوافذ الكبيرة تسمح بتدفق الضوء الطبيعي إلى الداخل، فبسبب الشتاء المتجمد والطويل يتطلب هذا الطراز توفير كمية كافية من الإضاءة سواء الطبيعية باستخدام الفتحات الكبيرة للسماح لأكبر نسبة من الضوء بالعبور إلى المساحة أو الصناعية المختارة بعناية وتوزيعها بشكل ينشر النور في كل مكان، إضافة إلى استخدام الستائر الشفافة النافذة للضوء.
مفهوم جديد
للتصميم الإسكندنافي مساهمات كبيرة في مجال تصميم الأثاث، كما تعود التصاميم الأكثر شهرة في العالم إلى العصر الذهبي للتصميم الإسكندنافي، وتبدو هذه التصميمات الأيقونية رائعة ومبتكرة اليوم كما كانت في ثلاثينيات وستينيات القرن الماضي، فما زال هذا الإرث هو الأكثر استمرارية وديمومة وتأثيراً وشهرة وطلباً حتى يومنا هذا، فهو يتميز بالبساطة المطلقة وقوة الدور الوظيفي، وغالباً ما يستخدم المصممون الخشب الصلب أو المصمت لصنع كراسي وطاولات وعناصر أثاث أخرى مصممة بأسلوب دول الشمال، تكملها المواد الطبيعية، مثل المنسوجات الجلدية والكتان وغيرها.
وغالباً ما تكون إيكيا السويدية، الوجهة الأولى لطالبي الأثاث سواء بغرض الاقتناء أو الاستلهام من التصميمات المرنة، والمتميزة بالتخزين المخفي وبسهولة التركيب والتفكيك والنقل.
لقد أعادت التصاميم الإسكندنافية تعريف مفهوم الأثاث وأثرت في أجيال طويلة من مصمميه، حيث إن العديد من قطع الأثاث المشهورة على مستوى العالم مصممة بأيدي مصممين إسكندنافيين.
رواد التصميم
يرتبط تاريخ التصميم الإسكندنافي ارتباطاً وثيقاً بأسماء مهندسين معماريين ومصممين يحظون باحترام وتقدير عالٍ على مستوى العالم، من بينهم شخصيات مشهورة ساعدت في تجلي العصر الذهبي للتصميم الإسكندنافي، أهمها الفنلندي "ألفار آلتو" الملقب بـ"أبي الحداثة" والشهير بتصاميم أوانٍ زجاجية مبتكرة، معروفة باسم Finlandia glassware series، وكذلك مواطنه "تيمو ساربا نيفا" رائد التصاميم الصناعية، والمصمم النرويجي "أولاف هاوغ" وهو الخبير الحرفي الذي قدمت تصاميمه فهماً مختلفاً وعميقاً للأعمال الخشبية والحرفية ذات الجودة العالية والأثاث المصنوع بتقنية الضغط أو ما يسمى بالنروجية Compresin.
ومن الأسماء المعروفة أيضاً السويدي "برونو ماتسون" الذي عبر عن وظيفة التصميم بشكل كبير في أعماله ومن أهمها "كرسي" Eva الشهير، وكذلك الدنماركي "بول هينينغسن" الذي ارتبط بتصميمه سلسلة مصابيحPH باستخدام تقنيات جديدة، ومواطنه "كاري كلينت" المعروف بـ"أبي الأثاث الدنماركي الحديث" الذي أكمل مسيرة والده "بيدير كلينت" وتابع تنفيذ أعماله غير المكتملة ومنها كنيسة Grundtvig في كوبنهاغن، إضافة إلى الدنماركيين "آرنه جاكوبسن" ومن أشهر أعماله الكرسي المسمى Egg chair، و"بورج موجينسن" مصمم الكرسي المعروف باسم Spanish Chair، وغيرهم كثيرون.